سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

السعادة

 

 

الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

   

 

مقدمة
الإنسان يريد السعادة، أسمّاها حياةً أم سلاماً أم فرحاً أم راحةً أم بركةً أم خلاصاً. كلّ هذه الخيرات يتضمنها بتفاوت، التعبير الذي نعلن به عن أحد أنه سعيد أو تعيس. وعندما يعلن "الحكيم " "طوبى للفقراء! ويلٌ، للأغنياء" ! لا يتلفظ ببركة تعطي السعادة ولا بلعنة تجلب التعاسة. بل يخصّ، باسم خبرته بالسعادة، على اتّباع الطرق التي تؤدي اليها.
العهد القديم

لِفَهم مرمى ومعنى أقوال الحكمة العديدة التي تبدو لنا أرضية محض يجب وضعها في الجوّ الديني الذي قيلت فيه. فإن كانت السعادة في الواقع تفترض دائماً الله في منبعها إلا أنها عرفت تطوراً بطيئاً ينطلق من الأرضي إلى السماويّ.
أولاً: الله والسعادة


1. السعادة والمجد في الله:

خلافاً لآلهة اليونان التي كانوا يحيّونها باسم "السعيدة جداً" لأنها تُجسِّد حلم الإنسان، لا يتوقف الكتاب المقدّس على سعادة الله (1 تيموتاوس 1: 11، 6: 15) التي لا تُقاس بما يطمح إليه الإنسان. فهو يرى في يهوه خاصة إله مجد يودّ أن يمنح هذا المجد للبشر. وهذا فرق ثانٍ: فبينما تتمتع آلهة اليونان بسعادتها دون اهتمام خاص بمصير البشر ينحني يهوه بعطفٍ على كلّ البشر خصوصاً على شعبه، فسعادة الإنسان تتفرّع من النعمة الإلهية، وهي اشتراك بمجده.
 

2. السعادة هي الله ذاته:

عبر التصريحات التي تكثر في الأدب الحِكَمي يكتشف قارئ الكتاب المقدس ماهية السعادة الحقَّة، وسبب البحث عها "طوبى لمن يخشى يهوه "، فيصير قويّاً مباركاً (مزمور 111: 1 وما يليه) وينال العديد من الأولاد (مزمور 127: 1 وما يليه) وإن أراد أن يضمن طول الأيام والخلاص والبركة والغنى (أمثال 3: 1- 10) فعليه اتباع طرق الربّ (مزمور 1: 1 وما يليه) والسير في شريعته (مزمور 118: 1) والإصغاء للحكمة (أمثال 8: 34 وما يليه) وإيجادها (أمثال 3: 13 وما يليه) والتمرس بها (سيراخ 14: 20) والاهتمام بالفقير (مزمور 40: 2) وبكلمة، أن يكون بارّاً. إذ يتوسّع الحكيم بهذه الأسباب ليقود تلاميذه في سبل السعادة الحقيقية فهو لا يتعدّى عادةً نطاق الجزاء المباشر على الأرض. فلأتقياء ومساكين " يهوه يعود إعلان تخطّي ذلك. فهم يفهمون أنهم مع الله يملكون كلّ شيء وأن التخلّي الكامل والثقةِّ اللامحدودة هما طريق السعادة: فلا داعي لذكر أيّ مبرّر، ولكنه مجرد تعبير "طوبى للذين يرجونه " (إشعيا 30: 18) "طوبى للإنسان الذي يثق بك " (مزمور 83: 13 ؛ أنظر مزمور 2: 12، 64: 5، 145: 5). هكذا يرى الإسرائيلي في خوف الله، وحفظ الناموس وفي الإصغاء للحكمة، انتظاراً للسعادة كجزاء، بل في عرف المتقدّمين روحيا، هذه هي السعادة الحاصلة منذ الآن والتي تقتضي القيام في عشرة الله والتذوق بلذّات أبدية عن يمينه (مزمور 15: 11، راجع 73: 23- 25).

 ثانياً: من السعادة الأرضية إلى السعادة السماوية

هكذا تتوضح قمة السعادة الإلهية. لكن ليكتشف الإنسان أن الله وحده هو السعادة، عليه أن يمرَّ بمسارٍ يطهر رغباته رويداً رويداً وإثر خيبات أمل متلاحقة (مزمور 40: 10، 117- 8 وما يلي).

1. السعادة الأرضية:

السعادة هي الحياة، حياة تطابقت طويلاً مع الحياة الأرضية. وهذه هي سعادة الشعب الذي اتَخذ يهوه إلهاً له: أن يكون له أولاد أصحاء، وبنات جميلات، وأهراء ممتلئة، وقطعان عديدة. وأخيراً السلام (مزمور 143: 12 - 15). وتفضّل النصوص المقدسة خيرات الإنسان في المجال القومي والعائلي والشخصي: أن يكون له ملك يستحق هذا الإسم (الجامعة 10: 16 وما يليه) وزوجة عاقلة (ابن سيراخ 25: 8) صالحة (26: 1) وثروة وفيرة اكتسبت وليس هو مستعيد لها (31: 8) وأن يكون حَذِراً (25: 9) ألا يزلَّ بلسانه (14: 1) ويعطف على البؤساء (أمثال 14: 21) ويكون بلا لوم (سيراخ 14: 2). وبالمختصر أن تكون له حياة لائقة. لذا عليه أن يكون الربّ مؤدّبأ له (مزمور 93: 12). أجل من اللائق التفجع على من مات. إلا أنّ البكاء لا يجب أن يطول كثيراً. لأن الحزن المشؤوم يمنع من التلذّذ بالسعادة الحاضرة (سيراخ 38: 16 - 23).

2. نحو السعادة السماوية:

إن خيرات العهد الأرضية، وقد أعطاها يهوه وباركها كانت علامات شركة حياةٍ مع الله. ولما ترسّخ الاعتقاد بالحياة الأبدية، لمُست محدوديتها، وأخطارها بشكل أوضح، وبثمن هذا التطهير، صارت تعني الحياة الأبدية ذاتها. وفي الوقت نفسه، أبرز الرجاء الجديد قيماً جديدة: كالخصوبة الروحية عند الرجل العاجز والمرأة العاقر. هذا الرجاء يقلب نظام القيم القديم. وكانت الخبرة قد أظهرت أنه لا يجب تقدير سعادة إنسان قبل نهايته (ابن سيراخ 11: 28). وأعلن سفر الحكمة بجرأة عظيمة تُبشِّر بالإنجيل " طوبى للعواقر إن كن باراتٍ فاضلات (الحكمة 3: 13 وما يليه). وهكذا التقى الحكماء بما أعلنت مزامير مساكين يهوه عندما رأت أن الخير الأسمى هو في الثقة ييهوه (قابل مزمور 72: 23- 28).

العهد الجديد

مع مجيء يسوع المسيح أعطيَت فرضاً كلّ الخيرات. ففيه تجد السعادة مثالَها وتحقيقَها معاً. لأنه هو نفسه الملكوت الذي قد حضر. وهو يعطي المؤمنين به الخير الأسمى، الروح القدس، عربوناً للميراث السماوي.

أولاً: السعادة والمسيح

ليس يسوع حكيماً ذو خبرة واسعةٍ فقط. إنه الذي يعيش ملء السعادة التي يعلنها.1. "التطويبات":تقدّم التطويبات، وقد وضعت في واجهة خطاب يسوع الإفتتاحي (متى 5: 3- 12) منهجاً للسعادة المسيحية. أما قي إعادة لوقا فهي تقترن بمعطيات ويلٍ تعظم القيمة الأسمى لبعض معطيات الحياة (لوقا 6: 20- 26). هذين التفسيرين لا يمكن أن يُردّا إلى تطويب فضائل أو أوضاعٍ معيّنة في الحياة. بل يُوازي أحدهما الآخر ولا يعبّران خاصة عن حقيقتهما إلا إذا قصدا المعنى الذي أعطاهما إياه يسوع ذاته. فالواقع أن يسوع جاء من عند الله ليقول "نعم " رسمية لوعود العهد القديم: قد حفر ملكوت السماوات، وألغيت الحاجات والمصائب ومُنحت الرحمة والحياة بالله. فبالواقع إن كانت بعض التطويبات قيلت في صيغة المستقبل، فالأولى " طوبى للفقراء... " التي تحوي فَرضاً كلّ الباقين تريد أن تتحقق منذ الآن. بل أكثر من ذلك، فالتطويبات هي "نعم" قالها الله بيسوع. فبينما توصل العهد القديم إلى التوحيد بين الله والسعادة يأتي يسوع بدوره كمن يحقق الطموح إلى السعادة: فملكوت السماوات حاضر فيه، أضف أيضا أنّ يسوع شاء أن يجسد التطويبات إذ عاشها بالكمال وبدا "وديعاً ومتواضع القلب " (متى 11: 29).2. إنّ بقية الإعلانات الإنجيلية تنزع كلّها إلى البرهان على أنّ يسوع هو في صميم الطوبى. مريم تعطى الطوبى لأنها أعطت المخلّص الحياة (لوقا 1: 48، 11: 27) ولأنها آمنت (1: 45). من هنا، فهي تبشِّر بسعادةِ كلِّ الذين إنْ سمعوا كلمة الله (11: 28) يؤمنون دون أن يروا (يوحنا 20: 29). الويل للفريسيّين (متى 23: 13- 32)، ليهوذا (26: 24) للمدن التي لا تؤمن (11: 21). طوبى لسمعان الذي كشف له الآب ليسوع ابن الله الحي (متى 16: 7)، طوبى للعيون التي رأت يسوع (13: 16) وطوبى خاصة للتلاميذ الذين، وهم ينتظرون رجوع الرب، يبقون أمناء ساهرين (متى 24: 46) منصرفين لخدمة بعضهم بعضاً (يوحنا 17:13).

ثانياً: قيم المسيح

بينما حاول العهد القديم يخجل أن يضيف إلى القيم الأرضية من غنىً ونجاح، قيمة العدالة في الفقر والفشل، يهاجم يسوع غموض التصور الأرضي للسعادة. فمن الآن وصاعداً، لم يعد الأغنياء والشباعى والممدوحون سعداء هذا العالم، بل الجياع والباكين والفقراء والمضطهدين (انظر 1 بطرس 3: 14، 4: 14). فهذا الإنقلاب في القيم صار ممكناً بالذي هو القيمة كلها. سعادتان عظيمتان تتضمنان كلّ الأخرى: الأولى تكمن في الفقر مع ما يرافقه من أعمال البر، والتواضع، والوداعة، والطهارة، والرحمة، والاهتمام بالسلام، والثانية تكمن في قبول الاضطهاد حباً بالمسيح. إلا أنّ هذه القيم ذاتها ليست بشيء دون يسوع الذي يعطيها كل معناها. لذا، فوحده الذي وضع المسيح في صُلب إيمانه يقدر أن يسمع تطويبات الرؤيا. طوبى له إذا أصغى إليها (رؤيا 1: 3 ؛ 22: 7). وبقي متيقظاً (16: 15) لأنه يدعى إلى عرس الحمل (19: 9) للقيامة (20: 6) حتى وإن قضى الأمر بأن يعطيَ حياته شهادةً فلا يخَفْ: "طوبى للأموات الذين يرقدون بالرب " (14: 13).

مقدمة
الإنسان يريد السعادة، أسمّاها حياةً أم سلاماً أم فرحاً أم راحةً أم بركةً أم خلاصاً. كلّ هذه الخيرات يتضمنها بتفاوت، التعبير الذي نعلن به عن أحد أنه سعيد أو تعيس. وعندما يعلن "الحكيم " "طوبى للفقراء! ويلٌ، للأغنياء" ! لا يتلفظ ببركة تعطي السعادة ولا بلعنة تجلب التعاسة. بل يخصّ، باسم خبرته بالسعادة، على اتّباع الطرق التي تؤدي اليها.
العهد القديم

لِفَهم مرمى ومعنى أقوال الحكمة العديدة التي تبدو لنا أرضية محض يجب وضعها في الجوّ الديني الذي قيلت فيه. فإن كانت السعادة في الواقع تفترض دائماً الله في منبعها إلا أنها عرفت تطوراً بطيئاً ينطلق من الأرضي إلى السماويّ.
أولاً: الله والسعادة


1. السعادة والمجد في الله:

خلافاً لآلهة اليونان التي كانوا يحيّونها باسم "السعيدة جداً" لأنها تُجسِّد حلم الإنسان، لا يتوقف الكتاب المقدّس على سعادة الله (1 تيموتاوس 1: 11، 6: 15) التي لا تُقاس بما يطمح إليه الإنسان. فهو يرى في يهوه خاصة إله مجد يودّ أن يمنح هذا المجد للبشر. وهذا فرق ثانٍ: فبينما تتمتع آلهة اليونان بسعادتها دون اهتمام خاص بمصير البشر ينحني يهوه بعطفٍ على كلّ البشر خصوصاً على شعبه، فسعادة الإنسان تتفرّع من النعمة الإلهية، وهي اشتراك بمجده.
 

2. السعادة هي الله ذاته:

عبر التصريحات التي تكثر في الأدب الحِكَمي يكتشف قارئ الكتاب المقدس ماهية السعادة الحقَّة، وسبب البحث عها "طوبى لمن يخشى يهوه "، فيصير قويّاً مباركاً (مزمور 111: 1 وما يليه) وينال العديد من الأولاد (مزمور 127: 1 وما يليه) وإن أراد أن يضمن طول الأيام والخلاص والبركة والغنى (أمثال 3: 1- 10) فعليه اتباع طرق الربّ (مزمور 1: 1 وما يليه) والسير في شريعته (مزمور 118: 1) والإصغاء للحكمة (أمثال 8: 34 وما يليه) وإيجادها (أمثال 3: 13 وما يليه) والتمرس بها (سيراخ 14: 20) والاهتمام بالفقير (مزمور 40: 2) وبكلمة، أن يكون بارّاً. إذ يتوسّع الحكيم بهذه الأسباب ليقود تلاميذه في سبل السعادة الحقيقية فهو لا يتعدّى عادةً نطاق الجزاء المباشر على الأرض. فلأتقياء ومساكين " يهوه يعود إعلان تخطّي ذلك. فهم يفهمون أنهم مع الله يملكون كلّ شيء وأن التخلّي الكامل والثقةِّ اللامحدودة هما طريق السعادة: فلا داعي لذكر أيّ مبرّر، ولكنه مجرد تعبير "طوبى للذين يرجونه " (إشعيا 30: 18) "طوبى للإنسان الذي يثق بك " (مزمور 83: 13 ؛ أنظر مزمور 2: 12، 64: 5، 145: 5). هكذا يرى الإسرائيلي في خوف الله، وحفظ الناموس وفي الإصغاء للحكمة، انتظاراً للسعادة كجزاء، بل في عرف المتقدّمين روحيا، هذه هي السعادة الحاصلة منذ الآن والتي تقتضي القيام في عشرة الله والتذوق بلذّات أبدية عن يمينه (مزمور 15: 11، راجع 73: 23- 25).

 ثانياً: من السعادة الأرضية إلى السعادة السماوية

هكذا تتوضح قمة السعادة الإلهية. لكن ليكتشف الإنسان أن الله وحده هو السعادة، عليه أن يمرَّ بمسارٍ يطهر رغباته رويداً رويداً وإثر خيبات أمل متلاحقة (مزمور 40: 10، 117- 8 وما يلي).

1. السعادة الأرضية:

السعادة هي الحياة، حياة تطابقت طويلاً مع الحياة الأرضية. وهذه هي سعادة الشعب الذي اتَخذ يهوه إلهاً له: أن يكون له أولاد أصحاء، وبنات جميلات، وأهراء ممتلئة، وقطعان عديدة. وأخيراً السلام (مزمور 143: 12 - 15). وتفضّل النصوص المقدسة خيرات الإنسان في المجال القومي والعائلي والشخصي: أن يكون له ملك يستحق هذا الإسم (الجامعة 10: 16 وما يليه) وزوجة عاقلة (ابن سيراخ 25: 8) صالحة (26: 1) وثروة وفيرة اكتسبت وليس هو مستعيد لها (31: 8) وأن يكون حَذِراً (25: 9) ألا يزلَّ بلسانه (14: 1) ويعطف على البؤساء (أمثال 14: 21) ويكون بلا لوم (سيراخ 14: 2). وبالمختصر أن تكون له حياة لائقة. لذا عليه أن يكون الربّ مؤدّبأ له (مزمور 93: 12). أجل من اللائق التفجع على من مات. إلا أنّ البكاء لا يجب أن يطول كثيراً. لأن الحزن المشؤوم يمنع من التلذّذ بالسعادة الحاضرة (سيراخ 38: 16 - 23).

2. نحو السعادة السماوية:

إن خيرات العهد الأرضية، وقد أعطاها يهوه وباركها كانت علامات شركة حياةٍ مع الله. ولما ترسّخ الاعتقاد بالحياة الأبدية، لمُست محدوديتها، وأخطارها بشكل أوضح، وبثمن هذا التطهير، صارت تعني الحياة الأبدية ذاتها. وفي الوقت نفسه، أبرز الرجاء الجديد قيماً جديدة: كالخصوبة الروحية عند الرجل العاجز والمرأة العاقر. هذا الرجاء يقلب نظام القيم القديم. وكانت الخبرة قد أظهرت أنه لا يجب تقدير سعادة إنسان قبل نهايته (ابن سيراخ 11: 28). وأعلن سفر الحكمة بجرأة عظيمة تُبشِّر بالإنجيل " طوبى للعواقر إن كن باراتٍ فاضلات (الحكمة 3: 13 وما يليه). وهكذا التقى الحكماء بما أعلنت مزامير مساكين يهوه عندما رأت أن الخير الأسمى هو في الثقة ييهوه (قابل مزمور 72: 23- 28).

العهد الجديد

مع مجيء يسوع المسيح أعطيَت فرضاً كلّ الخيرات. ففيه تجد السعادة مثالَها وتحقيقَها معاً. لأنه هو نفسه الملكوت الذي قد حضر. وهو يعطي المؤمنين به الخير الأسمى، الروح القدس، عربوناً للميراث السماوي.

أولاً: السعادة والمسيح

ليس يسوع حكيماً ذو خبرة واسعةٍ فقط. إنه الذي يعيش ملء السعادة التي يعلنها.1. "التطويبات":تقدّم التطويبات، وقد وضعت في واجهة خطاب يسوع الإفتتاحي (متى 5: 3- 12) منهجاً للسعادة المسيحية. أما قي إعادة لوقا فهي تقترن بمعطيات ويلٍ تعظم القيمة الأسمى لبعض معطيات الحياة (لوقا 6: 20- 26). هذين التفسيرين لا يمكن أن يُردّا إلى تطويب فضائل أو أوضاعٍ معيّنة في الحياة. بل يُوازي أحدهما الآخر ولا يعبّران خاصة عن حقيقتهما إلا إذا قصدا المعنى الذي أعطاهما إياه يسوع ذاته. فالواقع أن يسوع جاء من عند الله ليقول "نعم " رسمية لوعود العهد القديم: قد حفر ملكوت السماوات، وألغيت الحاجات والمصائب ومُنحت الرحمة والحياة بالله. فبالواقع إن كانت بعض التطويبات قيلت في صيغة المستقبل، فالأولى " طوبى للفقراء... " التي تحوي فَرضاً كلّ الباقين تريد أن تتحقق منذ الآن. بل أكثر من ذلك، فالتطويبات هي "نعم" قالها الله بيسوع. فبينما توصل العهد القديم إلى التوحيد بين الله والسعادة يأتي يسوع بدوره كمن يحقق الطموح إلى السعادة: فملكوت السماوات حاضر فيه، أضف أيضا أنّ يسوع شاء أن يجسد التطويبات إذ عاشها بالكمال وبدا "وديعاً ومتواضع القلب " (متى 11: 29).2. إنّ بقية الإعلانات الإنجيلية تنزع كلّها إلى البرهان على أنّ يسوع هو في صميم الطوبى. مريم تعطى الطوبى لأنها أعطت المخلّص الحياة (لوقا 1: 48، 11: 27) ولأنها آمنت (1: 45). من هنا، فهي تبشِّر بسعادةِ كلِّ الذين إنْ سمعوا كلمة الله (11: 28) يؤمنون دون أن يروا (يوحنا 20: 29). الويل للفريسيّين (متى 23: 13- 32)، ليهوذا (26: 24) للمدن التي لا تؤمن (11: 21). طوبى لسمعان الذي كشف له الآب ليسوع ابن الله الحي (متى 16: 7)، طوبى للعيون التي رأت يسوع (13: 16) وطوبى خاصة للتلاميذ الذين، وهم ينتظرون رجوع الرب، يبقون أمناء ساهرين (متى 24: 46) منصرفين لخدمة بعضهم بعضاً (يوحنا 17:13).

ثانياً: قيم المسيح

بينما حاول العهد القديم يخجل أن يضيف إلى القيم الأرضية من غنىً ونجاح، قيمة العدالة في الفقر والفشل، يهاجم يسوع غموض التصور الأرضي للسعادة. فمن الآن وصاعداً، لم يعد الأغنياء والشباعى والممدوحون سعداء هذا العالم، بل الجياع والباكين والفقراء والمضطهدين (انظر 1 بطرس 3: 14، 4: 14). فهذا الإنقلاب في القيم صار ممكناً بالذي هو القيمة كلها. سعادتان عظيمتان تتضمنان كلّ الأخرى: الأولى تكمن في الفقر مع ما يرافقه من أعمال البر، والتواضع، والوداعة، والطهارة، والرحمة، والاهتمام بالسلام، والثانية تكمن في قبول الاضطهاد حباً بالمسيح. إلا أنّ هذه القيم ذاتها ليست بشيء دون يسوع الذي يعطيها كل معناها. لذا، فوحده الذي وضع المسيح في صُلب إيمانه يقدر أن يسمع تطويبات الرؤيا. طوبى له إذا أصغى إليها (رؤيا 1: 3 ؛ 22: 7). وبقي متيقظاً (16: 15) لأنه يدعى إلى عرس الحمل (19: 9) للقيامة (20: 6) حتى وإن قضى الأمر بأن يعطيَ حياته شهادةً فلا يخَفْ: "طوبى للأموات الذين يرقدون بالرب " (14: 13).

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English