• 8 December, 2024 20:39

Karozota.com

Sweden

مصير ثيودورس بعد موته

Bykarozota.com

Jul 3, 2011

من كتاب “ثيودورس أسقف المصيصة ومُفسر الكتب الإلهية”

الأب د. بولس الفغالي

مات ثيودورس سنة 428، ولكن المجادلات اللاهوتية استيقظت بعد موته وظلت تعمل في الكنيسة سحابة قرن وربع قرن انتهت بالحكم على ثيودورس شخصيًا وعلى تعاليم رفيقيه تيودوريتس القورشيّ وهيبا الرهاويّ. مات ثيودورس في سلام مع الكنيسة ولو حاول أحد أن يمس ذكراه بشرّ لكان مجمع خلقيدونية قام عليه. ولكن سيهاجمه الأمبراطور يوستنيانس، والمجمع المسكوني الخامس الذي عقد في القسطنطينية سنة 553 وقداسة البابا فيجيليوس (537-555). وسيحكمون عليه بعد موته ويضعونه في مصاف الهراطقة. ما اكتفوا بأن يبرزوا ما في تعليمه من “ظلال”، بل أرادوا الوصول إلى شخصه ليجعلوه بين الهالكين أو أقله ليمنعوا تباعه من أن يضعوه في مصاف المعلمين القديسين.

فما الذي حدث بين سنة 428 وسنة 553 ليلقى هذا اللاهوتي الذائع الصيت ومفسر الكتب الإلهية هذا المصير المؤلم فيُجعل بين النساطرة ويستحق الهلاك الأبدي؟ لا شك في أن السياسة لعبت دورها، وأن أصحاب المشيئة الواحدة سيطروا على البلاط البيزنطي، وأن رومة ضعفت أمام أمبراطور الشرق فكان المجمع المسكوني الخامس نتيجة صراعات عديدة انتهت بتعميق هوة الشقاق بين الكنائس وفتحت الدرب أمام أصحاب المشيئة الواحدة.

ولنعد إلى الأحداث فنتوسع فيها، وقد سمّاها اللاهوتيون قضية الفصول الثلاثة لأنها تشير إلى مقتطفات مما كتبه ثيودورس وتيودوريتس وهيبا. وستصبح فيما بعد قضية الرؤوس الثلاثة لأن الفريق الأمبراطوري ما اكتفى بشجب تعاليم ثيودورس المصيصي وتيودوريتس القورشي وهيبا الرهاوي بل أراد إدانتهم. لن نتحدث عن تيودوريتس وهيبا اللذين حرمهما مجمع اللصوص الذي انعقد في أفسس في آب سنة 449 (ليس بمجمع مسكوني)، وأعاد إليهما مجمع خليقدونية المسكوني الرابع (451) كل اعتبار. ولكننا نتوقف عند ثيودورس.

  1. تعليم ثيودورس

كان ثيودورس ممثلا لمدرسة أنطاكية فأوضح مبادئ التأويل الحرفي بوجه التأويل المجازي الذي عرفته مدرسة الإسكندرية. أما لاهوته الخاص بسر التجسد فقد وقف بوجه أبوليناريوس وما يمثله تعليمه من خطر في سورية ومصر. ولقد قام ثيودورس بوجه المونوفيسية (أو التعليم عن الطبيعة الواحدة) القواعد الأساسية للديوفيسية (التعليم عن الطبيعتين في المسيح) والاعتقاد بأن في المسيح طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية. ولقد أثبت بالجدل المؤسس على معرفة عميقة بالكتب المقدسة، وجود طبيعة إنسانية حقيقية وملموسة وكاملة وفاعلة في يسوع. ولكنه لم يوفق حين أراد أن يعبر عن وحدة المسيح. لا شك في أنه أعلن اعتقاده بابن واحد لله، برب واحد هو يسوع المسيح، بمحور واحد تنسب إليه في النهاية كل نشاطات الإنسان والإله. ولكنه رغم الاحتياطات التي اتخذها بقيت بعض تعابيره غريبة وظل فكره اللاهوتي عرضة للنقد. شدد على الوحدة الأدبية ليستعيد كل تفسير يعارض وجود الطبيعتين معًا. ولكن هذه العبارة لم تكن في محلها لِما تحمله من خطر. فقد يظن المؤمن أن ثيودورس يقبل بتمييز شخصي بين الإنسان يسوع المسيح وبين الكلمة الإلهي الذي حركه وألهمه وأسنده. وهذا التمييز يشبه إلى حد بعيد ما نجده بين النبي اشعيا وروح الله الذي يوجهه. ردد ثيودورس عبارات تناقض هذا التفكير، ولكن حين توضح لاهوت الاتحاد بين الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية، بدا ثيودورس وكأنه يمثل النزعة التي تقول بوجود أقنومين أو شخصين في يسوع المسيح.

هذا التعبير الثيودوري كان مبعث خوف عند بعض الأساقفة. ولقد كتب يوحنا أسقف أنطاكية في خريف سنة 430 إلى نسطور أسقف القسطنطينية يدعوه إلى أن يتقيد بأوامر البابا سلستينس، فذكره بالمثل الذي أعطاه ثيودورس. كان ثيودورس قد شك في شرعية لقب تيوتكس أو والدة الإله ولكنه عاد وصحح مقاله. هذا كل ما نعرفه من إشكالات لاهوتية حدثت لأسقف المصيصة خلال حياته. ولما مات دُفن في الكنيسة ودُوّن اسمه في سجل الجماعة كما في كتاب الحياة.

ولكن غداة موت ثيودورس بدأت مأساة نسطور الذي استعاد بعض تعليم أسقف المصيصة الذي حاز على رضى كل أبرشية الشرق (أي أبرشية أنطاكية وما يتبعها من أبرشيات). لهذا ترك الآباء جانباً شخص نسطور وأقواله التي شوهت اللاهوت الأنطاكي. فانتقل الجدال بين تعليم كيرلس الأسكندراني المونوفيسي في تعبيره، إن لم يكن في منحاه العميق، وبين الديوفيسية التي دافع عنها ثيودورس بشجاعة. ولما انفجرت حرومات كيرلس في شتاء 430 مثل قنبلة في الشرق، رجع الشرق إلى تعليم ثيودورس، كما طلب يوحنا أسقف أنطاكية، ورد على فصول كيرلس. وأحس تيودوريتس القورشي وأندرياس الشميشاطي أن هجوم الإسكندرية يصيب تعليم ثيودورس ولا أحد غيره في الشرق.

وبعد الضربة القوية في أفسس في 22 حزيران، عاد الشرقيون المجتمعون حول يوحنا الأنطاكي إلى تعليم ثيودورس، ولكنهم لم يذكروا اسمه كما لم يذكره تبّاع كيرلس لئلا يُشعلوا نار الخلاف أو لجهلهم آراء أسقف المصيصة. ففيما بعد سيلتئم مجمع برئاسة كيرلس وموفدي رومة ويشجب عرضًا للإيمان فاسدًا سيسمونه قانون الإيمان الذي ألفه ثيودورس.

وبعد فعل الاتحاد الذي أبرم سنة 433 والسلام الذي أعيد ظاهرًا بين سورية ومصر، بدأ تباع كيرلس يلاحظون التقارب بين ثيودورس ونسطور. وسيلاحظ هذا التقارب أيضًا معلمو أنطاكية. فحين أجبر مليسيوس، خلف ثيودورس، أن يوقع فعل الاتحاد أعلن أنه لن ينظم إلى يوحنا الأنطاكي ويترك نسطور، لأنه بعمله هذا ينكر الإيمان الذي سلمه إلينا الآباء وأوضحه ثيودورس العظيم.

ولكن حتى الساعة ظلت الاسكندرية لا تعتبر أن هناك تماثلا بين تعليم ثيودورس وتعليم نسطور. ولكن سيقع حدث يجعل كيرلس يقتنع بمسؤولية ديودورس الطرسوسي وثيودورس المصيصي في بروز النسطورية، وسيبرز هذا الحدث ربولا أسقف الرها وأكاسيوي أسقف ملطية. لقد اهتم الأرمن بأن يغنوا بلادهم بأدب كنسي فأخذوا يترجمون الكتّاب اليونانيين ولا سيما ديودورس وثيودورس. ولكن ربولا وأكاسيوس حذّرا الأرمن من تعليم الأنطاكيين هذين. خاف الأرمن وكتبوا إلى بروكلوس، أسقف القسطنطينية، يسألونه رأيه، فأجابهم برسالة عقائدية تسمى “سفر بروكلوس”. ردّ على معلمي أنطاكية الذين يقولون إن هناك ابنين وهذا تعليم لا يوافق ووحدة الأقنوم والشخص في المسيح. ثم طلب من يوحنا الأنطاكي ومجلسه أن يرذلوا مقالات ثيودورس هذه، وأن يفرضوا على هيبا الرهاوي أن يوقع سفر بروكلس، فغضب يوحنا لأن بروكلس يتعدى مضمون فعل الاتحاد وسأل: لماذا هذه البلبلة حول ثيودورس وديودورس؟ فالأول كان معلمًا لامعًا مدة خمس وأربعين سنة فكيف يقبل الشعب أن نرذله. أما تعليمه فيوافق تعليم الآباء الأولين: إغناطيوس، أوستاتيوس، أتناسيوس، باسيليوس وغريغوريوس النازيانزي وغريغوريوس النيصي وفلافيانس الأنطاكي وديودورس ويوحنا فم الذهب وأمبروسيوس… فإن شجبنا ثيودورس شجبنا كل هؤلاء الآباء. ثم قال يوحنا الأنطاكي: وبعد هذا لا يحق لنا أن ندين الأموات. واتصل بروكلس بالإسكندرية بعد أن تراجع بعض الشيء وقال: ما طلبت أن أحرم ثيودورس بل أن تُرذل التعاليم التي أوردتها في رسالتي إلى الأرمن. ثم كتب إلى ممثله في أنطاكية يدعوه إلى وقف الحملات على ثيودورس والاكتفاء بالتوقيع على الرسالة التي بعث بها إلى الأرمن.

لماذا تراجع بروكلس؟ لأن كيرلس كتب إليه يحذره من هؤلاء المتحمسين ضد ثيودورس ومن محاولاتهم لدى القيصر ليشجبوا تعليمه وشخصه. وذكره أنه وإن يكن في تعليم ثيودورس ما يستحق الشجب، وهذا ما أشار إليه مجمع أفسس الذي لم يرد أن يشجب ثيودورس، فنحن لا نريد أن نقلق الأموات في قبورهم، فلهم من يدينهم. وسيعلن كيرلس أن ثيودورس هو رجل عظيم وصاحب أمجاد وأن الانتقادات المرفوعة ضده ليست بصحيحة. ثم إن يوحنا رفض إشعال مجادلات انطفأت، وأعلن أن هناك أناسًا يقبلون بأن يحرقوا ولا يوقعوا كتابًا يشجب ثيودورس. وتوقفت الأمور عند هذا الحد.

ولكن ربولا الرهاوي نبّه كيرلس إلى أن تعليم ثيودورس كان تعليمين، واحد في داخل الكنيسة وآخر في خارجها. وأعلن رابولا الفرق الشاسع بين ثيودورس من جهة وأثناسيوس وتيوفيلس وباسيليوس من جهة ثانية. فهؤلاء هم معلمو العقيدة المستقيمة أما ثيودورس فهو المجدف. وهكذا يكون ثيودورس أكثر خطرًا على الكنيسة من نسطور. وأخذ رابولا كتب ديودورس وثيودورس وانتقى منها مقتطفات اعتبرها مخالفة لسر التجسد. فانقلب كيرلس وألب الأوساط الرهبانية في أنطاكية ضد موقف الشرقيين، وكتب رسالة إلى الامبراطور تيودورسيوس أفهمه فيها أن الأنطاكيين يحرمون نسطور ولكنهم يوافقون الرأي ثيودورس وديودورس اللذين هما سبب تجديف نسطور. ويعتبرون تعليم هذين المعلمين ملائمًا لتعليم الكنيسة.

2- ثيودورس في المجامع والوثائق الرسمية

كل هذه البلبلة ضد ممثلي الديوفيسية الكاملة ستجد خاتمة أولى لها في مجمع لصوص أفسس (449) ومجمع خلقيدونية المسكوني (451).

لن نتوقف عند الأحداث المأساوية التي جرت في أفسس في آب سنة 449 والتي حملت النصر لأوطيخا وحليفه ديودورس الإسكندراني، والهزيمة للديوفيسية بممثليها فلافيانس أسقف القسطنطينية، رودمنس أسقف أنطاكية، ثيودورس القورشي وهيبا الرهاوي.

ولكن موت ثيودورس وضع للظلم والغش والعنف حدًا. فدعت الأمبراطورة (28 تموز 450) بولكيرية وزوجها مرسيان إلى عقد مجمع اعتبره المونوفيسيون مجمعًا ملعونًا لأنه حكم بطريقة صريحة على “القديس” ديوسقورس ورذل تعليم كيرلس دون أن يسميه. ومهما يكن من أمر، فقد سمح لثيودورس وهيبا أن يجلسا في المجمع مع سائر الأساقفة. لم يرد اسم ثيودورس في مجمع خليقدونية. ولما قرأ هيبا رسالة فيها يكيل له المديح لم تُبد الجماعة موافقتها أو رفضها لِما قيل في ثيودورس. ولكن تعليم ثيودورس عن الطبيعتين دخل في قرار المجمع العقائدي. وزاد عليه الآباء تعليمًا عن الوحدة بعيدًا عن تعليم ثيودورس. وهكذا اتخذ مجمع خلقيدونية موقفًا وسطاً بين ديوفيسية أنطاكية المتطرفة ومونوفيسية الإسكندرية. حينئذ قامت قيامة المونوفيسيين واعتبروا أن المجمع أعاد اعتبار ثيودورس، بل سمّوا هذا المجمع “المجمع اللعين”. ونشير هنا إلى أن السياسة ستلعب دورها مع الأسباب الدينية لتجعل سورية ومصر تنفصلان عن القسطنطينية. وحاول الأباطرة رأب الصدع بين أجزاء الكنيسة ولكن عبثاً.

وتدخل يوستنيانس ودعاه المقربون إليه أن يحرم ثيودورس ورسالة هيبا التي تمدح ثيودورس التي تنبعث منها رائحة النسطورية. فنشر الأمبراطور كتابًا يشجب فيه الفصول الثلاثة. وكان هذا الكتاب يتضمن عرضًا تعليميًا تتبعه حرومات تشجب مؤلفات وشخص ثيودورس، وبعض مؤلفات ثيودورس ورسالة هيبا. وكان ليونسيوس البيزنطي قد قرأ كتب أسقف المصيصة فاقتلع منها المقاطع التي تشتم فيها رائحة الهرطقة. إقتلعها من النص فبدت فظيعة وشكلت اتهامًا قاسيًا ضد ثيودورس الذي اعتبر حقاً أب النسطورية.

ولكن القرار الامبراطور يحتاج إلى توقيع السلطة الكنسية. عرف ميناس أسقف القسطنطينية أن هذا عمل المونوفيسين الذين مزجوا في هجومهم “المجمع اللعين” بأسماء ثيودورس وتيودورويتس وهيبا، فتردد واعتبر هذا القرار يعارض مجمع خلقيدونية. ولما وقع مجلسه وقع هو أيضًا. وحذا حذوه أفرام الأنطاكي وزوئيليس الإسكندراني. ولما عارض بطرس أسقف أورشليم واعتبر القرار مخالفًا لمجمع خلقيدونية دُعي إلى القسطنطينية، وهمه لا أن يحصل على توقيع وحسب، بل أن يعمل البابا لإقناع مجلسه الكنسي بصحة هذا التوقيع. ولكن مجلس كنيسة رومة اعتبر أن الحكم على الرؤوس الثلاثة يعني رفض مقررات مجمع خلقيدونية التي يعمل المونوفيسيون على إبطالها.

عارض البابا ثم أرسل رسالة سرية إلى كل من الملك والملكة يحرم فيها رسالة هيبا وتعاليم ثيودورس وشخص ثيودورس. واعتبر هذا الأخير غريبًا عن الكنيسة وعدوّا للآباء القديسين لأنه لا يعترف أن المسيح هو الكلمة المتجسد، أنه أقنوم واحد وشخص واحد. وبعد هذا جمع البابا الأساقفة اللاتين الموجودين في القسطنطينية فوقعوا معه وثيقة أرسلها إلى ميناس في 11 نيسان 548 جاء فيها: بما أننا نقرأ في النصوص التي قدمت إلينا على أنها من ثيودورس المصيصي أمورًا تعارض التعليم المستقيم، فنحن نحرم ثيودورس، أسقف المصيصة في الماضي، مع كل كتاباته الكافرة ولك من يدافع عنها. ونحرم أيضًا الرسالة الكافرة التي يبدو أن هيبا كتبها لماري الفارسي لأنها تعارض الإيمان المسيحي الصحيح، ونحرم من يدافع عنها ويعتبرها مستقيمة الرأي. ونحرم أيضًا كتابات ثيودورس التي كتبها ضد التعليم الصحيح وفصول القديس كيرلس الاثني عشر.

هذا هو أول نص رسمي يحكم على الرؤوس الثلاثة. أخذ البابا فيه احتياطاته ولكن المؤمنين رأوا فيه مسًّا بسلطة خلقيدونية. وبدأت المعارضة ضد فيجيليوس، فحرم البابا المعارضين. وتنظمت مقاومة في إفريقية ضد الحكم على الرؤوس الثلاثة واسترد زوئيليس الإسكندراني توقيعه… خاف يوستنيانس من هذه المقاومة ورأى أن لا قيمة لانتصاره على فيجيليوس.

فحاول الأعداء أن يدفعوا الأمبراطور ليصدر قرارًا آخر يحكم على الفصول الثلاثة. ولكن قبل هذا أرسل يوستنيانس من يتحرى عن مكانة ثيودورس في المصيصة. فقيل له إنه دفن ككل الأحبار وإن اسمه مدون في السجلات الكنسية. وبعد أن مارس الأمبراطور الضغوط واستبدل المعارضين أصدر قرارًا آخر يحكم فيه على الرؤوس الثلاثة، وأعلنه في كل كنائس العاصمة. هذا القرار سيكون أساس تحديد العقيدة في مجمع القسطنطينية الذي سيعقد سنة 553.

يستوحي هذا القرار تعاليم ليونسيوس البيزنطي فيرذل النسطوريين والمونوفيسيين دون أن يعطي حقًا لأحد. قال: من وجهة الاتحاد في الجوهر نعارض الذين يقولون بوجود مسبق لبشرية المسيح. إن أقنوم الابن خلق لنفسه جسدًا تحركه نفس عاقلة. ما اتحد الكلمة بإنسان موجود سابقًا كما قال مجدفًا كل من ثيودورس ونسطور اللذين تكلما عن لقب والدة الإله لمريم. أما المونوفيسيون فليسوا أفضل من النسطوريين، فلا يحق لهم أن يختفوا وراء عبارة كيرلس الذي يتحدث عن الاقنوم الواحد للإله الكلمة الذي تجسد.

رفض البابا قرار الأمبراطور وحرم المحرضين. فلم يبق من سبيل إلا إلى الدعوة إلى مجمع مسكوني. وهذا ما حصل سنة 553. وعُرضت تعاليم ثيودورس وتيودورتيس وعلى رسالة هيبا. وما عتم البابا فيجيليوس أن وافق على قرارات المجمع فأرسل في 8 كانون الأول سنة 553 رسالة إلى أوطيخا بطريرك القسطنطينية.

وهكذا حُرم ثيودورس بعد موته وأعتبر نسطوريًا قبل نسطور وأحرقت كتبه وما أفلت منها إلا القليل الذي انتقل إلى العالم السرياني أو عالم إفريقية اللاتينية. وهكذا أسدل الستار على قضية طويلة لعب فيها الصراع السياسي والمآرب الشخصية دورًا بارزًا. ونقول إن فكر ثيودورس كان صحيحًا في الوقت الذي قيل فيه. ولو عايش مجمع أفسس ومجمع خلقيدونية لكان أوضح تعابيره عن العقيدة ووجد مع سائر آباء المجمع الكلمات التي تعبر عن الطبيعتين المتحدتين في شخص المسيح الواحد. ولكنه مات وما بقي لنا من كتبه يشهد لنا على عمق فكره وسعة اطلاعه وصدق نواياه حين يتكلم عن ابن الله المتجسد.