سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

 

شخصيات الكتاب المقدس

يهوذا الإسخريوطي

المصدر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس

 

   

 

قيل في الخيانة التي تعرض لها الرب يسوع: أي شيء يمكن أن تقدّمه أكثر فائدة للعالم كلّه مثل بركات آلام الرب يسوع المخلِّصة؟!.. ومع هذا فإن الخائن الذي سلَّم الرب للآلام، لم ينتفع شيئًا من خيانته، بل أصابه ضرر بالفعل، إذ قيل عنه "ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الإنسان، كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت 24:26 ; مر21:14 ; لو22:22)... فثِمار عمله لا ترتد إليه حسب ما جاءت به من نتائج فعليّة، بل حسب ما أراد هو واِعتقد.  كان ذلك الخائن "يهوذا الأسخريوطي" وهو أحد تلاميذ السيد المسيح الأثني عشر، والذي كانت أول إشارة كتابية وردت عنه عند اختياره تلميذًا، هي "يهوذا الاسخريوطي الذي خانه" (مت 4:10;  مر19:3;  لو 16:6). وهو على الارجح وكما يدل عليه لقبه من قرية "قريوت" والده هو "سمعان" الذي كان يلقّب أيضاً بالاسخريوطي (يو71:6; 13: 2 و 26) وهو الذي أسلم المسيح، وقد تم انتخاب متياس الرسول بديلًا له لاحقًا (أع 26:17).

 ربما كان من السهل علينا أن ننسى حقيقة أن يسوع هو الذي اختار يهوذا تلميذاً له. كما أنه من السهل أن ننسى أيضا أن بعض التلاميذ قد تركوا يسوع. فقد اساء يهوذا وسائر التلاميذ على السواء، فهم رسالة يسوع. لقد توقعوا جميعاً أن يقوم يسوع بحركة سياسية. ولما ظل يتحدّث عن الموت، شعروا كلهم، بدرجات متفاوتة، بالغضب والخوف والأحباط، ولم يستطيعوا أن يدركوا لماذا اختارهم يسوع ما دامت رسالته مصيرها الفشل.

وقد يسأل سائل: لماذا اراد يهوذا أن يسلّم الرب يسوع؟!.. والحقيقة نحن لا نعرف الدافع الحقيقي وراء خيانة يهوذا ليسوع، ولكن الواضح هو أن يهوذا سمح لمطامعه أن تضعه في موقف يستطيع فيه الشيطان أن يتلاعب به. فكما نوّهنا سابقا، فقد كان يهوذا، كسائر التلاميذ، ينتظر أن يشرع المسيح في ثورة سياسية، يخلع بها عنهم نير روما. ولاشك في أن يهوذا توقع كباقي التلاميذ، أن يُعطى مركزاً هاماً في حكومة المسيح الجديدة "عندئذ تقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، وقالا له: يامعلم، نرغب في أن تفعل لنا كل ما نطلب منك. فسألهما: ماذا ترغبان في أن أفعل لكما؟ قالا له: هبنا أن نجلس في مجدك: واحد عن يمينك، وواحد عن يسارك" (مر37,35:10)، ولكن عندما امتدح الرب يسوع مريم لسكبها الطيب الذي كان يساوي أجر سنة، لعلّه أدرك أن مملكة المسيح ليست أرضية أو سياسية، بل روحية، فوجد أن جشعه للمال والمركز لا يمكن أن يتحقق باتباعه للرب يسوع، لذلك أسلمه طمعاً في المال واسترضاء للقادة الدينيين.  

ويكشف لنا الرسول يوحنا في انجيله بعض الامور التي تساعدنا على معرفة شيء عن يهوذا في الفترة التي تقع بين دعوته والأحداث السابقة لتسليمه للمسيح، فقد ذكر بعض الإشارات التي تفصح عن شخصيته الشريرة منذ البداية. وبتتبع هذه الإشارات نستطيع أن نرى التطور التدريجي وزيادة الوضوح في العبارات التي أنبأ بها يسوع عن خيانة يهوذا في المستقبل. فبعد الحديث عن "خبز الحياة" في مجمع كفر ناحوم (يو59,48:6)، رجع كثيرون من التلاميذ عن يسوع "من ذلك الوقت هجره كثيرون من أتباعه، ولم يعودوا يتبعونه" (عدد 66). ثم أكَّد بطرس ولاء التلاميذ له "نحن آمنا وعرفنا أنك قدوس الله" (عدد69).  فقال يسوع: أليس أنا اخترتكم أنتم الاثني عشر، ومع ذلك فواحد منكم شيطان (عدد70). ويعلق يوحنا قائلًا  "أشار بهذا إلى يهوذا بن سمعان،  لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه وهو واحد من الأثني عشر" (عدد 71)، مبينًا أن يسوع عرف مسبقًا أن يهوذا كان واحدًا من الذين رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه.

ولكن الموقف مهما كان مزعجًا لخطط  يهوذا الجشعة، التي يحتمل أنها هي التي دفعته للتلمذة ليسوع، لم يكن قد وصل إلى الدرجة الحرجة الكافية لأن تدفعه إلى الرجوع الفوري عن يسوع. وقد هدأ خوفه من اكتشاف أمره، أن يسوع لم يذكره بالاسم، واستمر متظاهرًا بأنه واحد من الأمناء، كما كان للدوافع الشخصية لطبيعته الأنانية أثر قوي في بقائه. ومع أنه كان أمينًا  للصندوق، إلا أنه تجاهل تحذيرات الرب يسوع من الطمع "بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء، حيث لا يفسدها سوس ولا ينقب عنها لصوص ولا يسرقون" (مت 6: 20)، ومن الرياء "وفي تلك الأثناء، إذ احتشد عشرات الألوف من الشعب حتى داس بعضهم بعضا، أخذ يقول لتلاميذه أولا: احذروا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الريا ء. فما من مستور لن يكشف، ولا من سر لن يعرف. لذلك كل ما قلتموه في الظلام سوف يسمع في النور، وما تحدثتم به همسا في الغرف الداخلية سوف يذاع على سطوح البيوت" (لو 12: 1, 3). واستغل الأموال لحسابه ولتغطية جشعه، وتظاهر بالغيرة على الصندوق، فعندما دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب تساءل: "لماذا لم يُبَع هذا العطر بثلاث مئة دينار توزع على الفقراء؟. ولم يقل هذا لأنه كان يعطف على الفقراء، بل لأنه كان لصا، فقد كان أمينا للصندوق وكان يختلس مما يودع فيه." (يو 12: 6,5 ).

استطاع يهوذا بدهائه أن يخفي "لبعض الوقت" طبيعته الحقيقية عن بقية التلاميذ، وأن يقضي على أي استياء يمكن أن يحدث بينهم (مر 14: 4)، إلا أنه شعر هنا أنه لا يمكن أن يضمن استمرار مصدر دخله. أما كلمات سيده التي تضمنت حديثه عن يوم تكفينه فقد كشفت لمُسلّمه أن يسوع قد عرف جيدًا القوى الشريرة التي كانت تعمل ضده "فإنها إذ سكبت العطر على جسمي، فقد فعلت ذلك إعدادا لدفني" (مت 26: 12، مر 14: 8، يو 12: 7).

 وواضح مما جاء في متى ومرقس، أن يهوذا ذهب على الفور "اي بعد حادثة قارورة الطيب" وتآمر مع رؤساء الكهنة "عندئذ ذهب واحد من الاثني عشر، وهو المدعو يهوذا الإسخريوطي، إلى رؤساء الكهنة، وقال: كم تعطونني لأسلمه إليكم؟ فوزنوا له ثلاثين قطعة من الفضة. ومن ذلك الوقت، أخذ يهوذا يتحين الفرصة لتسليمه" (مت 26: 15,14; مر 14: 11,10 ; انظر أيضًا لو 22: 6,3)، ولكنه اختفى إلى حين، فقد كان حاضرًا بعد ذلك عند غسل أرجل التلاميذ حيث ميزَّ يسوع مرة أخرى بينه وبين بقية الاثنى عشر دون التصريح باسمه: "أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم"، "والذي يأكل معي الخبز رفع علَّي عقبه" (يو 13: 10 و18). ويبدو أن يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا كل فرصة للتوبة والاعتراف حتى في تلك الساعة المتأخرة. وللمرة الأخيرة عندما جلسوا للأكل، تقدم إليه يسوع بهذه الكلمات: "إن واحدًا منكم سيسلمني" (مت 26: 21، مر 14: 18، لو 22: 21، يو 13: 21). وأخيرًا وردًا على تساؤلات التلاميذ الحائرة: "هل أنا؟" أشار يسوع إلى مسلمه، لا بذكر اسمه ، ولكن بالقول: "هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه" (يو 13: 26). وحالما أخذ اللقمة، غادر يهوذا المكان، لقد حانت الفرصة التي كان ينتظرها (يو 13: 30، مت 26: 16). وحالما خرج يهوذا ذهب إلى رؤساء الكهنة وأتباعهم، وتقاضى ثمن تسليم يسوع لليهود عندما جاء إلى يسوع في البستان، حيث أرشد الحرس اليه وسلّم سيده بقبلة "وفيما هو يتكلم، إذا بيهوذا، أحد الاثني عشر، قد وصل ومعه جمع عظيم يحملون السيوف والعصي، وقد أرسلهم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. وكان مُسلّمه قد أعطاهم علامة قائلا: الذي أقبله فهو هو؛ فاقبضوا عليه. فتقدم في الحال إلى يسوع وقال: سلام ياسيدي! وقبّله. فقال له يسوع: ياصاحبي، لماذا أنت هنا؟ فتقدم الجمع وألقوا القبض على يسوع" (مت50,47:26; مر44,43:14; لو47:22; يو5,2:18).

ومن المثير للانتباه ان الانجيليين عندما اشاروا الى قيام يهوذا بتسليم الرب يسوع لليهود، عرّفوه بانه أحد الاثني عشر، بل أن الرب يسوع نفسه عندما سُئل من التلاميذ عن الشخص الذي سيسلمه، أجابهم قائلاً: انه واحد من الاثني عشر (مر20:14)، وذلك أمر غاية في الأهمّية، إذ يوضّح خطيّة الخيانة بأكثر جلاء. فإن الذي كرَّمه مساويًا إيّاه بالبقيَّة، وزيّنه بالكرامات الرسوليّة، وجعله المحبوب وضمّه للمائدة  المقدّسة... صار طريقًا ووسيلة لقتل المسيح. كان لابد للسيِّد المسيح وقد احتل آخر الصفوف - ليحمل آلامنا ويشرب عنّا الكأس حتى النهاية - أن يتقبّل الألم على يديّ أحد تلاميذه، وخلال قُبلة ليكون الجرح غاية في المرارة. لقد رآه النبي مجروحًا فسأله: "ما هذه الجروح في يديك؟ فيجيب السيِّد في مرارة: "هي التي جُرحتُ بها في بيت أحبائي" (زك 13: 6). وتزداد الجراحات مرارة أنها جاءت مغلَّفة بغلاف الحب الغاش، والكلمات الليِّنة التي تحمل وراءها سُم الشرّ. فقد أعطى لهؤلاء القتلة علامة، قائلًا: "الذي أُقَبّله هو". متناسياً تمامًا مجد المسيح، وظن أنه سيبقى متسترًا عندما يُقدم القبلة التي هي علامة الحب، بينما يحمل في قلبه خداعًا مرًا وشريرًا. فإنه حين كان في صحبة المسيح مخلصنا مع بقية الرسل في رحلاته، غالبًا ما سمعه يسبق فيخبرهم بالأمور المقبلة بكونه الله العالم بكل شيء، وقد سبق فأخبره عن عمل خيانته، إذ قال للتلاميذ: "الحق أقول لكم إن واحدًا منكم يسلمني". كيف إذن تبقى نيته مخفية؟ لا، بل كان الشرير الذي استغل طمعه وضعفه تجاه المال، يصارع الله في داخله، وجعل منه مسكناً له، حتى ان يوحنا الانجيلي كتب يقول " ثم غمس يسوع اللقمة وأعطاها ليهوذا. وبعد اللقمة، دخله الشيطان. فقال له يسوع: أسرع في ما نويت أن تعمله" (27:13).

هكذا أعمى الطمع قلب يهوذا التلميذ ليبيع معلمه وسيّده، وقد حُدد الثمن بثلاثين من الفضة كما سبق فأنبأ عاموس النبي "لأنهم باعوا الصديق لقاء الفضة" (2: 6) كثمنٍ لبيع البار، وهو ثمن بخس يُدفع كدية عبدٍ إذا نطحه ثور وقتله "وإذا نطح الثور عبدا أو أمة، فإن صاحبه يدفع ثلاثين قطعة فضة تعويضا لمولاه" (خر 21: 32).. باع التلميذ سيده وهو الذي كان معه أغلب الأيام يقضي الساعات الطويلة، بل وأحيانًا الأيام، يراه يصنع أعمالًا عجيبة ويسمعه كثيرًا، بل ونال منه سلطانًا للكرازة وعمل الآيات، لكن قلبه لم يلتقي معه بسبب محبّة المال... من أجل الدراهم التي بلا ثمن كّف عن أن يكون مع المسيح وفقد رجاؤه في الله وكرامته والأكاليل والحياة والمجد المعد لتابعي المسيح الحقيقيين وحقه أن يملك معه.

بعد ذلك بفترة حاول يهوذا الرجوع عن الشر الذي ارتكبه، باعادة الثمن للكهنة، فرغم انه بعد أن أسلم يسوع، لم يُذكر عنه شيئا في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا، أما ما جاء في إنجيل متى وسفر الأعمال عن ندامته وموته، ففيه اختلاف في بعض التفاصيل، فيذكر متى أن الحكم على يسوع كان سببًا في إيقاظ إحساسه بالذنب، وفي يأسه المتزايد بسبب طرد رؤساء الكهنة والشيوخ له، " فلما رأى يهوذا مسلمه أن الحكم عليه قد صدر، ندم وردّ الثلاثين قطعة من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، وقال: قد أخطأت إذ سلمتكم دما بريئا. فأجابوه: ليس هذا شأننا نحن، بل هو شأنك أنت! فألقى قطع الفضة في الهيكل وانصرف، ثم ذهب وشنق نفسه. (مت5,3:27) واشترى رؤساء الكهنة بالفضة حقل الفخاري الذي سمي فيما بعد "حقل الدم". وبهذا تحققت نبوة زكريا (11: 12-14). أما ما جاء في سفر الأعمال (20,16:1) فأقصر كثيرا، فلا يذكر شيئًا عن ندامة يهوذا ولا عن رؤساء الكهنة، ولكنه يذكر فقط أن يهوذا اقتنى حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها (عدد 18) ويجد كاتب سفر الأعمال في هذا تحقيقًا للنبوة التي جاءت في مزمور 69: 25. 

وحتى لو كان يهوذا قد ندم ورجع عن الشر الذي ارتكبه، لكن الوقت كان قد فات. كانت عجلات خطة الله قد بدأت تتحرك. ويالها من مأساة أن ينهي يهوذا حياته يائساً دون أن يختبر عطية المصالحة التي كان يمكن أن يقدمها الله له هو أيضا في يسوع المسيح!. لأن يهوذا لم يكن يحمل عداوة ضد المسيح (مز 13:55)، بل وحتى بعد تسليمه للمخلص مدح المعلم قائلًا أنه أخطأ إذ سلم دمًا بريئًا، معترفًا بذلك أمام رؤساء الكهنة والشيوخ، بجانب إلقائه بالمال على الأرض دون الاستمتاع به. كل هذه اللمسات الجميلة تكشف أنه كان يمكنه أن يقدم توبة مقتربًا نحو المخلص، لكنه للأسف فتح قلبه للشيطان للمرة الثانية لينتحر فاقدًا الرجاء في الله مخلص البشرية.

وقد كانت المشاعر البشرية من نحو يهوذا الإسخريوطي مختلطة، فلقد كرهه البعض بشدة لخيانته، وأشفق عليه البعض الآخر لعدم إدراكه شناعة ما فعل، إلاّ بعد فوات الأوان. وتساءل آخرون عن مدى عدالة الله في سماحه أن يتحمّل إنسان واحد كل هذا الجرم الفظيع. وبينما تتفاوت المشاعر كثيرا من جهة يهوذا، فهناك بعض الحقائق التي ذكرنا قسماً منها والتي يتحتم علينا ملاحظتها وادراكها جيدا وهي:

- اختيار يهوذا بمحض إرادته أن يسلم ابن الله الى أيدي الجنود الرومان "قال له يسوع: يايهوذا، أبقبلة  تسلم ابن الإنسان؟" (لو48:22).

- كان لصاً "ولم يقل هذا لأنه كان يعطف على الفقراء، بل لأنه كان لصا" (يو6:12).

- كان يسوع يعلم أن حياة يهوذا الشريرة لن تتغير"فقال يسوع: أليس أنا اخترتكم أنتم الاثني عشر، ومع ذلك فواحد منكم شيطان" (يو70:6).

- كان تسليم يهوذا ليسوع جزءاً من خطة الله، ويذكر الكتاب الشواهد التالية: "حتى صديقي الملازم لي الذي وثقت به، الآكل من طعامي قد انقلب علي، ورفع علي عقبه (مز9:41).. "ثم قلت لهم: إن طاب لكم فأعطوني أجرتي، وإلا فاحتفظوا بها. فوزنوا أجرتي ثلاثين شاقلا من الفضة فقال الرب لي: أعط هذا الثمن الكريم الذي ثمنوني به إلى الفخاري. فأخذت الثلاثين قطعة من الفضة وألقيتها في بيت الرب إلى الفخاري" (زك13,12:11 ).. "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، حيث يسلم ابن الإنسان إلى رؤساء الكهنة، والكتبة، فيحكمون عليه بالموت" (مت18:20) "وعند المساء اتكأ مع الاثني عشر. وبينما كانوا يأكلون، قال: الحق أقول لكم: إن واحدا منكم سيسلمني. فاستولى عليهم الحزن الشديد، وأخذ كل منهم يسأله: هل أنا يارب؟ فأجاب: الذي يغمس يده معي في الصحفة هو الذي يسلمني. إن ابن الإنسان لابد أن يمضي كما قد كتب عنه، ولكن الويل لذلك الرجل الذي على يده يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد! فسأله يهوذا مُسلّمه: هل أنا هو يامعلم؟ أجابه: أنت قلت" (مت 25,20:26).. "أيها الإخوة، كان لابد من أن تتم النبوءة التي قالها الروح القدس بلسان النبي داود، عن يهوذا الذي انقلب دليلا للذين قبضوا على يسوع. وكان يهوذا يعتبر واحدا منا، وقد شاركنا في خدمتنا. ثم إنه اشترى حقلا بالمال الذي تقاضاه ثمنا للخيانة، وفيه وقع على وجهه، فانشق من وسطه واندلقت أمعاؤه كلها. وعلم أهل أورشليم جميعا بهذه الحادثة، فأطلقوا على حقله اسم "حقل دمخ" بلغتهم، أي حقل الدم. فتمت النبوءة الواردة في كتاب المزامير: لتصر داره خرابا، ولا يسكنها ساكن. وأيضا: ليستلم وظيفته آخر" (أع20,16:1).

لقد أرتكب يهوذا بتسليمه يسوع أكبر خطا في التاريخ، ولكن حقيقة أن يسوع كان يعلم أن يهوذا سيسّلمه، ليس معناه أن يهوذا كان العوبة في يد الله، فيهوذا نفسه هو الذي اراد ذلك، وكان الله يعلم ما سيختاره، وسمح به. وكما نوّهنا سابقاً فان يهوذا لم يفقد علاقته بالرب يسوع لأنه لم يبدأها على الاطلاق، وقد دُعي "ابن الهلاك" (يو12:17). رغم ان الرب يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا كل فرصة للتوبة والاعتراف، بتحذيره أكثر من مرة من الطمع ومحبة المال، وتنبيهه بانه عالم بما سيفعله من خلال كشفه مسبقا لكل ما سيحدث له، فإنه حتى في لحظات القبض عليه عاتبه بكلمات لطيفة: "يا صاحب لماذا جئتَ؟!" و "يايهوذا، أبقبلة  تسلم ابن الإنسان؟". فلم يبخل عنه بطول أناته عليه، كانت الفرصة متاحة له كما لبقية التلاميذ، الذين لم يتمكن منهم الشيطان رغم محاولاته، لأن قلوبهم كانت راسخة ومحبّتهم للمسيح ثابتة، لكنه وجد له موضعًا في الخائن، من أجل مرض الطمع المرّ الذي يقول عنه الرسول بولس "أصل كل الشرور، وإذ سعى بعضهم إليه، ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي 6: 10) ذلك المرض الذي كان قد هزمه.

ويؤدي يهودا خدمة لنا، لو جَعَلَنا نفكر مرّة أُخرى في التزامنا لله ووجود روحه القدوس في داخلنا، فهل نحن تلاميذ وأتباع حقيقيون، أم مجرد ادعياء كاذبين، نستطيع أن نختار اليأس والموت، أو أن نختار التوبة والغفران والحياة الأبدية. ها هي الفرصة أمامنا، فهل نقبل عطيته المجانية ؟ أو نُسلّمه كما سَلّمه يهوذا؟.

 

منجزاته ونواحي القوة في شخصيته:

- لقد اختاره يسوع واحداً من الاثني عشر تلميذاً، وهو الوحيد الذي لم يكن من الجليل.

- كان يحتفظ بصندوق مصاريف الجماعة.

- لقد إستطاع أن يدرك مدى الشر في تسليم يسوع.

 

ضعفاته واخطاؤه:

- كان طماعاً (يو6:12).

- اسلم يسوع.

- انتحر بدلا من أن يطلب المغفرة.

 

دروس من حياته:

- إن الخطط والدوافع الشريرة تجعلنا معرضين لاستخدام الشيطان لنا في شرورو أشد: كشفت لنا شخصية يهوذا، ان العدو قد تمكن منه لتجاوبه معه في حب المال، فبث فيه السرقة (يو 12: 6)، ثم دفعه للخيانة، فصار أداته التي يستخدمها كيفما شاء، إذ سلّم يهوذا نفسه بنفسه له. وقد حذرنا الرب يسوع مرارا وتكرارا من محبة المال، ومن ضمن ما قاله "انه لايمكن أن نخدم إلاّ سيداً واحداً، ولايمكن ان نكون عبيدا لله والمال معاً". ولأن يهودا أحب المال أكثر فلم يستطع أن يكون أمينا لسيده.. ونحن نعيش في مجتمع تسوده المادية، حيث يعبد الكثيرون المال، فيصرفون كل حياتهم في جمعه واكتنازه، ليموتوا ويتركوه وراءهم. فشهوتهم للمال وما يمكن أن يشتريه، تفوق بكثير التزامهم لله وللامور الروحية، لاعتقادهم بأن المال يجلب السعادة رغم كل الدلائل الدامغة التي ثبت العكس. فالذين يسعون وراء مزيد من الثروة، يمكن أن يدوروا في حلقة مفرغة، لا تنتهي الا بالخراب والدمار. فاحذر الوقوع في شرك الماديات، باستخدام بعض المباديء التي قدمها لنا الرسول بولس وهي: ثق انه يوما ما ستضيع كل الثروة.. اقنع بما عندك.. تنبه الى ما أنت على استعداد أن تفعله للحصول على المزيد من المال.. لتكن محبتك للناس أعظم من محبتك للمال.. ليكن عمل الله أحب اليك من المال.. اقتسم مالك مع الآخرين بسخاء.

- إن عواقب الشر مدمّرة للغاية، حتى إن كذبة تافهة أو أخطاء صغيرة يمكن أن تكون نتائجها خطيرة: كيف أمكن لانسان عاش مع الرب يسوع بأن يخونه؟. لقد تلقى يهوذا نفس الدعوة كالآخرين وسمع نفس التعاليم، لكنه اختار أن يرفض تحذير المسيح، كما رفض رحمته. وقد قسّى يهوذا قلبه لينضم الى أعداء يسوع المتآمرين عليه لخيانته. وكانت عواقب هذا الشر الكبير الذي  ارتكبه مع القادة الدينيين وخيمة ومدمرة فعلا، فبعد أن غير يهوذا رأيه، واراد أن يُسقط اتهامه، لم يوافق القادة الدينيين على ايقاف المحاكمة، في حين انه كان من واجبهم أن يعلّموا الشعب عن الله، وأن يكونوا وسطاء بينهم وبينه، يقدمون عنهم الذبائح للتكفير عن خطاياهم، وبدلا من مساعدة يهوذا للحصول على الغفران بعد أن اعترف بانه أخطأ، قالو له "هذا شأنك أنت" فهم لم يرفضوا المسيح فحسب، بل تخلوا أيضاً عن واجبهم ككهنة، بل انهم  حتى لم يشعروا باي ذنب في إعطاء يهوذا مالاً لتسليم إنسان بريء، ولكن عندما أعاد يهوذا لهم المال لم يستطيعوا قبوله إذ كان من الخطأ أخذ ثمن دم، لقد دفعتهم عداوتهم للرب يسوع الى فقدان كل احساس بالعدالة. وهكذا لم يكن ممكنًا ليهوذا أن يترك الفضّة معه، فكما أن من يترك شيئًا من أجل السيِّد المسيح يرد له مئة ضعف في هذا العالم مع حياة أبديّة في الدهر الآتي (مت 19: 29)، فأن من يبيع السيِّد بثمن يخسر مئة ضعف في هذا العالم ويفقد حياته إلى الأبد. كان يهوذا في طمعه يظن أنه يقتني ربحًا بالثلاثين من الفضّة، وإذا به يقتني همًّا وغمًا، فما كان منه الان ان يذهب ليردّ الفضّة في ندامة بلا توبة، ومرارة بلا رجاء، حتى لم يطِق حياته فمضى وشنق نفسه لكي يضع نهاية لكل تلك الشرور بشر وخطيئة أكبر، بدلا من طلب الغفران.. ومهما كان دافع يهوذا، فانه غيّر فكره، ولكن بعد فوات الاوان، وكثير من الخطط التي بدأنا في تنفيذها، لايمكن تغييرها، فمن الافضل أن نفكر في النتائج المحتملة قبل الشروع في عمل قد نندم عليه فيما بعد.

- إن خطة الله ومقاصده لابد أن تتم حتى في اسوأ الحوادث: إن دور الشيطان في خيانة يسوع لايزيح عن كتف يهوذا أية مسؤولية، فسواء كان الامر قد اختلط على يهوذا، واصيب بخيبة أمل لأن الرب يسوع كان يتحدث دائماً عن الموت وليس عن إقامة مملكته، أو ربما لأن يهوذا بسبب أنه لم يفهم إرسالية الرب يسوع، لم يعد يؤمن بأنه المختار من الله، فمهما كان فكر يهوذا فإن الشيطان افترض أن موت يسوع سينهي إرساليته ويشتت خطة الله ويفسدها. ولكن الشيطان، مثل يهوذا، لم يكن يعرف أن موت الرب يسوع هو أهم جزء في خطة الله على الإطلاق.. ومع ذلك، وبالرغم من أن "خطة الله الحكيمة" كانت تقديم الخلاص لجميع الناس، ولانها لم تكن معلومة عند البشر، فقد تبدو رسالة موت المسيح من أجل الخطايا جهالة في نظر غير المؤمنين، فالموت يبدو انه نهاية الطريق ومنتهى الضعف، ولكنها أصبحت على أشد ما تكون وضوحاً عندما قام الرب يسوع من الأموات، فقيامته أثبتت أن له سلطان على الخطية والموت، وهو سيخلصنا من الموت الأبدي ويمنحنا حياة أبدية متى آمنا به مخلصاً ورباً. لذلك فلا عذر لغير المؤمنين الذين مازالت خطة الله خافية عنهم، سواء لأنهم يابون قبولها أو يفضلون تجاهلها، أو لأنهم لم يسمعوا بها.

 

بيانات أساسية:

مكان إقامته: الأرجح أنه كان من قرية قريوت.

وظيفته: تلميذ ليسوع.

أقرباؤه: أبوه سمعان.

المعاصرون له: يسوع، بيلاطس، هيرودس، التلاميذ الأحد عشر الآخرون.

 

الاية الرئيسية

"ودخل الشيطان في يهوذا الملقب بالإسخريوطي، وهو في عداد الاثني عشر. فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد حرس الهيكل كيف يسلمه إليهم" (لو4,3:22).

ونجد قصة يهوذا في الأناجيل ، كما يرد ذكره في أعمال الرسل (19,18:1).

 
 

Copyright  www.karozota.com

 
  
 

English