• 7 December, 2024 19:31

Karozota.com

Sweden

مار نرساي، حياته وكتاباته

Bykarozota.com

Sep 25, 2010

حياته:
أبصر نرساي النور في قرية عين دلبي (أدلب) 1 القريبة من معلثاي المجاورة لدهوك الحالية في شمال العراق. ويختلف المؤرخون في تاريخ ولادته ووفاته. ويُعتقد أنه ولد سنة 399.
تلقى نرساي العلم في مدرسة القرية وهو في السابعة من عمره على يد أستاذ سرعان ما انزوى بتلاميذه في الجبال الشمالية هربًا من اضطهاد المجوس. ولمّا عاد نرساي إلى القرية كانت يد المنون قد اختطفت والديه. فاضطر إلى الذهاب إلى دير كفر ماري في مقاطعة بيت زبدى عند عمّه عمانوئيل الذي كان رئيسًا للدير وكان من خريجي مدرسة الرها الشهيرة. وبعد شتاء قضاه بالقرب من عمّه، أرسله هذا إلى الرها حيث تلقى العلوم مدة عشر سنين ثم رجع إلى كفر ماري (ويُقال أيضًا إلى قريته) ليمارس مهنة التعليم. ولكن سرعان ما عاوده الحنين إلى الرها وإلى بيئتها العلمية الراقية، وتاق إلى ارتشاف المزيد من العلوم. فشدّ الرحال إليها ثانية، ومكث هناك إلى أن استدعي إلى سرير عمّه المدنف في دير كفر ماري. وأقيم نرساي، بعد موت عمّه، رئيسًا للدير خلفا له، غير أنه ما عتم أن عاد إلى الرها سنة 435، تاركاً الدير والرئاسة. وحينئذ توجه – على ما يُقال – مع زميليه برصوما وأقاق إلى مدينة المصيصة لزيارة تيودولس تلميذ ديودورس وخلف تيودورس المصيصي في إدارة مدرسة تلك المدينة. ويظهر أن تيودولس أطلق على نرساي إذ ذاك لقب “لسان المشرق” و “باب الديانة المسيحية” و “شاعر المسيحية”2. وقد سمّاه آخرون “قيثارة الروح القدس”. أمّا خصومه المنوفيزيوّن فقد دعوه “نرساي الأبرص”. وفي سنة 437، حينما توفى قيورًا مدير المدرسة، استقر الرأي على انتخاب نرساي خلفاً له في هذا المنصب الخطير. فقام بأعباء وظيفته في الرها عشرين سنة، أي حتى وفاة هيبا أسقف الرها الذي كان صديقا حميمًا له. وقد فتح نرساي الباب واسعًا أمام التعاليم النسطورية لكي تتسرب في مدرسة الرها. وكان مذهب الطبيعة الواحدة أيضًا قد وجد له مناصرين كثيرين في هذه المدرسة. وسرعان ما لاحت بوادر الخلاف بين الأساتذة والطلاب من جرّاء هذه الآراء المتباينة. وظهر هذا الخلاف واضحًا بعد موت هيبا 457، لمّا استوى على الكرسي الأسقفي نونا ثانية، فاضطهد النساطرة وناصبهم العداء. فغادر نرساي الرها هاربًا إلى نصيبين حيث استوقفه برصوما صديقه الذي كان قد أصبح مطرانا لهذه المدينة، وطلب إليه أن يؤسس فيها مدرسة تواصل مهمة مدرسة الرها. فرضي نرساي بهذا العرض وقام بإدارة هذه المدرسة أربعين سنة تقريبًا حسبما جاء في برحذبشبا عربايا والتاريخ السعردي 3. أما ماري وابن العبري فيقولان خطأ أنه كان رئيسًا لهذه المدرسة مدة خمسين سنة… غير أن خلافا وقع خلال تلك السنين بينه وبين برصوما بسبب سرية (راهبة) جلبها برصوما إلى نصيبين. فلامه نرساي على ذك، وكانت النتيجة أن ترك نرساي المدرسة خمسة سنوات قضاها في دير كفر ماري. ويقول أدي شير أن الراهبة ماموي التي تزوج بها برصوما كانت السبب في هذا النزاع4، إذ اتفق أن ماموي اجتازت ذات يوم على باب نرساي ورأت الجموع مزدحمة عليه فحسدته وأوغرت صدر برصوما عليه، فأبغضه وطرده من نصيبين، فذهب نرساي إلى بلاد قردو5. وهناك ألف ميمرين بديعين تكلم فيهما بغاية البلاغة عن تقلبات الزمان وخيانته وعن خبث النساء وشرّهن6. ويُقال إن برصوما ندم على فعلته هذه، لا سيما بعد أن قرأ مقالتي نرساي، ومطلع الأولى: “مسكين هو الزمان الذي لاقيته في غربتي… وزهيد هو فيه مكسب الحياة الروحية…”، والثانية: “حواء المعين الذي منه جرت الحياة للبشر، قلبت شرابه العذب إلى مرارة الموت”7. فأرجعه إلى منصبه الأول، واستمر في عمله التعليمي إلى أن مات بشيخوخة متقدمة، في نحو سنة 492. ويقول بومشترك8 إن نرساي ربما لم يتجاوز الثالثة والتسعين من سنه، وإن برحذبشبا عربايا جعل إقامته في الرها مرتين عوض مرة واحدة لمدة عشر سنين. ودُفن نرساي في كنيسة من كنائس نصيبين كانت تحمل اسمه حتى القرن السابع9. ويقول برحذبشبا عربايا إن نرساي كان يذم قورلس الإسكندري بكلام قاس، لذا غضب عليه قورا مطران المدينة وساويرا ويعقوب السروجي وأرادوا أن يحرقوا صومعته ويقضوا عليه فيها. ولكن أناسًا أخبروه بالمكيدة، فخرج نرساي من المدينة والتجأ إلى أحد الأماكن المجاورة وهو يقول هذه النشيدين: “يا رب اكلأ الإيمان”10 و “المسيح الذي صالح بمشيئته”11. لكن هذه رواية لا يُعتمد عليها، لأن قورا لم يصبح مطراناً على الرها قبل سنة 471، وكان نرساي قد غادر المدينة منذ سنة 457، ولأن ساويرا لم يأت إلى الشرق وإلى الرها إلا سنة 512، أي بعد وفاة نرساي. فنونا هو الذي اضطهد النساطرة في الرها وهو الذي ناصب نرساي العداء وأراد القضاء عليه وإحراقه حيًا لرفضه الطاعة والرضوخ لمذهبه، وذلك قبل سنة 457، فاضطر إلى مغادرة المدينة وتوجه شطر البلاد الفارسية، كما أسلفنا، فاستوقفه صديقه برصوما وعينه رئيسًا لمدرسة نصيبين التي كانت مزعمة أن تقوم بدور كبير في حياة الكنيسة الفارسية مدة طويلة.

كتاباته:
بوسعنا أن نقسم تآليف هذا الملفان الكبير إلى ثلاث فئات: منها شروح الكتاب المقدس، ومنها مواضيع لاهوتية، والبعض منها يتناول الطقوس الكنسية ومقالات أدبية. وإليك ما جاء في فهرس عبديشوع الصوباوي عن مؤلفات نرساي: “نرساي كنارة الروح وضع شرح سفر التكوين الخروج والأحبار والعدد ويشوع والقضاة والجامعة وأشعيا والأنبياء الاثني عشر الصغار وإرميا وحزقيال ونبوءة دانيال. وثلاثمئة وستين مقالة باثني عشر مجلدًا. وله ليتورجيا وتفسير للقداس والعماد وتعاز وتراجم وتسابيح وخطب ونصائح وكتاب في فساد السيرة12. ويقول التاريخ السعردي إن نرساي “عمل ثلاثمئة وستين ميمرًا على عدد أيام السنة في اثني عشر كتابًا ناقض فيها يعقوب السروجي فيما عمله وكشف عورات مذهبه. وعمل كتابًا في سوء الإدارة ذكر فيه ما يفعله كهنة الهراطقة ورهبانهم. وفسّر التوراة وأيشوع برنون وشبطا (القضاة) وقوهلث واشعيا والاثنين عشر وإرميا وحزقيال ودانيال، وعمل تعازي…”13.
1) شروح الكتاب المقدس: إن الشروح التي يذكرها عبد يشوع الصوباوي في فهرسه والتي تشمل أهم أجزاء العهد القديم، قد أتى عليها الزمان ولم يبق منها إلى النزر القليل، ومنها يظهر أن نرساي قد استعمل التفسير الحرفي، ومنه كان يتدرج إلى التفسير المعنوي. ومن الجدير بالذكر أن برحذبشبا عربايا لا يتكلم عن تفاسير الكتاب المقدس التي قام بها نرساي، بل عن ميامر لأيام السنة وعن كتاب فساد الأخلاق. وقد شك أدي شير في وجود هذه الشروح التي جاءت لائحة مماثلة لها في التاريخ السعردي. ولم ترد في غيرها من الكتب ولا في كتاب جنة النعيم الذي يُعتبر الكتاب الرسمي للشرح النسطوري14.
2) اللاهوت: يتجلى المذهب النسطوري فيما بقي لدينا من 360 مقالة وضعها نرساي15. فإن هذه المقالات الباقية زاخرة بالكلمات المشينة والعبارات النابية والإهانات المرّة ضد قورلس بطريرك الإسكندرية، إذ يسميه بالجاهل والغبي والمصري والكلب الأخرس ولجيون…، بينما يقبل ويتبنى ويدعم مذهب النساطرة الذين يعترفون بأقنومين وطبيعتين وشخص واحد في المسيح. ومما قاله: “إن الطبائع منفصلة بأقانيمها ودون امتزاج، بإرادة واحدة وشخص واحد لبنؤة واحدة. إن واحد في لاهوته وناسوته، لأن الناسوت واللاهوت شخص واحد. فسيدنا هو طبيعتان وإقنومان في شخص واحد للاهوت والناسوت. إذ هكذا تعترف كل الكنيسة الأرثوذكسية، وهكذا علم أيضًا ملافنة الكنيسة الجمعاء ديودورس وتيودورس ومار نسطوريوس”. أمّا كتاب “فساد السيرة” فقد يكون تلك المقالة التي تبتدئ بـ “مسكين هو الزمان” التي كتبها تنديدًا بسيرة صديقه برصوما أسقف نصيبين بعد أن تزوج بماموي. وقد نشر القس ألفونس منكنا هذه المقالة والأخرى في غشّ النساء مع بقية ميامر نرساي16.
3) الطقوس الكنسية والمقالات الأدبية: يقول عبد يشوع الصوباوي إن نرساي وضع تفسيرًا لذبيحة القداس ولسرّ العماد المقدس وألف تعازي وتراجم وأناشيد ومواعظ ونصائح وكتابًا في فساد السيرة. غير أننا قد حُرمنا من هذه النفائس، إلا الأخيرة. وقد لا يكون تفسير ذبيحة القداس وسر العماد إلا مقالتين طويلتين، أولاهما “في أسرار الكنيسة” وفيها يشرح نرساي شيئاً فشيئاً كل صلوات القداس المسمى بقداس الرسل، ومطلع ثانيتهما “من يستطيع”، وفيها يتطرق المؤلف إلى سرّي العماد والكهنوت ويشرحهما.
وقد نالت تآليف نرساي حظوة كبيرة في طقس النساطرة والكلدان. فأخذوا منه أغلب الردّات التي جاءت في الحوذرة، وكل القالات وكل التسابيح، ونخص بالذكر منها “الشكر للصالح” و “نور ظهور المسيح” مع ما يتبعها في الأنشودة التي تقال صباح كل أحد وعيد، وأنشودة “اختار له الكهنة” وغيرها… وأغلب النبذ الغريبة. ولنرساي أيضًا المقالات البديعة التي تقال في اليوم الأخير من صوم نينوى مثل “يا من يصوّر الكون” وصلاة تقديس المذبح في كتاب الحبريات ص64.
أما النوع الآخر من المقالات المسمى “سوغيثا” أي الحوار، ويُنسب إليه عدد كبير منها، فجاء بعضها في المروج النزهيّة بين مريم والملاك وبين مريم والمجوس، ومنها التي تقال في عيد القيامة. ونسبة كثير منها إليه مشكوك فيها، كالقصيدة التي جاءت عن يوسف ويعقوب والتي نشرها الأب بولس بيجان في آخر كتاب الرؤساء لتوما المرجي، بعد كتاب العفة لايشوعدناح البصري17.
أما أسلوبه فحدث عن طلاوته ولا حرج! فإننا حقا لندهش من سموّ أفكاره وفيض حكمه وطلاوة أسلوبه وسحر منطقه، حتى إذا قابلناه مع القديس أفرام الملفان نلاحظ أن أسلوب نرساي يفوق أسلوب القديس أفرام جمالا وطلاوة. أمّا أشعاره فأكثرها منظومة على البحر الاثني عشريّ الذي يُسمى بالقراءة الثانية أو القراءة النرساوية (ويسمى عند السريان الغربيين بالوزن السروجيّ نسبة إلى يعقوب السروجيّ). ومنها ما جاء أيضًا بالقراءة السابعة أي الأفرامية. ويُقال إنه كان يحب كثيرًا البحر السداسيّ، ولكننا لم نعثر إلى اليوم على تآليف له بهذا الوزن.
ولكن ما يدعو إلى الأسف الشديد هو أنه لم يبق من المجلدات الاثني عشر التي صنفها نرساي إلى مجلد واحد في برلين وآخر في روما. وهناك نسخة في أورميا ونسخة القلاية البطريركية الكلدانية المنقولة على نسخة دير السيدة18. وقليل هو ما طبع من تآليف هذا الملفان الكبير. إن كتيب “الفتات” الذي قامت بطبعه الإرسالية البروتستانتية في أورميا سنة 1898 يحتوي على المقالة في السرافيم الذي رآهم أشعيا، وعلى المقالة في بلبلة الألسنة. ونشر الأب جبرائيل القرداحي مقالة أخرى لنرساي عن التجسد19. أما الأب جيسموندي، فقد نشر في نحوه20 نصف مقالة نرساي في يوحنا المعمدان. وقام العالم كرابوسكي بطبع مقالة في يوسف (وهي ليست لنرساي في الحقيقة) وذلك في برلين سنة 1889. ونشر الأب مارتن في الجريدة الآسيوية مقالة نرساي في الملافنة اليونانيين الثلاثة أي ديودورس وتيودورس ونسطوريوس. ونشر كذلك عبديشوع في المطبعة الكلدانية، في كتاب الهجاء الذي وضعه، 21 مقالة نرساي ضد اليهود، ومطلعها: “هلم أيها اليهودي”. أما العالم الألماني “فيلدمن” فقد نشر سنة 1896 تباعًا كل السوغيثات التي نُسبت إلى نرساي. ونشر القس يعقوب أوجين منا بعضًا من مقالات نرساي في المروج النزهية22. غير أن المهمة الرئيسية في هذا المضمار اخذها القس ألفونس منكنا على عاتقه. فقد طبع في الموصل سنة 1905 مجموعة من مقالات نرساي بجزئين يحتويان على 47 مقالة، مذيلة بعشرة أناشيد استقاها النار من مخطوطات كانت في حوزته وكانت تتضمن أيضًا بعضًا من المقالات، وقد نقلها عن مخطوطات أخرى قديمة عثر عليها، على حد قوله، في تياري في منطقة كردستان. وتعمد الناشر ترك المقالات التي له صبغة نسطورية واضحة أو تلك التي تتلفظ بعبارات مشينة ضد أشخاص نخصهم بالتقدير والإجلال، مع أن الناشر في المقدمة اللاتينية التي وضعها لهذه المقالات يسرد عناوين 81 مقالة وجدها هنا وهناك في المخطوطات الباقية في أورميا والبطريركية الكلدانية وفي دير السيدة بالقرب من ألقوش. غير أن جميع هذه المخطوطات تقريبًا تعود إلى عهود متأخرة نسبيًا.

  1. التاريخ السعردي، 2، ص22 
  2. ماري في المجدل، ص44 
  3. التاريخ السعردي
  4. ماري في المجدل، ص45 عن قصة ماموي 
  5. التاريخ السعردي، 2 ص 44-45
  6.  أدي شير، مدرسة نصيبين الشهيرة، ص9
  7.  ميامر نرساي التي نشرها منكنا في الموصل
  8.  بومشترك، تاريخ الأدب السرياني
  9.  ماري في المجدل
  10.  الحوذرة
  11.  الحوذرة
  12.  السمعاني
  13.  التاريخ السعردي
  14. أدي شير
  15. ويقول ماري في المجدل، ص44 إن نرساي وضع 365 مقالة
  16. في الموصل سنة 1905
  17. كتاب الرؤساء
  18. بومشترك، تاريخ الأدب السرياني
  19. القرداحي في الكنز الثمين
  20. طبعه في بيروت سنة 1900
  21. طبع هذا الكتاب في الموصل سنة 1869
  22. المورج النزهية الموصل 1901

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *