SV الرئيسية تاريــخ لاهــوت   نشاطات أخبار سؤال وجواب  

تعازي وأحزان

شارك الآخرين أفراحك

إن الديانة النصرانية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

إقرأ المزيد عن الكنيسة

إنجيل الاسبوع

 

سؤال الشهر

 

مــيــديا

 

تـــقـــويــم

 

مــشــاركات

 

أرشيف

 

تـــحــميل

 

روابــــط

 

إتصل بـــنـــا

 

وصية

 جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا.

 

 

 

 

حلقة (7)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

7. مار توما درمو، الأيام الأخيرة:

بعد مضي ستة أشهر في بغداد أخذ مار توما درمو يعاني من تضخم في غدة البروستات، ونصحه الأطباء بإجراء عملية جراحية. لكن مار توما درمو أهمل الموضوع، لأنه كان يخطط للقيام بزيارة سورية ومن هناك يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة شؤون الكنيسة في تلك البلاد، وهناك يعرض نفسه على الأطباء. ولكن الألم لم يكن يطاق بعد حيث اشتدت الأعراض يوم 10 آب 1969 ونصحه الدكتور جابر محسن بالدخول إلى مستشفى القديس روفائيل لإجراء العملية. بقي في المستشفى لمدة أسبوع يجري الفحوصات الضرورية قبل العملية، على يد خيرة الأطباء الأخصائيين وفي يوم 20 آب تم إجراء العملية بنجاح من قبل أربع جراحين. بينما كان مار توما درمو في فترة النقاهة والشفاء بعد العلمية الجراحية وفي يوم 25 آب بالذات أخذ وضعه الصحي بالتدهور مصحوباً بارتفاع شديد في درجة الحرارة ولم يتم تشخيص سبب ارتفاع الحرارة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة يوم 7 أيلول 1969 الساعة 9:45 صباحاً. وكانت القرير الطبي النهائي ينص على أن سبب الوفاة هو إصابته بحمى التيفوئيد عقابيل إصابته بمرض السكري. توفي مار توما درمو بعد سنة واحدة بالضبط من دخوله العراق ونفاذ وثيقة السفر الممنوحة له من الهند. كانت الوثيقة تنص على أنه بلا وطن (Stateless) فعلاً عاش مار توما درمو في هذا العالم غريباً وبلا وطن وغادره إلى موطنه الأصلي في ملكوت السماوات. بقي الجثمان في مستشفى القديس روفائيل ليلة، حيث نقل في اليوم التالي الساعة 09:00 صباحاً إلى كاتدرائية مار زيا الطوباوي، في موكب مكون من مئات السيارات تقطع شوارع بغداد عبر الجسر الجمهوري إلى جهة الكرخ حيث الكنيسة. وكان هناك الآلاف من الرجال والنساء والأطفال على جهتي الشارع المؤدي إلى الكنيسة وهم يبكون ويذرفون دموع الحزن والأسى على رحيل هذا الراعي الجليل. حمل النعش على أكتاف الكهنة وعلى الجانبين كان الشمامسة يرتلون صلوات الجناز الحزينة، يتقدمهم عشرون كردوساً من البنات والأولاد في الثياب البيضاء يحملون أكاليل الورد. لقد استغرق الموكب أكثر من ساعة ليصل الكاتدرائية، بينما كانت أجراس الكنيسة تقرع معلنة رحيل رأس

كنيسة المشرق الذي رقد جثمانه في الكنيسة تلك الليلة على ضوء الشموع وصلوات "الشهرا" للأكليروس دون انقطاع.

وفي صباح اليوم التالي 9 أيلول 1969. قام نيافة مار أدي ميطرافوليط بغداد يعاونه سبعة عشر من الكهنة بتقديس رتبة القربان المقدس على راحة نفس البطريرك الراحل، وقد حضر القداس ما يقارب الخمسة آلاف من أبناء الكنيسة من الشعب الآشوري ومن بقية الكنائس الشقيقة ومن غير المسيحيين. وفي تمام الساعة 1:30 نقل جثمانه إلى مثواه الأخير حيث رقد على رجاء القيامة. كان يوماً حزيناً لكنيسة المشرق في العراق والهند والعالم لفقدانها راعيها الذي لا يعوض، وفي مرحلة من أحرج المراحل التي كانت الكنيسة تمر فيها عبر تاريخها الطويل.  عاش مار توما درمو 65 عاماً يمكن تقسيمها إلى أربع فترات من ستة عشر سنة لكل فترة:-

1904 – 1920 عاش في تركيا ومخيم اللاجئين في بعقوبة (العراق).

1920 – 1936 في الموصل (شمال العراق).

1936 – 1952 في سورية.

1952 – 1968 في الهند.  والسنة الأخيرة كانت في العراق.

بعد انتقال البطريرك العظيم مار توما درمو إلى الأخدار السماوية، قام مار أداي ميطرافوليط بغداد في كانون الأول 1969 برسامة القس توما سورو والقس ارميا كوركيس إلى الدرجة الأسقفية ثم إلى درجة ميطرافوليط الأول باسم مار نرساي توما لأبرشية كركوك والثاني باسم مار توما ارميا لأبرشية نينوى ودهوك. وبذلك أصبح عدد مطارنة الكنيسة الشرقية القديمة أربع مطارنة هم :- مار أداي (بغداد)، مار ابريم (الهند)، مار نرساي (كركوك)، مار توما (نينوى)، بالاضافة إلى أسقف واحد هو مار بولس بولس أسقف الهند.

في بداية عام 1970 اجتمع المطارنة أعلاه وانتخبوا مار أداي مطران بغداد إلى الدرجة البطريركية لكنهم تريثوا في رسامته، وذلك لإعطاء فرصة أخرى ربما لإعادة اللحمة إلى شقي الكنيسة (اتباع التقويم الغربي والشرقي). لأنهم كانوا قد سمعوا عن إشاعات تدور في الأواسط الآشورية عن قرب زيارة البطريرك مار إيشاي شمعون إلى العراق.

المار شمعون يغير سياسته:- بعد رحلة طويلة ومضنية استقر البطريرك مار إيشاي شمعون 23 في شيكاغو عام 1940 ونال الجنسية الأمريكية عام 1949، لقد اختار الاستقرار في شيكاغو حيث كان مار طيمثاوس أبيمالك قد أسس أبرشية للكنيسة الشرقية من المهاجرين  الآشوريين خلال زيارته لهم عام 1924. كان البطريرك خلال حديثه أمام عصبة الأمم ومجلس الأمن عام 1945 والأمم المتحدة عام 1947 يؤكد على ضرورة إقامة وطن قومي للآشوريين في مناطق تواجدهم.

 في سنة 1948/1949 نجح القاضي محمد والملا مصطفى البارزاني وبعض من رفاقهم وبمساعدة مباشرة من ستالين في تأسيس جمهورية مهاباد الكردية في إيران لكن هذه الجمهورية الفتية لم تدم طويلاً بسبب ضغط كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على ستالين لسحب دعمه لها، وبعد ذلك قامت الحكومة الإيرانية بسحق جمهورية مهابات الكردية بوحشية بالغة وتم إعدام مؤسسها القاضي محمد ونجا الملا مصطفى البارزاني ولجأ إلى روسية، أثناء عمليات الجيش الإيراني أحرقت العديد من القرى الآشورية وقتل العديد من الآشوريين في أذربيجان [1]. لم يستطع المار شمعون من حماية الآشوريين من خلال مساعيه لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فأدرك أن الاعتماد على المؤسسات الدولية والقوى الغربية لا تجدي نفعاً، وليس هناك في السياسة صديق دائم أو عدو دائم إنما هناك مصالح دائمة. فقام بكتابة رسالة إلى آشوريي إيران يحثهم فيها إلى الولاء والإخلاص للشاه ولوطنهم إيران والاندماج في المجتمع الإيراني والسعي لتحصيل العلم والتقدم وأخذ مكانتهم في البلد كمواطنين إيرانيين أوفياء لبلدهم. لذلك تعتبر سنة 1948 نقطة تحول في سياسة البطريرك، حيث قام بكتابة عدة مقالات في "نور من الشرق" مجلة كنيسة المشرق الرسمية بهذا الاتجاه وتخلى عن فكرة تأسيس وطن قومي للآشوريين. لقد كانت دهشة المراقبين البريطانيين لا توصف عندما زار البطريرك أوربا سنة 1952 وقام بإلقاء محاضرة أمام الجمعية الملكية البريطانية لآسيا الوسطى، لم تتضمن محاضرته أي شيء عن الخيانة البريطانية للآشوريين أو المطالبة بوطن قومي لهم، إنما بدا ودوداً ومسالماً وطلب إلى الآشوريين التقدم والإزدهار وخدمة أوطانهم التي يتواجدون فيها [2].

في شهر نيسان 1948 كانت هناك تقارير قادمة من منطقة الخابور والجزيرة السورية مفادها أن هناك قحط ومجاعة بين القرى الآشورية في تلك المناطق، على أثرها قام البطريرك بتوجيه نداء إلى مسيحيي الولايات المتحدة الأمريكية طالباً المساعدة وجمع التبرعات للآشوريين في هذه المناطق وكان هدف البطريرك جمع مبلغ 250 ألف دولاراً، لكن المحاولة فشلت ولم يجن البطريرك سوى بضعة مئات من الدولارات حسب ما جاء في مجلة الكنيسة الأسقفية الأمريكية "The Living Church" لكن الأنباء وصلت إلى آشوريي سورية بأن البطريرك قد قام بجمع أموال طائلة بلغت آلاف الدولارات باسمهم وقد استغل محنتهم لمنافعه الشخصية، كما هي العادة دائماً لدى الشعوب والمجتمعات الشرقية في تعظيم وتضخيم الأمور.

على أثر ذلك قام السيد يوسف سليمان من مدينة القامشلي بمعاونة مجموعة من آشوريي قرى الخابور في سورية ومدينة الحسكة وتوابعها من القرى والتجمعات الآشورية بتأسيس لجنة تحرير آشور (Assyrian Liberation Committee “ ALC”) أصدرت اللجنة بياناً في 30 نيسان 1949 موقع من قبل 145 شخصية آشورية يستنكرون فيه ما قام به المار شمعون من جمع الأموال باسمهم مستغلاً محنتهم، وكذلك يؤكدون رفضهم لقيادته الدينية والدنيوية، وعليه فلا يحق له تمثيلهم في المحافل الدولية أو التكلم باسمهم [3].

الآشوريون والمسألة الكردية: في يوم 11 آذار 1970 توصلت الحكومة العراقية والقيادة الكردية إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتم التوصل إلى صيغة للحكم الذاتي للأكراد صدر في ما سمي ببيان 11 آذار الذي وضع نهاية للعمليات العسكرية في شمال العراق التي استمرت منذ اندلاع الثورة الكردية في أيلول عام 1961. نص بيان 11 آذار 1970 على الهدنة بين الطرفين ومنح المنطقة حكماً ذاتياً متطوراً على أن يطبق بعد أربع سنوات من تاريخ البيان.

خلال فترة الأربع سنوات قامت الحكومة العراقية بعمل المستحيل لإفشال مشروع الحكم الذاتي، ومن بين هذه المحاولات كانت فكرة تأليب الاقليات الاثنية الموجودة في المنطقة ضد الثورة الكردية هي الأكثر حظا. لذلك كانت الحكومة العراقية تبحث عن شخصية قيادية آشورية مؤثرة للقيام بالمهمة. بدأت الحكومة العراقية الاتصالات بالبطريرك مار إيشاي شمعون عن طريق أحد الآشوريين العراقيين الذي كانت قد جندته مخابراتها لاستدراجه إلى العراق للقيام بهذه المهمة الصعبة. طلبت الحكومة من البطريرك كتابة رسالة رعوية إلى الآشوريين العراقيين على غرار تلك التي كتبها إلى آشوريي إيران عام 1948، فكتب البطريرك إلى آشوريي العراق فعلاً في أوائل 1970 وتم قراءة الرسالة في جميع كنائس العراق، يحث فيها البطريرك كافة الآشوريين بالولاء والإخلاص للوطن العراق، ويعترف بالحكومة ويكيل لها المدح والثناء ويشبهها بفترة الدولة العباسية. وكانت الخطوة التالية أن قامت الحكومة العراقية بإصدار قرار العفو عن البطريرك وإعادة الجنسية العراقية له، التي كانت قد أسقطت عنه عام 1933. وتوجيه دعوة رسمية له لزيارة العراق. وصل البطريرك إلى بغداد يوم 24 نيسان 1970 وتم استقباله استقبالاً رسمياً وشعبياً وكانت الحشود والوفود الآشورية من كافة أنحاء العراق والتي قدرت في وقتها بـ 150 ألف شخص، تمتد على مدى البصر من مطار بغداد الدولي إلى القصر الجمهوري حيث التقى الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين ووزير الداخلية بقية المسؤولين. وحل البطريرك ضيفاً رسمياً على الحكومة العراقية. أصدرت الحكومة العراقية بيان مجلس قيادة الثورة المرقم 286 يوم 21 أيار 1970، تعترف فيه بالبطريرك مار إيشاي شمعون كرئيس للكنيسة الشرقية النسطورية والرئيس الأعلى للشعب الآشوري في العراق. أنها سخرية الأقدار في دول العالم الثالث أن تناقض الحكومات قراراتها قبل أن يجف حبر التوقيع عليها. حيث كانت نفس الحكومة ونفس الرئيس قد أصدر قبل سنة من هذا التاريخ قراراً لصالح البطريرك مار توما درمو واصفاً إياه ببطريرك الكنيسة الشرقية والرئيس الأعلى للشعب الآشوري في العراق. ويصف البطريرك مار إيشاي شمعون الذي كان يعيش في المنفى برئيس حركة سياسية خطيرة ومرتبط بالاستعمار الأجنبي [4].

على أثر هذا القرار تم الاستيلاء على كافة الكنائس والممتلكات وأعيدت مرة أخرى إلى أتباع مار إيشاي شمعون (التقويم الغربي) وتم التنكيل بأتباع مار توما درمو (التقويم الشرقي) وانتزاع كافة الحقوق منهم وزج العديد منهم في السجون ومراكز الشرطة. عرضت الحكومة العراقية على البطريرك بنقل مقر إقامته إلى بغداد، لكن البطريرك رفض العرض خوفاً من أن يتورط في مخططات الحكومة العراقية التي تعمل جاهدة لإجهاض مشروع الحكم الذاتي للأكراد. لم يكن موقف الآشوريين في ذلك الوقت واضحاً تجاه حزب البعث. على عكس  ذلك كان العديد من الآشوريين والكلدان قد انخرطوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وكانوا قد حملوا السلاح للقتال في صفوف هذين الحزبين ضد السلطة المركزية في بغداد على أمل نيل شيء ولو بسيط من حقوقهم المهضومة، حيث كان كلا الحزبين الديمقراطي الكردستاني والشيوعي العراقي يناديان بحقوق الأقليات الأثنية في العراق، وعدم جواز التفريق بين العراقيين بسبب المعتقد أو اللغة أو القومية. نذكر على سبيل المثال في الحزب الشيوعي، بيتر باسل ومؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان (الشهيد فهد) الكلدانيين، وثيودورس وبنيامين والسيد توما البرواري (آشوريين). وانخرط العديد من الآشوريين في الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب المصير المشترك والجيرة والجغرافية المشتركة للشعبين الكردي والآشوري وكان للبعض علاقة صداقة عائلية حميمة مع عائلة الملا مصطفى البارزاني، تبؤو مراكز قيادية عليا مثل المرحوم هرمز مالك جكو. قضى البطريرك في العراق حوالي شهر زار خلاله كافة المدن الكبرى والمحافظات التي كان يتواجد فيها الآشوريون، وعاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كان التنظيم الآشوري الوحيد في تلك الفترة في المنفى هو الاتحاد الآشوري العالمي وكان يطالب بحقوق الآشوريين في العراق، تمكنت أجهزة الحكومة العراقية من الوصول إلى قيادات الاتحاد الآشوري العالمي وأن تتفاوض معهم، إلى درجة أن الاتحاد الآشوري العالمي قام عام 1972 وضع صورة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر على الصفحة الأولى من مجلة "النجم الآشوري" (The Assyrian Star) والتي كانت الناطق الرسمي باسم الاتحاد وتحولت فيما بعد إلى مجلة "نكغها". 

أعادت الحكومة العراقية المحاولة مرة أخرى ودعت البطريرك مار إيشاي شمعون لزيارة العراق عام 1972، ولكن هذه المرة بدعم ومساندة فصيل سياسي آشوري هو الاتحاد الآشوري العالمي الذي رافق وفد من قيادته البطريرك في زيارة إلى العراق. طلبت الحكومة العراقية هذه المرة من المار شمعون أن يقوم بتنظيم وحدات عسكرية شبه نظامية من الشباب الآشوري تكون تحت قيادته المباشرة تساندها المدفعية والقوة الجوية العراقية لمقاتلة الأكراد.

رفض البطريرك هذه الطلب موضحاً بأنه رجل دين ولا يرغب القيام باعمال عسكرية وسياسية تسيء إلى سمعته وسمعة كنيسته. لكنه نوه للحكومة العراقية بأن الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة هو ملك ياقو ملك اسماعيل والذي كان في ذلك الوقت يعيش في كندا مع عائلته، والمعروف بأن ملك ياقو هو ضابط قديم في الجيش الليفي الآشوري وكان قد قاد حركة 1933 وهو متمرس في قيادة الوحدات الغير النظامية والحروب الجبلية. بعد أن فشلت كل محاولات الحكومة مع البطريرك أخذت أجهزة مخابرتها تدبر خطة للتخلص منه فجندت فتاة آشورية وكلفتها بدس السم في طعامه [5]. لكن هذه الفتاة رفضت القيام بهذا العمل الشنيع وأفشت السر إلى المقربين من البطريرك وأعضاء وفد الاتحاد الآشوري العالمي المرافقين للبطريرك. ومنذ ذلك الوقت اختفت هذه الفتاة وقام أهلها بالبحث عنها وكتابة العديد من الطلبات إلى رئيس العراق ولكنها لم يعلموا عن مصيرها حتى الآن. قضى البطريرك هذه المرة في العراق مدة 28 يوماً وتمكن من الخلاص بجلده حيث عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم 22 أيار 1972.

بدأت الاستعدادات لاستدراج ملك ياقو إلى العراق، وفي هذا السياق قامت الحكومة العراقية بإصدار العديد من القرارات، منها قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية أصدر في نيسان 1972، وقرار مجلس قيادة الثورة في يوم 25 / 12 / 1972 القاضي بإعادة تشكيل وحدات إدارية خاصة بالآشوريين لكي يتسنى لهم ممارسة حقوقهم الثقافية والإدارية ضمن هذه الوحدات حيث يشكلون الأكثرية. وأخيراً قرار يوم 20 / 12 / 1972 القاضي بإصدار العفو العام عن كافة الآشوريين الذين شاركوا في أحداث 1933 وإعادة الجنسية العراقية لهم وتسهيل عودة من يرغب منهم إلى العراق. على ضوء هذه القرارات أصبحت الظروف ملائمة لملك ياقو أن يقوم بزيارة العراق، وقام فعلاً بزيارة العراق في شهر شباط 1973 مع وفد من قيادة الاتحاد الآشوري العالمي، والنتيجة الكارثية لهذه الزيارة معروفة للقاصي والداني من أبناء شعبنا الآشوري. حيث كان ملك ياقو أميناً على المطالبة بحقوق شعبه في العراق ولكن ليس على حساب الشعب الكردي ولم ينجرف وراء وعود الحكومة العراقية التي كانت تسعى إلى حمله لمقاتلة الأكراد . إلى أن توفي يوم 24 كانون الثاني 1974 والشكوك تحوم حول قيام أجهزة المخابرات بدسم السم في طعامه كما كانت قد خططت للبطريرك [6].

رسامة البطريرك مار أدي الثاني الكلي الطوبى: كما ذكرنا أعلاه كان مطارنة وأكليروس ومؤمني الكنيسة الشرقية القديمة قد اجتمعوا بعد وفاة المثلث الرحمات البطريرك مار توما درمو واختاروا مار أدي ميطرافوليط بغداد للدرجة البطريركية لكنهم أجلوا رسامته ريثما يصل البطريرك مار إيشاي شمعون إلى العراق لإعطاء الفرصة الأخيرة لإعادة اللحمة لشقي الكنيسة (التقويم الشرقي والغربي). لكن قدوم المار شمعون إلى العراق خيب ظنهم حيث أنه بدلاً من أن يجتمع إليهم ويحاول تذليل العقبات باتجاه توحيد الكنيسة أخذ يصفهم بالمتمردين والمحرمين بنفس عنجهيته المعهودة وتمادى في غييه وأصدر أوامره باسترجاع الكنائس واعتقالهم وتوقيفهم. والتهى بالأمور السياسية بدلاً من القيام بترتيب أمور الكنيسة. فما كان من أتباع التقويم الشرقي إلا القيام برسامة البطريرك المنتخب (مار أداي مطران بغداد) وتم الرسامة يوم الأحد المصادف 20 شباط 1972 في كاتدرائية مار زيا الطوباوي في بغداد وكانت الرسامة برئاسة مار نرساي توما مطران كركوك يعاونه المطران مار توما كوركيس مطران نينوى بمشاركة العديد من الكهنة والشمامسة وأبناء الشعب، والبطريرك الجديد مار أدي الثاني هو البطريرك 109 في سلسلة بطاركة كنيسة المشرق الجالس سعيداً على كرسي بطرس الرسول هامة الرسل في ساليق وقطيسفون [7].

 

صورة قداسة البطريرك مار أدي الثاني يوم رسامته عام 1972

 

أدركت الحكومة العراقية بأنها تراهن على حصان خاسر باعتمادها على الرئاسات الدينية الآشورية للقيام بشيء يذكر لمحاربة الحركة القومية الكردية. فتوجهت أنظارها هذه المرة إلى العقيد المتقاعد يوسف ملك خوشابا للقيام بهذه المهمة. 

يقول السيد اسحق أسيا في كتابه الآشوريون والكلدان منذ فجر التاريخ ص 634 وما بعدها:- [[بينما كنت يوماً جالساً في مقر البطريركية للكنيسة الشرقية القديمة وكان حاضراً معنا البطريرك مار أدي الثاني مع مجموعة من الكهنة والشمامسة ووجهاء الآشوريين. فجأة دخل علينا ملك يوسف ملك خوشابا مسرعاً وكأن أحداً يلحقه أو أمراً خطيراً قد حدث. وكانت في يده رسالة دفعها إلى البطريرك وهو يردد أنظر…. أنظر… أقرأ…. اقرأ، لقد ألقى الأكراد هذه الرسالة في حديقة داري وبعد قراءة الرسالة كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يحذر فيها يوسف ملك خوشابا من مغبة القيام بتنظيم قوة آشورية لمحاربة الحركة الكردية، ويقول فيها أنها هذه المرة رسالة تحذير لكنها ستكون في المرة القادمة "قنبلة"]].

أمر ملك يوسف البطريرك مار أدي بالذهاب إلى الشمال والإقامة في قرية شرفية القديمة من القوش، وقام هو (ملك يوسف) بالذهاب إلى مدينة الموصل ولا يزال الكلام للسيد اسحق أنويا وقال لنا:- إذا سأل أحد عني قولوا له بأن ملك يوسف قد ذهب إلى محافظة الموصل وذلك لنقل رفات والده ملك خوشابا لأن مياه سد الموصل ستغمر قبره، وسوف يبقى هناك لمدة ستة أشهر. كانت هذه التحركات من قبل ملك يوسف ليبين للأكراد حسن نيته تجاه الحركة الكردية وبأنه لا ينوي محاربتها وإلا لم يكن هو يأتي إلى الموصل ويرسل البطريرك إلى قرية شرفية القريبة من المنطقة الكردية. أخذ البطريرك مار أدي يرسل رسالة تلو الأخرى إلى رعيته طالباً العودة إلى بغداد. وبعد إلحاح البطريرك قام الضابط الآشوري أنويا شليمون مع أخيه بنيامين شليمون بالذهاب إلى قرية شرفية وإعادة البطريرك إلى مقره في بغداد. بعد أن عرف ملك يوسف بأن البطريرك قد عاد إلى بغداد دون علمه غضب كثيراً وقطع علاقاته معه، وتبنى المطرانين مار نرساي توما ومار توما ارميا، وحدث إنشقاق في الكنيسة الشرقية القديمة دام عدة عقود بسبب هذا التدخل السافر للحكومة العراقية في شؤون الآشوريين [8].

 

صورة مار إيشاي شمعون في مطار بغداد الدولي مغادراً العراق للمرة الأخيرة بعد فشل مفاوضاته مع الحكومة العراقية، ويظهر في الصورة مجموعة من مودعيه بينهم وزير الداخلية العراقي

 سعدون غيدان.

 

 

[1] The Church of the East, By Christoph Baumer PP. 269 - 270

[2] Bulletine John Rylands Library P. 186

[3] اقرأ المزيد عن هذه اللجنة مع قائمة باسماء الموقعين في كتاب (The Assyrians and

 The Chaldeans Dawn of History, By Issac E. Asia, London. PP. 590 - 595)

[4] The Church of the East, By Christoph Baumer. London 2006, P.270.

[5]  The Assyrian and The Chaldeans Dawn of History, By Isaac E. Asia London, July 2007 . Page 638

[6] نفس المصدر السابق ص 640 .

[7] Mesopotamia Light, By Mar Aprem 1993 Page 32.

[8] للمزيد أقرأ The Assyrians and the Chaldeans Dawn of History By Isaac E. Asia.

 

 

                     للإطلاع على الحلقة السابقة إنقر هنا 1، 2، 3، 4، 5، 6

   Copyright ® 2007 www.karozota.com

             Österns Gamla Kyrka