سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

إفخارستيا

 

الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية

   

 

أولاً: معنى الكلمة
1. شكر وبركة:
تعني كلمة "إفخارستيا" مبدئياً: عرفان الجميل والامتنان، وبالتالي إبداء الشكر. هذا المعنى، وهو الأكثر تداولاً في اللغة الإغريقية العادية، نجده أيضاً في النص اليوناني للكتاب المقدس، خاصة في مجال العلاقات الإنسانية. (حكمة 18: 2، 2 مكابيين 2: 27، 12: 31، أعمال 24: 3، رومة 16: 4). أما في العلاقة بالله، فإن الشكر (2 مكابيين 1: 11، 1 تسالونيكي 3: 9، 1 كورنتس 1: 14، كولسي 1: 12) يأخذ عادة شكل صلاة (حكمة 16: 28، 1 تسالونيكي 5: 17- 18، 2 كورنتس 1: 11، كولسي 1: 17، الخ)، كما في بداية رسائل بولس الرسول (مثل 1 تسالونيكي 1: 2). فهو يتصل هكذا، بطبيعة الحال، بالبركة التي تحتفل بعجائب الله، إذ تتبدى هذه العجائب للإنسان بمثابة هبات تزيّن حمد الشكران. وبذلك يكون الشكر مصحوباً "بتذكار"، تستحضر به الذاكرة الماضي (يهوديت 8: 25- 26، رؤيا 11: 17- 18)، ويكون الشكر eucharistein مرادفاً للتسبيح eulogein (1 كورنتس 14: 6- 18). وهذا التسبيح- الشكر نصادفه على الخصوص في المآدب اليهودية، حيث البركات تسبِّح الله وتشكره على الأطعمة التي منحها للبشر، وبهذا المعنى يتحدث بولس عن تناول الأكل "بشكر (رومة 14: 6، 1 كورنتس 10: 30، 1 تيموثاوس 4: 3- 4).
2. استخدام يسوع للكلمة واستخدامها في المسيحية:
في معجزة تكثير الخبز الأولى، ينطق يسوع "ببركة" على ما ورد في الأناجيل الإزائية، (متى 14: 19//)، و "بشكر" على ما ورد في يوحنا (6 : 11 و23). وفي معجزة التكثير الثانية، ما يذكره (متى15: 36) هو "شكر"، بينما يتحدث مرقس 8: 6- 7 عن "شكر" على الخبز، وعن "بركة" على السمك. هذا التعادل عملياً بين اللفظين يصرفنا عن التمييز، في العشاء الأخير، بين "البركة" على الخبز (متى 26: 26//، راجع لوقا 24: 30) و "الشكر" على الكأس (متى 26: 27//). ومن جهة أخرى يتحدث بولس بالعكس عن "الشكر" على الخبز (1 كورنتس 11: 24)، و "البركة" على الكأس (1 كورنتس 10: 16). وفي الواقع هي كلمة "إفخارستيا" التي سادت في الاستخدام المسيحي للدلالة على العمل الذي أسَّسه يسوع عشية موته. ولكن يلاحظ أن هذه الكلمة تعبّر عن حمد لعجائب الله بقدر ما تعبّر، بل أكثر، عن شكر على الخير الذي يحصل عليه البشر من العجائب. بهذا العمل الحاسم أضفى يسوع على أطعمةٍ (بسيطة) القيمة الأبدية القائمة على موته الفدائي، وبذلك أكمل يسوع وحدّد، لمدى الأجيال، تقدمة ذاته وجميع المخلوقات لله، وهو عمل يعدُّ قوام "الدين" ، وجوهر تدبيره الخلاصي: ففي تقديم يسوع نفسه على الصليب وفي الإفخارستيا، إنما تحقق الإنسانية كلّها، ومعها الكون الذي يحيط بها، عودتها إلى الآب. وهذا الغنى الذي تتضمنه الإفخارستيا، والذي يقوم عليه محور العبادة المسيحية، نجده في نصوص مكثّفة ينبغي تحليلها عن كثب.
ثانياً: التأسيس والممارسة الأولى

1. الروايات:
نصوص أربعة في العهد الجديد تورد تأسيس الإفخارستيا: متى 26: 26- 29، مرقس 14 : 22- 25، لوقا 22: 15- 20، 1 كورنتس 11: 23- 25، وإن ما "ينقله" بولس هكذا بعد أن "تسلمه" ، يبدو بالأحرى تقليداً ليتورجياً، وينبغي أن نفهم على هذا النحو أيضاً نصوص الأناجيل الإزائية، فهي تطغى بأسلوبها المقتضب على القرينة، فإنما هي انعكاسات ثمينة للأسلوب الذي به كانت الكنائس الأولى تحتفل بعشاء الرب. وتفسير ما نجد بين هذه النصوص من تشابه أو اختلاف، مرجعه أصلها هذا. فصياغة نص مرقس ذات الطابع الآرامي البارز، قد تنقل لنا التقليد الفلسطيني، بينما صياغة نصّ بولس- وهي ذات طابع أكثر هللينستيّة - قد تعكس لنا تقليد كنائس انطاكية أو آسية الصغرى، فيما صياغة نص متى يمثل لنا على الأرجح تقليد مرقس نفسه، مع بعض الاختلافات البسيطة أو الإضافات التي قد ترجع أيضاًً، إلى أصل ليتورجي. أما بالنسبة إلى لوقا، فإنه يثير مشاكل دقيقة، عرضت لها حلول متنوعة متضاربة : فآياته من 15- 18 قد تمثِّل تقيداً قديماً، مختلفاً عن الآخرين، أو على الأرجح، إسهاباً استمده لوقا نفسه من مرقس 14: 25. وفيما يتعلق بالآيتين 19- 20، اللتين ينبغي اعتبارهما أصليتين، بخلاف الشهود التي تهمل الآيتين 19 ب و.2، فإنهما تعتبران تارةً بمثابة توفيق بين نص مرقس ونص كورنتس الأولى، جاء به لوقا بنفسه، وتارةً كصورةٍ أخرى لتقليد الكنائس الهللينستيّة يقوم به شاهد ليتورجي ثالث ، إلى جانب شاهد مرقس/ متى، وشاهد كورنتس الأولى. على أن الاختلافات البسيطة بين هذه النصوص المتنوعة ضئيلة الأهمية، فيما عدا أمر يسوع بالتكرار الذي أغفل في مرقس/ متى، فهو يحملنا على اعتباره، منذ البداية، الشاهد القائم في كورنتس الأولى/ لوقا، مرجحاً بذلك الاحتمال الباطني على أنه عريق في القدم.
02 الإطار التاريخي:
وثمة مسألة أخرى يتعلق بها تفسير هذه النصوص، وهي إطارها التاريخي . فبالنسبة إلى الأناجيل الإزائية ، كان ذلك في عشاء فصحي (مرقس 14: 12- 16//). ولكن بحسب يوحنا 18: 28، 19: 4 1 و 31، لم يجر الاحتفال بالفصح إلا في اليوم التالي، أي في مساء الجمعة، وقد بُذلت كل المحاولات لتفسير هذا الاختلاف ، وذلك إما باعتبار يوحنا أنـه قد أخطـأ فأورد التأخير يوماً (في العشاء الفصحي) بقصد التوصل إلى هذه الرمزية بأن يسوع يموت ساعة ذبح حمل الفصح (يوحنا 19: 14 و 36)، وإما بالقول إنّ الفصح قد أقيم تلك السنة يومي الخميس والجمعة في جماعات مختلفة من اليهود، وإما أخيراً بافتراض أن يسوع قد أقام الفصح مساء الثلاثاء طبقاً لتقويم الأسّينيين. ولكن الأفضل أن نتصوّر بدون شك أن يسوع، وهو يعلم بأنه سيموت في وقت الفصح بالذات، قد بادر فأقامه في اليوم السابق له، مستحضراً في عشائه الأخير طقس الفصح بصورة يمكنه معها أن يدمج فيه طقسه الجديد، الذي سيصير طقس الفصح في العهد الجديد: وهذا الحل يحترم ترتيب يوحنا الزمني للأحداث، ويقيم اعتباراً كافياً لأسلوب العرض ني الأناجيل الإزائية .
3. المأدبة الدينية وعشاء الرب:
في الحقيقة يبدو من خلال نصوص تأسيس الإفخارستيا، أن هناك هدفاَ فصحياً أكثر منه مقصداً بإقامة مأدبة يهودية احتفالية، بل مأدبة إسّينية، على نحو ما زعم بعضهم لتفسير تلك النصوص. فإن تعاقب الخبز والخمر مباشرة في العشاء الأخير، كما كان يحدث في مآدب قمران، لا يدل على شيء من ذلك، ولا صلة له بشيء من ذلك؟ فقد يكون وارداً في النصوص الإنجيلية من باب الاختزال في الليتورجيا، احتفاظاً فقط بالعنصرين الهامّين في عشاء يسوع الأخير: الخبز في البداية، والكأس الثالثة في النهاية، مع حذف كل ما عساه قد وقع في الفترة الفاصلة بينهما. ومن جهة أخرى، فلدينا أثر كاشف لهذه الفترة الفاصلة، في عبارة "بعد العشاء" الواردة في 1 كورنتس 11: 25، قبل ذكر الكأس. وفضلاً عن ذلك، فمآدب قمران الإسينيّة يعوزها المضمون اللاهوتي الفصحي الذي تعبر عنه كلمات يسوع . وليس من سبند يبرر اعتبار هذا المضمون عنصراً جاء لاحقا بتأثير بولس أو الكنائس الهللينستيّة. أما ترتيب المأدبة الإسينيّة الدقيق، المشابه لترتيب العديد من مآدب الجماعات اليهودية في ذلك العصر، فقد يذكّر على أحسن تقدير، بما كانت عليه الوجبات العادية التي تناولها يسوع مع تلاميذه، وبما كانت عليه بعدها وجبات هؤلاء عقب القيامة، حينما كانوا يلتئمون حول القائم من الموت . أسوةً بالتئامهم فيما سبق حول المعلّم، واثقين على كل حال من وجوده في وسطهم دوماً، بوصفه الرب الذي قام من بين الأموات حياً إلى الأبد. وليس لنا في الواقع ما يشير إلى أن الإفخارستيا قد أقيمت باستمرار خلال تلك الوجبات اليومية التي كان يتناولها إخوة أورشليم الأوائل بفرح، مع كسر الخبز في بيوتهم ( أعمال 2: 42, 46). فإن "كسر الخبز" هذا قد لا يكون إلا مأدبة عادية ، دينية على الأرجح أسوة بكل مأدبة من المآدب السامية، مع تركيزها حول ذكرى المعلم القائم من بين الأموات وحول انتظاره على أن تضاف إليها الإفخارستيا بالمعنى الدقيق عندما كانوا يستعيدون كلمات السيد وأفعاله، طلباً للاشتراك في حضوره السرّي في صورة الخبز والخمر، مما تتحول معه المأدبة العادية إلى "عشاء الرب" (1 كورنتس 11: 2- 34). أما وقد تحررت الإفخارستيا من الترتيب الطقسي اليهودي، فقد أصبحت تقام بالتأكيد أكثر من مرة في السنة، بل فيما يبدو أسبوعياً (أعمال 20: 7 و 11)0 إلا أن علمنا بذلك علم قاصر، كما أننا في العديد من النصوص، لا نستطيع أن نجزم هل كان الأمر يتعلق "بكسر خبز" عاديّ، أو بالإفخارستيا بمعناها الدقيق (أعمال 27: 35 ومن ذلك الحين لوقا 24: 30 و35).
ثالثاً: الإفخارستيا، سرّ للتغذية

1. تناول الوجبة كتعبير ديني:
إن الإفخارستيا، وقد تأسست أثناء تناول وجبة عشاء هي رتبة للغذاء. ومنذ أقدم الأزمنة، وعلى الخصوص لدى الشعوب السامية، اعترف الإنسان بقيمة مقدسة للطعام، ترجع إلى سخاء الألوهة وعلامة توفير الحياة. فالخبز والماء والخمر والفواكه الخ، هي خيرات من أجلها يبارك الإنسان الله. ولوجبة الغذاء ذاتها قيمة دينية، لأن تناول الطعام في صورة جماعية، يقيم فيما بين المدعوين، وبينهم وبين الله ، روابط مقدسة.
2. من الرموز إلى الحقيقة:
وهكذا يستخدم الغذاء والوجبة، في وحي الكتاب المقدس ، للتعبير عن عمل الله في إيصال الحياة إلى شعبه. فالمنّ والسلاوَى، في الخروجْ، أسوة أيضاً بالماء المتفجر من صخرة حوريب (مزمور 78 :2- 29)، هذه كلها حقائق رمزية (1 كورنتس 10: 3- 4) تشير مقدّماً إلى الهبةْ الحقيقية التي تنطلق من فم الله (تثنية 8: 3، متى 4: 4)، أي الكلمةْ الخبز الحقيقي النازل من السماء (خروج 4:16) . وفي الواقع، إن هذه الرموز تكمُل في يسوع، فهو "خبز الحياة "، أولاً بكلمته التي تفتتح الحياة الأبدية لمن يؤمنون (يو 6: 26- 51 أ ) ، ثم بجسدهْ ودمه ْ اللذين أُعطيا طعاماً وشراباً للمؤمنين (يوحنا 6: 51 ب - 58): فهذه الكلمات التي تعلن مقدماً عن الإفخارستيا ، قالها يسوع بعد أن أطعم الجموع بمعجزته في الصحراء (يوحنا 6: 1- 15). فإن الهبة التي يعد بها، والتي يقدمها بدلاً من المن ( يوحنا 6: 31- 32 و 49- 50)، تتصل هكذا بمعجزات الخروج، وفي الوقت نفسه ترتفع إلى مستوى مأدبة المسيّا الموعود بها، صورة السعادة السمائية المألوفة في اليهودية (إشعيا 25: 6، والكتابات الحاخامية)، وفي العهد الجديد (متى 8: 11، 22: 2- 14، لوقا 14: 15، رؤيا 3: 20، 19: 9).
3. مأدبة الرب- تذكار ووعد:
ويقوم العشاء الأخير بمثابة الاستعداد النهائي لوليمة المسيّا الموعود بها حيث يلتقي يسوع بخاصته مجدّداً بعد محنته الوشيكة الوقوع . إن "إتمام تناول الفصح" (لوقا 22: 15- 16) و"الخمرة الجديدة" (مرقس 14: 25// ) اللذين سوف يذوقهما معهم في ملكوت الله، يهيّيء هو لهما في هذا العشاء الأخير، إذ يجعل الخبز والخمر معبرين عن حقيقة جسده ودمه الجديدة. ويوفر له طقسُ عشاء الفصح الفرصة الملائمة والمنشودة لتحقيق ذلك. فالكلمات التي كان رب الأسرة ينطق بها على الأطعمة المتنوعة، وعلى الأخص على الخبز والكأس الثالثة، كانت تضفي عليهما قوة لذكرى الماضي وللرجاء في المستقبل، لدرجة أن المشتركين في الوليمة، إذ يتناولون هذه الأطعمة، كانوا يحيون حقاً بصورة جديدة المحن التي تخللت الخروج ، ويعيشون مقدماً الوعود الخاصة بالمسيَّا. ويستخدم يسوع بدوره هذه القدرة الخلاقة التي تعترف بها روح الساميّة وتقرّها للكلمة، بل هو يدعمها أيضاً بسلطانه الأعظم. وهو إذ يعطي الخبز والخمر معناهما الجديد، لا يضفي عليهما تفسيراً، وإنما يقوم بتحويلهما. إنه لا يؤول تأويلاً، ولكنه يقرر، ويقطع، ويأمر: " هذا هو جسدي " ، أي يصير ما يقول فوراً منذ الآن . إن اللفظ الدال على الوحدة "هذا هو"، وقد كان على الأرجح ناقصاً في الأصل الآرامي، لا يكفي هو وحده أساساً لإثبات واقعية حدوث التحويل، بل انه قد لا يُفيد إلا المعنى المجازي: كما في تلك العبارة " الحصاد هو انقضاء الدهر والحصادون هم الملائكة " (متى 3: 39) ( فعلاً، ليس الحصاد انقضاء الدهر بالرغم من لفظ "هو" ). إنما الموقف هو الذي يحتم الأخذ بهذا المعنى القوي. فلا يعرض يسوع هنا مثلاً من الأمثلة من شأنه جعل الأشياء المحسوسة نساعد على تفهم حقيقة مجردة. وإنما هو يرأس وليمة تضفي فيها عبارات البركات الخاصة، على الأطعمة، قيمةً على مستوى آخر تماماً. وفي هذه. الحالة الخاصة، تكون لهذه القيمة أبعاد وواقعية خارقة، مصدرها تلك الحقيقة القائمة الموجبة: موت للفداء يؤدي بفضل القيامة إلى الحياة الأخرى.
رابعاً: إلافخارستيا، سر الذبيحة

1. إعلان الموت الخلاصي:
إنه الموت للفداء، لأن الجسد " يبذل من أجلكم " ( في لوقا،1 كورنتس: "من أجلكم فقط " ، مع بعض اختلافات بسيطة غير أكيدة) ، والدم "يراق من أجلكم "( لوقا ) أو " من أجل جماعة كثيرة " (مرقس/ متى). وإنَّ كون الخبز والخمر منفصلين على المائدة، لمشهد يتحضر بذاته الفصل العنيف للجسد عن الدم. فيعلن يسوع بوضوح موته الوشيك، ويقدمه كذبيحةْ ، على شبه ذبيحة الأضاحي التي ختم دمُها، في سيناء، العهدَْ الأولَ (خروج 24: 5- 8)، أو بالأحرى ذبيحة حملْ الفصح، بقدر ما كانت اليهودية في ذلك الوقت تعتبره هو أيضا كذبيحة (راجع كورنتس 5: 7) . ولكن لا بد وأن يسوع وهو يتحدث عن الدم " المراق من أجل جماعة كثيرة " ، من أجل "عهد جديد "، يذكر أيضاً عبد الله الذي " أريقت " حياته، وحمل آثام "جماعة كثيرة " (اشعيا 53: 12)، والذي عيَّنه الله " كعهد للشعب ونور للأمم " (اشعيا 42: 6، راجع 49: 8). ولقد سبق فخصَّ يسوع ذاته بمهمة العبد ( لوقا 4: 17- 21) ، وأكّد أنه يقوم برسالة التضحية بحياته، مثل العبد ، " ليفدي جماعة كثيرة " (مرقس 10: 45//، راجع إشعيا 53). وفي هذا يعني يسوع أن موته الوشيك سيحلّ محلّ ذبائح العهد القديم، وسيخلّص البشر لي من أسر زمني ، ولكن من عبودية الخطيئة ، كما سبق الله فطلب ذلك من العبد. إنه على وشك أن يؤسس ذلك " العهد الجديد" الذي سبق أن بشّر به إرميا (ارميا 31: 31-34).


2 المشاركة في الذبيحة

ولكن الشيء الجديد تماماً والذي لم يبق له مثيل، هو أن يسوع يذّخر ثراءَ هذه الذبيحة في أطعمة. لقد جرت العادة في إسرائيل ، كما لدي جميع الشعوب القديمة ، على الحصول على ثمار الذبيحة من خلال الأكل من الذبيحة، هكذا كان يقوم الاتحاد بالتقدمة، وبالله الذي يقبلها (1 كورنتس 10: 18- 21). فبأكل جسد يسوع الضحية، وبشرب دمه، سوف يشترك المؤمنون في ذبيحته، فيجعلون تقدمة حبه هو تقدمتهم، وينتفعون من العودة في النعمة التي تحققها التقدمة. ومن أجل أن يتمكّنوا من أن يفعلوا ذلك في أي مكان أو زمان، قد اختار يسوع أطعمةً عادية جداً ليصنع منها جسده ودمه مبذولين ذبيحة، وأمر تلاميذه أن ينطقوا في إثره، العبارات التي، بسلطانه (وبحلول الروح القدس) ستحدث هذا التحول. وبهذا يمنحهم مشاركة بالتفويض في كهنوته. ومنذئذ، ففي كل مرة يعيد المسيحيون إتمام هذا الفعل، أو يشتركون فيه ، " يخبرون بموت الرب إلى أن يأتي " (1 كورنتس 11: 26)، لأن الحضور سرياً الذي يحققونه، هو حضور المسيح في حالته كضحية. إنهم يصنعون ذلك " ذكراً له " (1 كورنتس 11: 25، لوقا 22: 19)، بمعنى أنهم بالإيمان يتذكرون عمله الخلاصي، أو لعلهم بالأحرى يستعيدونه ليتذكره الرب (راجع لاويين 24: 7، عدد 10: 9- 10 ، سيراخ 50: 16، أعمال 10: 4 و31) ، كتقدمة متجددة باستمرار تستدعي نعمته. إنها " تذكار" ينطوي على استحضارٍ مطبوع على الانبهار والعرفان لعجائب الله، وأعظم هذه العجائب هي تضحية ابنه المبذولة لاستعادة الخلاص للبشر. إنها أعجوبة محبة يشترك هؤلاء فيها باتحادهم بالشركةْ في جسد الرب، وبه يتحدون مع جميع أعضائه (1 كورنتس 10: 14- 22) . إن الإفخارستيا سرّ ذبيحة المسيح، سرّ المحبة، سر الوحدةْ في جسد المسيحْ .
خامساً: الإفخارستيا، سر آخر الأزمنة

1. دوام ذبيحة المسيح في العالم الجديد:
إن ما يعطي لرمزية هذه الحركات وهذه الكلمات كل واقعيتها، هو حقيقة العالم الجديد، الذي هي بمثابة المقدّمة له. فموت المسيح يؤدي إلى الحياةْ الحقيقية التي لا تنتهي (رومة 6: 9- 10)، هذا هو عصر "الخيرات المستقبلية" في آخر الأزمنة، ولي العصر الحاضر سوى "ظل" له (عبرانيين 10: 1، راجع 8: 5، كولسي 2: 17). لقد تمت ذبيحته "مرة واحدة" (عبرانيين 7: 27، 9: 12 و 26-28، 10، 1 بطرس 3: 18) ، وقد حلّ دمه نهائياً محلّ دم ذبائح العهد القديم الذي لا يجدي (عبرانيين 9: 12 -14 و 18-26، 10: 1- 10). فالعهد الجديد الذي يسوع وسيطه (عبرانيين 12: 24 راجع 13: 20)، قد أزال القديم (عبرانيين 8: 13)، وهو يوفر الميراثْ الأبدي (عبرانيين 9: 15). والآن يجلس رئيس كهنتنا عن يمين الله (عبرانيين 8: 1، 10: 12) "حيث كسب لنا فداءْ أبدياً" (عبرانيين 9: 12 راجع 5: 9)، وهو "حيّ باق ليشفع لنا" (عبرانيين 7: 25، راجع 9: 24)، "له كهنوت لا يزول" (عبرانيين 7: 24). وإن ذبيحته، وإن كانت قد تمت في الماضي من حيث تحققها في ملابسات زمان عالمنا الزائل، إلا أنها حاضرة دوماً في العالم الجديد حيث دخل المسيح بذبيحة ذاته التي لا يكف عن تقديمها لأبيه .
2. بالإفخارستيا يشترك المسيحي اشتراكاً حقيقياً في هذا العالم الجديد:
وفي الحقيقة، فإن الإفخارستيا توثق الصلة بين رئيس الكهنة هذا، الحي إلى الأبد بحالته كضحية، وبين المؤمن. ويكون العبورُ الجاري فيها من الخبز إلى الجسد، ومن الخمر إلى الدم ، كسرّ من أسرار الكنيسة، تجديداً للعبور من العالم القديم إلى العالمْ الجديد الذي اجتازه المسيح، إذ مضى بالموت نحو الحياة. ولقد كانت رتبة طقس الفصح نفسه، أسوة بالخروج الذي يحتفل ذلك الطقس بتذكاره، طقس عبور: من عبودية مصر إلى حرية أرض الميعاد، ثم من بعد ذلك، أكثر فأكثر، من عبودية الألم والخطيئة، والموت، إلى حرية السعادة، والبر، والحياة. ولكنّ خيرات المسيَّا الموعود بها ظلت في هذا الطقس موضوعاً للرجاءْ، وما كانت الأطعمة التي كانوا يباركونها، بقادرة على جعلهم يذوقونْ تلك الخيرات إلا بشكل رمزي. أما في فصح المسيح، فقد تغيّر ذلك، لأن عصر المسيَّا الموعود به قد أقبل فعلاً بقيامته، وفيه تم اقتناء الخيرات الموعود بها. والكلمات والحركات التي لم تكن تستطيع قبلاً إلا أن ترمز إلى الخيرات المقبلة، يمكنها منذ الآن فصاعداً أن تحقق خيرات حالية . وإذن فالجسد والدم القربانيان ليسا التذكار الرمزي لحدث وقع وانتهى فحسب، وإنما هما الحقيقة كاملة لعالم آخر الأزمنة، حيث يحيا المسيح. وتزوِّد الإفخارستيا المؤمن، الذي ما زال مستغرقاً في العالم القديم، بالاتصال الحسي مع المسيح، في كل واقعية كيان المسيح الجديد، القائم من بين الأموات ، "الروحيّ" (راجع يوحنا 6: 63) ، وذلك أسوة بما يجري في ترتيب الأسرار في مجموعها، التي تعدّ الإفخارستيا بمثابة المركز بالنسبة لها. فالأطعمة التي تقوم عليها الإفخارستيا تتغيّر في كيانها، فتصبح "طعام الملائكة " الحقيقي (مزمور 78: 25، راجع حكمة 16: 20)، وغذاء الزمن الجديد. فبوجودها على المذبح، يكون المسيح المائت ثم القائم من الموت ، حاضراً حضوراً حقيقياً، وهو في حالة استعداده الأبدي كذبيحة. ومن أجل ذلك فإن القداس ذَبيحة، مطابقة لذبيحة الصليب التاريخية، بواسطة تقدمة محبة المسيح الكاملة التي تنشئ ذبيحة القداس، مع الاختلاف فقط من حيث الظروف العارضة في الزمان والمكان التي تتجدد فيها الذبيحة. وبواسطة القداس توحّد الكنيسةْ، في كل مكان وحتى نهاية العالم، تسابيحَ البشر وتقدماتِهم، مع ذبيحة التسبيح والتقدمة الكاملة، أي "ذبيحة الإفخارستيا" ، التي هي وحدها ذات قيمة أمام الله ، ووحدها تضفي القيمة على تلك التسابيح والتقدمات (راجع عبرانيين 13 : 10 و 15) .

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English