سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

الإيمان

 

 

الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

   

 

مقدمة
إن الإيمان، بالنسبة للكتاب المقدس، هو منبع ومركز للحياة الدينية أجمع. وعلى الإنسان أن يتجاوب بالإيمان مع قصد الله الذي يحققه خلال الزمن. فعلى منوال إبراهيم "أبي كل المؤمنين" (رومة 4: 11) قد عاشت شخصيات مثالية من العهد القديم ثم ماتوا في الإيمان (عبرانيين 11)، الذي "يتممه يسوع حتى الكمال" (عبرانيين 12: 2). وتلاميذ المسيح هم "الذين آمنوا به" (أعمال 2: 44) "والذين يؤمنون" (1 تسالونيكي 1: 7). وتنوع المفردات العبرية الخاصة بالإيمان يعكس تشعب وضع المؤمن الروحي. على أن هناك أصلين غالبين: "أمان" (راجع آمين) الذي يوحي بالصلابة والاستقرار، و"بَطَح" الذي يوحى بالأمن والثقة. وأما المفردات اليونانية فهي أكثر تنوعاً من السابقة. فالديانة اليونانية، لم تكن في الواقع عمليةً لتجعل للإيمان مكاناً؛ ولمّا كانت السبعينية في عوز للكلمات المناسبة لترجمة المعنى العبري، فقد أخذت تتردد في ذلك. فلفظ الأصل "بَطَح" يقابله على الأخص pepoitha, elipzo, elpis (في الترجمة اللاتينية المعروفة بالفولجات: confide, sperare, spes) وأما الأصل "أمان" فيقابله aletheia, pisteuo, pistis وفي الفولجات: veritas, fides, credere وفي العهد الجديد، تصبح الألفاظ اليونانية الأخيرة، المتعلقة بمجال المعرفة هي الغالبة بوضوح. ودراسة المفردات توحي من أول الأمر بأن للإيمان، بحسب الكتاب، قطبين: الثقة التي تتجه نحو شخص "أمين"، وتلزم الإنسان بكليته، ومن جهة أخرى، مسعى العقل الذي تتيح له كلمة أو بعض العلامات، بلوغ حقائق لا يعانيها (عبرانيين 11: 1).

إبراهيم أبو المؤمنين:

يدعو يهوه إبراهيم، الذي كان أبوه "يعبد آلهة أخرى" في بلاد الكلدانيين (يشوع 24: 2، راجع يهوديت 5: 6- 8)، ويعده بأرض وذرية عديدة (تكوين 12: 1-2). فابراهيم، وعلى عكس المتوقع عادة (رومة 4: 19)، "يؤمن بالله" (تكوين 15: 6)، وبكلمته، فيطيع هذه الدعوة، وعلى أساس هذا الوعد يلتزم في أسلوب معيشته. وفي يوم التجربة سيكون إيمانه قادراً على تضحية الابن الذي فيه يشرع الوعد في التحقق (تكوين 22). وفي الواقع بالنسبة لهذا الإيمان تكون "كلمة" الله أعمق في الحق حتى من ثمارها: إن الله أمين (راجع عبرانيين 11: 11)، وعلى كل شيء قدير (رومة 4: 21). من الآن فصاعداً، يكون إبراهيم هو النموذج بعينه للمؤمن (سيراخ 44: 20)، وهو في طليعة أولئك الذين سيكتشفون الإله الحقيقي (مزمور 47: 10، راجع غلاطية 3: 8)، أو ابنه (يوحنا 8: 31- 41 و 56)، أولئك الذين سيسلمون أمر خلاصهم لله وحده ولكلمته (1 مكابيين 2: 52- 64، عبرانيين 11: 8- 19). على أن الوعد سيتحقق يوماً، في قيامة يسوع، الذي من ذرية ابراهيم (غلاطية 3: 16، رومة 4: 18 - 25) وإذ ذاك سيكون إبراهيم "أباً لشعوب كثيرة" (رومة 4: 17- 18، تكوين 17: 5): لكل الذين صوف يوحّدهم الإيمان بيسوع.
العهد القديم

أولاً: الإيمان، مطلب يفرضه العهد

في مصر، يفتقد إله إبراهيم شعبه التعس (خروج 3: 16). فيدعو موسى، ويظهر له، ويعده "بأن يكون معه" ليقود إسرائيل إلى أرضه (خروج3: 1- 15). و"كما لو كان يرى ما لا يرى"، يجيب موسى على هذه المبادرة الإلهية بإيمان "سيبقى ثابتاً" (عبرانيين 11: 23- 29)، بالرغم من بعض التخاذلات العارضة (عدد 20: 1- 12، مزمور 106: 32- 33). وهو كوسيط، يبلِّغ الشعب قصد الله، في حين تعلن معجزاته عن مصدر رسالته. فإسرائيل مدعو هكذا لأن "يؤمن بالله وبموسى عبده" (خروج 14: 31، عبرانيين 11: 29) بثقة مطلقة (عدد 14: 11، خروج 19: 9). ويؤكد العهد التزام الله هذا في تاريخ إسرائيل. ويشترط بالمقابل على إسرائيل أن يطيع كلمة الله (خروج 19: 3- 9). إلا أن "الإصغاءّ ليهوه" يعني أولاً "الإيمان به" (تثنية 9: 23، مزمور 106: 24- 25)، فيشترط العهد إذاً الإيمان (راجع مزمور 78: 37). وتكون حياة إسرائيل وموته هما، من الآن فصاعداً، رهن أمانته الحرة (تثنية 30: 15-20، 28 عبرانيين 11: 33) في الابقاء، بالإيمان، على المصادقة (راجع تثنية 27: 9- 26) التي تجعل منه شعب الله. وبالرغم من الخيانات العديدة، التي نسج منها تاريخ عبور الصحراء، وغزو أرض الميعاد، والاستقرار في كنعان، فإن هذه الملحمة قد أمكن إيجازها هكذا: "بالإيمان، سقطت أسوار أريحا...، وإن الوقت ليضيق بي إذا أخبرت عن جدعون، وباراق، وشمشون، ويفتاح وداود" (عبرانيين 11: 30-32). طبقاً لوعود العهد (تثنية 7: 17- 24، 31: 3- 8)، كانت أمانة يهوه الكلية القدرة دائماً في خدمة إسرائيل، عندما كان إسرائيل يؤمن بها. و بالتالي فإعلان عجائب الماضي هذه، ولا سيما عجائب الخروج، كعمل من أعمال الله غير المنظور، كانت، بالنسبة لإسرائيل، بمثابة الاعتراف بإيمان (عدد 26: 5- 9، راجع مزمور 78، 105)، يتناقل من جيل إلى جيل، وبصفة خاصة في زمن الأعياد الكبرى السنوية (خروج 12: 26، 13: 8، تثنية 6: 20). على هذا النحو كان الشعب يحتفظ بذكرى محبة يهوه إلهه (مزمور 136).


ثانياً: الأنبياء وإيمان إسرائيل محفوفان بالخطر

لقد كانت مصاعب حياة إسرائيل حتى السبي، تجربة قاسية لإيمانه. فقد شجب الأنبياء عبادة الأوثان (هوشع 2: 7- 15، إرميا 2: 5- 13) التي كانت تقضي على وحدة الإيمان يهوه، وكذلك على الشكلية في العبادة (عاموس 5: 21، إرميا 7: 22- 23)، التي كانت تقيد تقييداً قاتلاً متطلبات الإيمان. كما أدان الأنبياء السعي للخلاص عن طريق قوة السلاح (هوشع 1: 7، إشعيا 31: 1-3). كان إشعيا أخطر هؤلاء المكافحين عن الإيمان (إشعيا 30: 15). فهو يدعو آحاز إلى الانتقال من الخوف إلى الثقة المطمئنة في يهوه (7: 4- 9، 8: 5- 8) الذي سيحفظ وعوده لبيت داود (2 صموئيل 7، مزمور 89: 21- 32). ثم يُلهم حِزْقيّا بالإيمان الذي سيُتيح ليهوه إنقاذ أورشليم (2 ملوك 18: 22). ومن الإيمان يكتشف حكمة الله العجيبة (إشعيا 19: 11-15، 29: 13 إلى 30: 6، راجع 1 كورنتس 1: 19- 20). وقد أضحى إيمان اسرائيل مهدداً بنوع خاص عند سقوط أورشليم ووقوع السبي. وكاد اسرائيل، وقد صار "بائساً ومسكيناً" (إشعيا 41: 17)، ان ينسب مصيره إلى عدم قدرة الله، ويتجه نحو آلهة بابل المنتصرة. وإذ ذاك يشيد الأنبياء بقدرة اله اسرائيل الضابط الكل، (إرميا 32: 27، حزقيال 37: 14)، وخالق العالم (إشعيا 40: 28 - 29، راجع تكوين 1)، وسيد التاريخ (إشعيا 41: 1-17، 44: 24-25)، وصخرة شعبه (44: 8، 50: 10). فالأصنام ليست بشيء (44: 9-20). "فلا إله إلا يهوه الرب" (44: 6 - 8، 43: 8- 12، راجع مزمور 115: 7- 11): فهو بالرغم من كل مظهر عكسي، يستحق دائماً ثقة مطلقة (إشعيا 40: 31، 49: 23).

ثالثاً: الأنبياء وإيمان إسرائيل المستقبل

1. الإيمان، حقيقة آتية:

إن إسرائيل، في مجموعه، لم ينصت إلى دعوة الإيمان التي نادى بها الأنبياء (إرميا 29: 19). ولكي يصغي إليها، كان لا مناص له أولاً من الإيمان بالأنبياء (طوبيا 14: 4)، كما آمن فيما مضى بموسى (خروج 14: 31). لكن عائقاً مزدوجاً اعترض إسرائيل. فأولاً قام أنبياء كذبة (إرميا 28: 15، 29: 31): فما السبيل إلى تمييزهم عن الأنبياء الحقيقيين (23: 9- 32، تثنية 13: 2- 6، 18: 9- 22)؟ ثم اعترضه الإيمان ذاته، بسبب تطلعاته الغريبة ومتطلباته العملية الصعبة. ولم يكن الله الأمين ليمتنع عن إنجاز وعوده. إلا أن إتمامها، في إطار العهد، كان يتوقف على الإيمان، وهذا الإيمان كان غائباً في إسرائيل التاريخي. فبالنسبة إلى الأنبياء، قد أصبح الإيمان حقيقة آتية، سوف يمنحها الله لاسرائيل العهد الجديد. وسوف يجدد الله يوماً بواطن القلوب (إرميا 32: 39- 40، حزقيال 36: 26)، التي سوف تستطيع بالتالي أن تعبر عن قساوة القلب (إشعيا 6: 9- 10) إلى الإيمان (رومة 10: 9- 10، راجع يوحنا 12: 37- 43)، وسوف يضع فيها المعرفة (إرميا 31: 33- 34) والطاعة (حزقيال 36: 27)، النابعتين من الإيمان.

2. الايمان رباط اسرائيل المستقبل:

على مثال إبراهيم وموسى، كان الأنبياء، من جهتهم، يجعلون الإيمان بيهوه ودعوته ورسالته، أساساً لحياتهم (راجع عبرانيين 11: 33 - 40). وكان هذا الإيمان غالباً، تلقائياً، لا يتزعزع (إشعيا 6، 8: 17، 12: 2، 30: 18). إلا أنه أحياناً، كان في اختبار إزاء دعوة شديدة المطالب (إرميا 1، راجع خروج 3: 10- 12، 4: 1- 7)، أو تجاه غيابٍ لله في الظاهر (1 ملوك 19، إرميا 15: 10- 21، 20: 7- 18)، فكان يشوبه بعض التردد، قبل أن يبلغ إلى ثبات نهائي (إرميا 26، 37، 38). إن إيمان الأنبياء هذا كان، على كل حالٍ، يشعّ على مجموعة متباينة الاتساع، من التلاميذ (راجع إشعيا 8: 16، إرميا 45) ومن السامعين. وعليه فكان الإيمان يبدو أكثر فأكثر بمثابة التزام وموقف شخصيين، كانا يجمعان، منذ ساعته تلك البقية الباقية، التي تنبأ عنها الأنبياء. فهؤلاء الأنبياء يرون إسرائيل المستقبل في صورة هذه الجماعات الصغيرة. وإذ يجمعه ايمانه بصخرة صهيون السرية (إشعيا 28: 16، راجع بطرس 2: 6 - 7)، سيكون شعباً من الفقراء، يُقرّب بينهم إيمانهم بالله (ميخا 5: 6- 7، صفنيا 3: 12- 18). و " البار وحده سوف يحيا بأمانته (في السبعينية: بإيمانه)" (حبقوق 2: 4). وبالتالي فإن ما كان يلمحه الأنبياء، لم يعد بعد أمّة مُخلَّصة بصفتها هذه، وإنما مسبقاً كنيسة، هي جماعة فقراء يربط أواصرهم الإيمان الشخصي. وبالنسبة إلى شعب الإيمان هذا، سيكون عبد يهوه شخصية مثالية. وهو في اختباره الذي يصل إلى حدّ الموت (إشعيا 50: 6، 53)، "يُصلِّب وجهه"، في إيمانٍ بالله مطلق (إشعيا 50: 7- 9 " راجع لوقا 9: 51)، يبرره المستقبل (53: 10- 12، راجع مزمور 22).


3. إيمان الأمم:

تمتد رسالة عبد يهوه هذا إلى الأمم (إشعيا 42: 4، 49: 6). وعليه، فما دام الإيمان سيجمع شمل اسرائيل المستقبل، فسوف يستطيع أن يفتح ابوابه أمام الأمم، كما وتستطيع الأمم أن تكتشف الإيمان بالله الواحد (43: 10)، معترفة به الهاً واحداً (45: 14، 52: 15، راجع رومة 10: 16، إشعيا 56: 1- 8) منتظرةً الخلاص منه وحده (15: 9- 2).

رابعاً: نحو تجميع المؤمنين

في القرون التي لحقت السبي اتجه اسرائيل التاريخي نحو التمثل بصورة المستقبل، التي لمحها الأنبياء لمحاً عابراً، مع عدم عدوله عن أن يكون أمة، عساه يشكل جماعة من المؤمنين حقاً (1 مكابيين 3: 13).

1. إيمان الحكماء والفقراء والشهداء:

كان حكماء إسرائيل، مثل الأنبياء، يعرفون، منذ زمن طويل، أنه ينبغي عليهم ألا يعتمدوا إلا على يهوه حتى يفوزوا "بالخلاص" (أمثال 20: 22). وحينما يتلاشى كل خلاص على المستوى المنظور، فإن الحكمة تتطلب ثقة كاملة في الله (أيوب 19: 25 - 26)، في إيمان "يعرِّف" أن الله يظل على كل شيء قدير (أيوب 42: 2). فالحكماء هنا قريبون جداً من الفقراء الذين تغنّوا بثقتهم في المزامير. ويعلن كتناب المزامير كله إيمان إسرائيل بيهوه، الإله الواحد (مزمور 18: 32، 115)، والخالق (8: 104)، والكلي القدرة (29)، والسيد الأمين (89)، والرحيم (136) بشعبه (105)، وملك المستقبل في العالم كله (47، 96- 99). هذا وإن العديد من المزامير تعبّر عن ثقة إسرائيل يهوه (44، 74، 125)0 إلا أن أسمى شهادات الإيمان هي صلوات يتفتح فيها إيمان إسرائيل على ثقة فرديّة نادرة. إنه إيمان البار المضطهد في سبيل الله. وإن الله، إن عاجلاً أو آجلاً، سيخلِّصه (7، 11، 27، 31، 62) ؛ وثقة الخاطئ هي في رحمة الله (40: 13 - 18، 15، 130)، وأمان مطمئن في الله (4، 23، 121، 131) هو أقوى من الموت (16، 49، 73): تلك هي صلاة الفقراء الذين يجمعهم يقين بأن وراء كل اختبار (22)، يدّخر الله لهم البشارة السارة (إشعيا 61: 1، راجع لوقا 4: 18) وامتلاك الأرض (مزمور 37: 11، راجع متى5: 4). ويتعرض اسرائيل، لأول مرة على الأرجح، في تاريخه (راجع دانيال 3)، بعد السبي، لاضطهاد ديني دموي (1 مكابين 1: 62- 64، 2: 29- 38، راجع عبرانيين 11: 37- 38). فالشهداء يموتون ليس فقط رغم إيمانهم، بل وبسبب إيمانهم. ومع ما يواجهونه من غيبة الله الكبرى هذه عنهم، فإن إيمان هؤلاء الشهداء لا يضعف (1 مكابيين 1: 62) ؛ بل يزداد عمقاً إلى حد أنهم، بفضل أمانة الله، يرجون القيامة (2 مكابيين 7، دانيال 12: 2- 3)، والخلود (حكمة 2: 19-20، 3: 1- 9). وعلى هذا النحو فإن الإيمان الشخصي بثباته أكثر فأكثر، يجمع، منذ ذاك، البقية المستفيدة بالوعود (رومة 11: 5).


2. إيمان الوثنيين المهتدين:

في هذه الحقبة نفسها، يسري في إسرائيل تيار ارسال من الدعاة. فمثلما كان فيما سبق نعمان الشامي (2 ملوك 5)، كذلك كثيرون من الوثنيين يؤمنون بإله إبراهيم (راجع مزمور 47: 10). عندئذ يكتب تاريخ أهل نينوى، الذين يقودهم الوعظ من نبي واحد - يا لعار إسرائيل- نحو "الإيمان بالله" (يونان 3: 4- 5، راجع متى 12: 41)، وتاريخ اهتداء نبوكد نصر (دانيال 3، 4)، وتاريخ أحيور الذي "يؤمن ويُضمّ إلى شعب إسرائيل (يهوديت 14: 10، راجع 5: 5-21): إن الله يمهل الأُمم زمناً "للإيمان به" (حكمة 12: 2، راجع سيراخ 36: 4).

3. نقائص إيمان اسرائيل:

إن الاضطهاد قد أدى بالتأكيد إلى بعض الاستشهادات، ولكنه أثار أيضاً بعض المحاربين، الذين أبوا أن يموتوا دون أن يقاتلوا (1 مكابيين 2: 39- 41) ليحرروا إسرائيل (2: 11)، إنهم كانوا يعتمدون على الله في ضمان النصر لهم في صراع غير متكافئ (2، 49- 70، راجع يهوديت 9: 11 - 14). كان إيمانهم جديراً بالإعجاب في حدّ ذاته (راجع عبرانيين 11: 34 و 39)، إلا أنه لم يحلُ من بعض الثقة في القوة البشرية. وثمة نقص آخر كان يهدد إيمان إسرائيل. فهؤلاء الشهداء والمحاربون كانوا قد ماتوا في سببل الأمانة لله وللشريعة (1 مكابيين 1: 52 - 64). فإسرائيل، في الواقع، كان قد انتهى به المطاف إلى أن يدرك أن الإيمان يوجب الطاعةِّ لمتطلبات العهد. الا أن الأيمان في هذا الاتجاه كان مهدداً بالخطر الذي سيسقط فيه كثير من الفريسيين: شكلية تتمسك بالمتطلبات الطقسية أكثر منها بنداءات الكتاب الدينية والخلقية (متى 23: 13- 30)، وكبرياء تعتمد على الإنسان وعلى أعماله أكثر منها على الله وحده لنيل التبرير (لوقا 18: 9- 14). ومن ثم فإن ثقة إسرائيل بالله لم تكن نقية كل النقاء، بعضها، نظراً لبقاء حجاب بين إيمانه وقصد الله المعلن في الكتاب (2 كورنتس 3: 14). هذا من جهة، ومن جهة البعض الآخر، فإن الإيمان الحقيقي لم يوعد به إلاّ إسرائيل المستقبل. وأما الوثنيون من جهتهم، فكان من الصعوبة بمكانٍ، أن يشتركوا في إيمان كان ينصبّ أول ما ينصبّ على رجاء قومي أو على متطلبات طقسية، ثقيلة جداً. وعلى كلِّ، فماذا كان عساهم أن يفيدوا من مثل هذا الاشتراك (متى 23: 23)؟ ثم إن الوصول إلى إيمان الفقراء أخيراً، ما كان يمكن أن يترك الوثنيين في إيمان لم يكن بعدُ سوى مجرد رجاء. ومن ثم لم يكن لإسرائيل- ومعه الأمم- إلا أن ينتظروا ذاك الذي سوف يقود إيمانه إلى كماله (عبرانيين 12: 2، راجع 11: 39- 0 4) وينال الروح "الموعود به" (أعمال 2: 33).
العهد الجديد

أولاً: الإيمان في فكر يسوع وحياته

1. الممهدات:

إن إيمان الفقراء (راجع لوقا 1: 46- 55) هو الذي يستقبل أول إعلان للخلاص. فهذا الإيمان، الناقص عند زكريا (1: 18 - 20، راجع تكوين 15: 8)، والمثالي عند مريم (لوقا 1: 35- 37 و 45، راجع تكوين 18: 14)، والذي يتقاسمه آخرون رويداً رويداً (لوقا 1، 2//)، لم يكن تواضع المظاهر ليحجب عنه المبادرة الإلهية. كذلك الذين يؤمنون بيوحنا المعمدان هم من الفقراء المعترفين بخطيئتهم، وليسوا من الفريسيين المتكبرين (متى 21: 23 - 32). إن هذا الإيمان أخذ يجمعهم مقدماً، دون أن يدروا، حول يسوع الذي جاء بينهم (3: 11- 17 //)، وهو يوجّههم نحو الإيمان به (أعمال 19: 4، راجع يوحنا 1: 7).

2. الإيمان بيسوع وبكلمته:

لقد كان بمقدور الجميع "أن يسمعوا ويروا" (متى 13: 13 //) كلمة يسوع ومعجزاته التي تعلن مجيء الملكوت (11: 3 - 6 //، 13: 16 - 17 //). ولكن، أن "تُسمع الكلمة" (11: 15 //، 19:13 - 23//))، و"يُعمل" بها (24:7 - 27//، راجع تثنية 5: 27)، أي أن يرى الناس حقاً، وباختصار: أن يؤمنوا (مرقس 1: 15، لوقا 8: 12، راجع تثنية 9: 23)، إنما كان ذلك ميزة اختص بها التلاميذ (لوقا 8: 20//). إن الكلمة والمعجزات كان من شأنها طرح هذا السؤال: "من هذا؟" (مرقس 4: 41، 6: 1- 6 و 14- 16//). لقد كان هذا السؤال امتحان بالنسبة إلى يوحنا المعمدان (متى 11: 2- 3)، وعثرة للفريسيين (12: 22- 28//، 21: 23//)، فالايمان المطلوب من أجل تحقيق المعجزات لم يكن ليجيب على السؤال، الا إجابة جزئية، بالاعتراف بقدرة يسوع الكلية (متى 8: 20، مرقس 22:9 - 23). على أن الإجابة الصحيحة يقدمها بطرس: "أنت هو المسيح" (متى 16: 13 - 16//) وهذا الإيمان بيسوع يوحِّد من ساعته بينه وبين التلاميذ، وفيما بينهم، ويجعلهم يشتركون في سر شخصه (16: 18 - 20 //). حول يسوع، الفقير (متى 11: 29)، والذي خاطب الفقراء (5: 2- 10//، 11: 5//)، قد تكونت هكذا جماعة من الفقراء، من "الصغار" (10: 42)، أثمن ما في رابطتها الإيمان به وبكلمته (18: 6 - 10 //). والايمان يأتي من الله (11: 25//، 16: 17)، ولسوف تقتسمه الأمم يوماً (8: 5- 13 //، 12: 38 - 42//). هكذا تتم النبوات.


3. كمال الإيمان:

عندما يسلك يسوع، العبد، طريق أورشليم، لكي يطيع حتى الموت (فيلي 2: 7 - 8)، "يقسّي وجهه" (لوقا 9: 51، راجع اشعيا 50: 7). في مواجهة الموت، إنه "يتمم إيمان" (عبرانيين 12: 2) الفقراء (لوقا 23: 46، مزمور 31: 6، متى 27: 46// مزمور 22)، فيبدي ثقة مطلقة "بذلك القادر"، بالقيامة، "أن يخلصه من الموت" (عرانيين 5 - 7). إن التلاميذ، بالرغم من معرفتهم لأسرار الملكوت (متى 13: 11//)، لم يسلكوا إلا بصعوبة، الطريق الذي فيه كان ينبغي لهم، بالإيمان، أن يتبعوا ابن الإنسان (16: 21 - 23 //). غير أن الثقة الني تستبعد كل همّ وكل خوف (لوقا 12: 22 - 32//) لم تكن مألوفة عندهم (مرقس 4: 35 - 41، متى 16: 5 - 12//). وعليه فإن اختبار الألم (متى 26: 41) ستكون بالنسبة اليهم عثرة (26: 33). ولا غرو فإن ما يرونه إذ ذاك انما يتطلب الكثير من الإيمان (راجع مرقس 15: 31- 32). إن إيمان بطرس ذاته، دون أن يتلاشى- لأن يسوع كان قد صلّى من أجله (لوقا 22: 32)- لم بكن ليقدر على الثبات (22: 54 - 62 //). فكان لا يزال على إيمان التلاميذ أن يقطع خطوة حاسمة لكي يصبح إيماناً للكنيسة.

ثانياً: إيمان الكنيسة

1. الإيمان الفصحي:

لقد اجتاز التلاميذ هذه الخطوة، عندما آمنوا بالقيامة بعد الكثير من التردد خلال أوقات ظهور يسوع (متى 17:28، مرقس 16: 11-14، لوقا 24: 11). وإذ كانوا شهوداً لكل ما قاله يسوع وصنعه (أعمال 10: 39)، فلقد أخذوا يعلنونه "رباً ومسيحاً"، وقد تمَّت فيه الوعود بطريقة غير منظورة (2: 33- 36). فإيمانهم قادر الآن على المضي "حتى الدم" (راجع عبرانيين 12: 4). فهم يدعون مستمعيهم إلى أن يشاطروهم هذا الإيمان ليستفيدوا من الموعد، بأن ينالوا مغفرة خطاياهم (أعمال 2: 38- 39، 10: 43). لقد وُلد إيمان الكنيسة.

2. الإيمان بالكلمة:

الإيمان، قبل كل شيء، هو قبول كرازة الشهود هذه، هو قبول الانجيل (أعمال 15: 7، 1 كورنتس 15: 2)، وقبول "الكلمة" (أعمال 2: 41، رومة 10: 17، 1 بطرس 2: 8)، بالاعتراف بيسوع كرب (1 كورنتس 12: 3، رومة 10، 9، راجع 1 يوحنا 2: 22). وهذه الرسالة الأولى المسلَّمة كتقليد (1 كورنتس 15: 1- 3)، سوف تستطيع أن تعتني وتتحدَّد في تعليم (1 تيموتاوس 4: 6، 2 تيموتاوس 4: 1- 5): فهذه الكلمة البشرية ستكون دوماً، بالنسبة إلى الإيمان، "كلمة" الله بالذات (1 تسالونيكي 2: 13). وإنَّ قبولها بالنسبة إلى الوثني معناه هجر الأصنام، والاتجاه نحو الله الحي والحقيقي (تسالونيكي 1: 8 - 10)، وبالنسبة إلى الجميع معناه الاعتراف بأن الرب يسوع يتمّم قصد الله (أعمال 3: 21- 26 و 27- 37، راجع يوحنا 2: 24). ومعناه، عند قبول المعمودية الاعتراف بالآب والابن والروح القدس (متى 28: 19). إن هذا الإيمان، كما سيختبره بولس، يفتح أمام الذِهن "كنوز الحكمة والمعرفة". التي في المسيح (كولسي 2: 3): أي حكمة الله ذاتها، الموحى بها بالروح القدس (1 كورنتس 1: 2) والمختلفة كل الاختلاف عن الحكمة البشرية (1 كورنتس 1: 17- 31، راجع يعقوب 2: 1- 5، 3: 13- 18، راجع اشعيا 29: 14)، الا وهي معرفة المسيح ومحبته (فيلبي 3: 8، أفسس 3: 19، راجع 1 يوحنا 16:3).

3. الإيمان وحياة المعمّد:

من آمن "بالكلمة"، منقاداً بالإيمان، حتى العماد ووضع الأيدي، اللذين يؤهلانه للاندماج في الكنيسة اندماجاً كاملاً، يشترك في التعليم، وفي الروح، وفي "ليتورجية" الكنيسة (أعمال 2: 41- 46). إذ إنه في الكنيسة يحقق الله قصده بصنع خلاص الذين يؤمنون به (2: 47، 1 كورنتس 1: 18)، فالايمان إنما يزدهر في الطاعة لهذا المقصد الالهي (أعمال 6: 7، 2 تسالونيكي 1: 8). ويمارس في نشاط (تسالونيكي 1: 3، يعقوب 1: 21- 22) حياة خلقية أمينة على شريعة المسيح (غلاطية 6: 2، رومة 8: 2، يعقوب 1: 25، 2: 12) ؛ وهو يعمل عن طريق المحبة الأخوية (غلاطية 5: 6، يعقوب 2: 14- 26). ويبقى الإيمان ثابتاً في أمانة قادرة على مواجهة الموت على مثال يسوع (عبرانيين 12، أعمل 7: 55- 60)، في ثقة مطلقة بذاك "الذي آمن به"، (2 تيموتاوس 1: 12، 17:14-18). إيمان بالكلمة، وطاعة في ثقة، ذلك هو إيمان الكنيسة، الذي يفصل بين الذين يهلكون - ممن يتبع البدعة مثلاً (تيطس 3: 10)- وبين الذين يخلصون (2 تسالونيكي 1: 3 - 10، 1بطرس 7:2-8، مرقس 16:16).

ثالثاً: القديس بولس والخلاص بالإيمان

كان الإيمان، في نظر الكنيسة الناشئة، كما في نظر يسوع، عطية من لدن الله (أعمال 11: 21-23، 16: 14، راجع كورنتس 12: 3). ولذا فعندما اهتدى بعض الوثنيين، كان الله نفسه "يُطهِّر قلوبهم بالإيمان" (أعمال 11: 18، 14: 27، 15: 7-9). "ولأنهم آمنوا". كانوا ينالون الروح الذي ناله اليهود المؤمنون (11: 17). ومن ثم فقد قُبلوا في الكنيسة.

1. الإيمان والشريعة اليهودية:

ولكن سرعان ما أثيرت هذه المسألة: تُرى، أينبغي أن يخضع هؤلاء للختان والشريعة اليهودية (أعمال 15: 5، غلاطية 2: 4)؟ يرى بولس، بالاتفاق مع المسؤولين (غلاطية 3:2- 6)، أنه من غير المعقول إلزام الوثنيين أن "يتهوّدوا"، ذلك لأن الإيمان بالمسيح هو الذي خلّص اليهود أنفسهم (أعمال 15: 11، غلاطية 2: 15- 16). ولذا فعندما رأى البعض أن يلزموا مسيحيي غلاطية بالختان، أدرك بولس من فوره أن ذلك معناه البشارة بإنجيل آخر (1: 6- 9). وكانت هذه الأزمة الجديدة فرصة سانحة له للتأمل بعمقٍ في دور كل من الشريعة والايمان في تاريخ الخلاص. إن البشر جميعاً، منذ آدم (رومة 5: 12 - 21)، وثنيين كانوا أم يهوداً. هم خطأة أمام الله (1: 18 إلى 3: 20). ومع أن الشريعة ذاتها وضعت للحياة، فأنا لم تلد إلا الخطيئة والموت (7: 7 - 10، غلاطية 3: 10 - 14 و 19 - 22)0 الا أن مجيء المسيح (غلاطية 4: 4 - 5) وموته يضعان حدّاً لهذه الحالة بإظهار برّ الله (رومة 3: 21- 26، غلاطية 2: 19 21) الذي نناله بالإيمان (غلاطية 2: 16، رومة 3: 22، 5: 2). وإذن فإن دور الشريعة اليهودبة قد انتهى (غلاطية 3: 23- 4: 11). إنه نظام الوعد -وقد تم الآن في يسوع- هو الذي يعود مجدداً (غلاطية 3: 15- 18): فأسوة بإبراهيم، يبرّر المسيحيون بالإيمان " بدون الشريعة (رومة 4، غلاطية 3: 6-9، راجع تكوين 15: 6، 17: 11). وعلى كل حال، فطبقاً للأنبياء، كان على البار أن يحيا بالإيمان (حبقوق 2: 4= غلاطية 3: 11، رومة 1: 17)، وعلى بقية اسرائيل (رومة 11: 1- 6) أن تُخلَّص بإيمانها فقط بالصخرة التي أقامها الله (اشعيا 28: 16= رومة 9: 33، 10: 11)، مما كان يتيح لاسرائيل أن تنفتح على الأمم (رومه 10: 14- 21، بطرس 2: 4-10).

2. الأيمان والنعمة:

"إن الإنسان ينال البر بالإيمان دون الأعمال بحسب الشريعة" (رومة 3: 28، غلاطية 2: 16). وتأكيد بولس هذا يعلن عدم الجدوى من ممارسات الشريعة، في ظل عهد الإيمان، بل بعني بصورة أعمق أيضاً أن الخلاص ليس في حال من الأحوال، حقاً مكتسباً، وإنما هو نعمة من لدن الله، تُنال بفضل الإيمان (رومة 4: 4 - 8). إلا أن بولس بالتأكيد لا يجهل أن الإيمان يجب أن "يعمل" (غلاطية 5: 6، راجع يعقوب 2: 14- 26) في خضوع للروح الذي يناله المسيحي وقت العماد (غلاطية 5: 13- 26، رومة 6، 8: 1- 13). ولكن بولس يؤكد أيضاً بقوة أن المؤمن لا يستطيع أن "يتمجّد" (راجع عزة) "ببرِّه الخاص"، ولا أن يعتمد على أعماله، كما كان يصنع الفريسي شاول (فيلبي 3: 4- 9، 2 كورنتس 11: 16 إلى 12: 4). بل حتى لو لم يبكّته ضميره عن شيء أمام الله (1 كورنتس 4: 4)، فهو يعتمد على الله وحده، الذي "يُحدث فيه الإرادة والعمل" (فيلبي 2: 13). ولذا فهو يعمل لخلاصه "بخوف ورعدة" (فيلبى 2: 12)، ولكن أيضاً برجاءٍ فرِحٍ (رومة 5: 1- 11، 8: 14- 39): إن إيمانه يجعله على يقين "من محبة الله التي ظهرت في المسيح يسوع" (رومة 8: 38 - 39، أفسس 3: 19). وبفضل بولس أصبح الإيمان الفصحي، الذي عاشته الجماعة المسيحية الأولى، إيماناً واعياً لذاته. فتحرر من النجاسات والقيود التي كانت تلحق إيمان إسرائيل. هذا هو إيمان الكنيسة بأكمله.

رابعاً: الإيمان بالكلمة الذي صار بشراً

أخذ إيمان الكنيسة، مع القديس يوحنا، في بلوغ العهد الجديد، يتأمل في أصوله. فكأنه في سبيل مواجهة المستقبل مواجهة أفضل، يعود إلى ذاك الذي أضفى عليه كماله. فالإيمان الذي يتكلم عنه يوحنا هو عين الإيمان الذي تتكلم عنه الأناجيل الأخرى الإزائية، وهو يؤلف جماعة من التلاميذ حول يسوع (يوحنا 10: 26- 27، راجع 17: 8)، وعلى أثر توجيه يوحنا المعمدان (1: 34- 35، 5: 33- 34)، يكتشف الإيمان مجد يسوع في قانا (2: 11) "فيقبل كلامه" (12: 46- 47) و"يسمع صوته" (10: 26- 27، راجع تثنية 4: 30)؛ و يتثبت بفم بطرس في كفرناحوم (6: 68). وتمثل الآلام بالنسبة إلى الإيمان اختباراً (14: 1 و 28- 29، راجع 3: 14- 15) تكون القيامة موضوعه الحاسم (20: 8 و25- 29). على أن الانجيل الرابع، اكثر بكثير من الأناجيل الثلاثة الإزائية، هو إنجيل الإيمان. ففيه يتركز الإيمان، أول ما يتركز، بوضوح في يسوع وفي مجده الإلهي. ولذا ينبغي أن نؤمن بيسوع (4: 39، 6: 35)، وباسمه (1: 12، 2: 23). فالإيمان بالله والإيمان بيسوع أمر واحد (12: 44، 14: 1، راجع 8: 24= خروج 3: 14). لأن يسوع والآب واحد (10: 30، 17: 21)، وهذه الوحدة نفسها هي موضوع إيمان (14: 10- 11). فالإيمان يجب أن يبلغ إلى الحقيقة غير المرئية لمجد يسوع، دون ما حاجة إلى رؤية العلامات الكثيرة التي تُظهره (2: 11- 12، 4: 48، 20: 29). على أنه إذا كان الإيمان، في الواقع، يحتاج إلى رؤية (2: 23، 11: 45)، وإلى لمس (20: 27)، فهو مدعوّ أيضاً إلى أن يزدهر في معرفة (6: 69، 8: 8) غير المنظور وفي تأمله (1: 14، 11: 40). وفضلاً عن ذلك يركز يوحنا على الطابع الحاضر لنتائج الإيمان غير المنظورة. فبالنسبة إلى من يؤمن لن تكون ثمة دينونة (5: 24). فهو قائم من الموت منذ الآن (11: 25- 26، راجع 6: 40)، وهو يسلك طريقه في النور (12: 46)، ويتمتع بالحياة الأبدية (3: 16، 6: 47). وعلى العكس، من لا يؤمن فقد حكم عليه مقدماً (3: 18). على هذا النحو، يلبس الإيمان عظمة رهيبة في الاختيار العاجل بين الموت والحياة، بين النور والظلام، وهو أختيار من الصعوبة بمكان يقدر توقفه على السلوك الأخلاقي للشخص المعروض عليه الإيمان (3: 19- 21). وإلحاح يوحنا هذا على الإيمان، وعلى موضوعه الخاص، وعلى أهميته، يفسّره هدف إنجيله بالذات: الا وهو حمل قرّائه على أن يشاركوه إيمانه بأن "يسوع هو المسيح، ابن الله" (20: 31)، وعلى أن يصيروا أبناء الله بفضل الإيمان "بالكلمة" المتجسد (1: 9- 14). إن اختيار الإيمان يظل ممكناً خلال شهادة يوحنا الراهنة (1 يوحنا 1: 2- 3). هذا الإيمان هو إيمان الكنيسة التقليدي: إنه يعترف بيسوع ابناً أميناً للتعليم الذي تسلمه (1 يوحنا 2: 23- 27، 5: 1)، ويجب أن يزدهر في حياة تخلو من الخطيئة (3: 9- 10)، تنعشها المحبة الأخوية (4: 10- 12، 5: 1- 5). فأسوة ببولس (رومة 8: 31- 39، أفسس 3: 19)، يعتقد يوحنا بأن الإيمان يقود إلى الاعتراف بمحبة الله للبشر (1 يوحنا 4: 16) وازاء الصراعات الآتية، يحث كتابُ الرؤيا المؤمنين على "الصبر وعلى التزام أمانة القديسين" (رؤيا 13: 10) حتى الموت. وتقوم هذه الأمانة في أساسها دائماً على الإيمان الفصحي فمن يستطيع القول: "كنت ميتاً وهاءنذا حيّ أبد الدهور" (1: 18)، وتقوم أيضاً على الله الذي يثّبت ملكوته بحيث لا يمكن مقاومته (19: 11- 16، راجع أعمال 4: 24- 30). ويوم ينتهي دور الإيمان، "سنرى الله كما هو" (1 يوحنا 3: 2)، ومن ثم فالإيمان الفصحي هو الذي سيعلن أيضاً "هذا هو الانتصار الذي غلب العالم: إنه إيماننا" (5: 4).

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English