سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

 

العظات التعليمية لثيودورس أسقف المصيصة - العظة الثالثة

 

 

وبربّ واحد يسوع المسيح *

 

 

نقلها إلى العربي الخوري بولس الفغالي

 

 

   

 

1 يبدو لي أنكم تعلمتم ما فيه الكفاية ما قيل لكم: ما يجب أن يفكر فيه ويقوله عن الله الآب أولئك الذين يهتمون بمخافة الله (1). وهكذا نصل أيضًا إلى تفحص ما قاله آباؤنا الطوباويون عن الابن في قانون الإيمان عينه. "وبربّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، وبكر كلّ الخلائق". فيجب بعد التعليم عن الآب أن يعلمونا حالا عن الابن بحسب ما علم ربنا، محافظين على الترتيب والتسلسل في كلامهم. فهم ما قالوا عن الآب فقط "أب" حسب تعليم ربنا، بل زادوا: "واحد هو الله الآب خالق كل شيء".

 

وحدة الله والثالوث

جعلوا أولا اسم الله في اعتراف الإيمان، فقالوا إنه واحد، ليُبطلوا ضلال الآلهة المتعددة. ثم قالوا إنه "آب وخالق كل شيء". هكذا صنعوا أيضًا بالنسبة إلى الابن. "وبرب واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، وكل كل الخلائق". فتواضعوا بجلاء مع كرازة الطوباوي بولس الذي قدّم تعليمه ضد الصور والأصناك ليردّ على ضلال الشرك، فقال: لا إله إلا الواحد" (1 كور 8: 4).

 

2 وإذ عرف بولس أن بيننا من يعلم الاعتراف بالآب والابن والروح القدس، اهتم أن يعرّفنا بوضوح أن عبارة الاعتراف بالأقانيم (الثلاثة) لا تضر ديانتنا ولا تجرنا إلى ضلال الشرك. بما أننا نعرف أن الطبيعة الإلهية في الآب والابن والروح القدس هي واحدة، فقد أراد أن يعلمنا هذا الإيمان بإيجاز فقال: "أما بالنسبة إلينا، فواحد هو الله الآب الذي منه كل شيء" (1 كور 8: 6). وإذ قال إن الله الآب واحد، أبطل كل ضلال الشرك، وعلمنا أن نكرز طبيعة إلهية واحدة. ولكن حين زاد شخص الآب كشف لنا الابن أيضًا. فقال بعد هذا: "واحد هو الرب يسوع المسيح الذي به كل شيء". فعرّفنا مرة واحدة بالآب والابن والروح القدس، وضم هكذا في عبارته تجسد ربنا الذي تم من أجل خلاصنا. بالتجسد صارت الطبيعة الإلهية مخلصًا لنا.

إذا حين قال: "واحد هو الرب الذي به كل شيء"، عرّفنا بالله الكلمة الذي هو ابن حقيقي من ذات طبيعة الآب (2). دعاه "الرب"، ليفهمنا أنه من الطبيعة الإلهية التي لله الآب. فالآب لا يقال: "إلهًا واحدًا" وكأن الابن ليس إلها. ولا يقال الابن "ربًا واحدًا"، وكأن الآب ليس ربًا بنفسه. فمن المعروف والواضح أن من هو إله حقيقي هو أيضًا رب حقيقي. وما هو رب حقيقي هو أيضًا إله حقيقي. ومن ليس إلهًا حقيقيًا ليس أيضًا ربًا حقيقيًا. (قيل): "الرب إلهك هو رب واحد" (تث 6: 4)، لأنه وحده موجود في الحقيقة. فمن هو الاثنان حقًا هو وحده من يقال له الرب الحقيقي والإله الحقيقي. وليس آخر سواه خارج هذه الطبيعة يقدر أن يُدعى الرب والإله الحقيقي.

 

3 فالذي يقول: "إله واحد" يعني أيضًا أن الرب واحد. ومن يقول إن الرب واحد، يعترف أيضًا أن الله واحد. لهذا قال بولس أعلاه إن "الله واحد"، وبعد هذا إن "الرب واحد"، ليميّز الأقنومين. وإذ أكد أن كل أقنوم هو واحد أفهمنا أن الأقنومين هما أقنوما طبيعة إلهية واحدة، وأن هذه الطبيعة هي الرب والإله الحقيقي.

 

يسوع المسيح الإله والإنسان

4 ثم قالوا ليضمّوا إلى خطتهم الطبيعة البشرية التي أخذت لخلاصنا: "رب واحد يسوع المسيح". فيسوع هو اسم الإنسان الذي لبسه الله حسب كلمة الملاك: "تلدين ابنا ويدعى باسم يسوع" (لو 1: 31). ولكنهم زادوا أيضًا "المسيح" ليعرّفوا بالروح القدس: "يسوع الناصري الذي مسحه الله بالروح القدس والقوة" (اع 10: 38). هو إله بسبب الاتحاد الوثيق مع هذه الطبيعة الإلهية التي هي بالحقيقة الله. وبهذه الطريقة عينها، حين اجتمع آباؤنا الطوباويون (3) في مجمع (4) الكنيسة الكاثوليكية (5) ذاك، اقتدوا ببولس، وتكلموا أولا عن الطبيعة الإلهية، ثم ضمّوا عبارة تدل على الشكل البشري الذي أخذه: "وبرب واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، بكر كل الخلائق" (6). هكذا أرادوا أن يعلموا البشر ويعرّفوهم طبيعة الابن الإلهية. واعترفوا في الوقت نفسه أيضًا بالناسوت، الذي عُرفت فيه الطبيعة الإلهية وأعلنت، وهذا ما يقول الطوباوي بولس: "شوهد الله في الجسد" (7) (1 تم 3: 16). وقال يوحنا الإنجيلي (1: 14): "والكلمة صار جسدًا (8) وسكن بيننا ورأينا مجده كمجد الابن الوحيد الذي من الآب مملوء نعمة وحقًا". إذا فكر آباؤنا وبحق أنه يجب عليهم أن لا يهملوا التعليم عن ناسوت ربنا الذي يشارك الطبية الإلهية مشاركة لا تدرك.

 

5 "وبرب واحد يسوع المسيح". يقولون: نعترف برب واحد في الطبيعة الإلهية، الذي يليق به حقًا اسم الرب والله. وحين عرّفونا (9) بالله الكلمة، قالوا: "الذي صُنع به كل شيء". كما يقول الإنجيلي: "به صُنع كل شيء، وبدونه لم يُصنع شيء" (يو1: 3). قالوا (9): نفهم أن هذا هو الرب الواخد الذي من الطبيعة الإلهية لله الآب، الذي من أجل خلاصنا لبس إنسانًا وسكن فيه وتجلى بواسطته، وعُرف لدى كل البشر (10). فعن هذا الإنسان قال الملاك إنه يُدعى يسوع. ومُسح بالروح القدس فكمل به وبرر بحسب شهادة الطوباوي بولس.

 

6 وبعد أن قال آباؤنا هذا، وبيّنوا الطبيعة الإلهية، ثم الطبيعة البشرية التي لبسها الله، زادوا هذا: "إبن الله الوحيد، بكر كل الخلائق" (11). بكلمتين (12) علّمونا الطبيعتين. ميّزوا الأسماء فعلّمونا تمييز الطبائع.

 

تعليم الآباء هو تعليم الكتب

فالذين قالوا هذين القولين عن شخص الابن الوحيد، علّمونا الاتحاد الوثيق بين الطبيعتين. ولم يستعملوا هذه الكلمات من نفسهم بل من تعليم الكتب المقدسة (13). فقد قال الطوباوي بولس: "فمنهم (أي من اليهود) خرج المسيح بالجسد وهو إله فوق الجميع" (روم 9: 5). هذا لا يعني أن الذي خرج من بيت داود حسب الجسد، هو بالطبيعة الله. بل قال "حسب الجسد" ليشير إلى الطبيعة البشرية المأخوذة. وقال "الله فوق الجميع" ليعلّمنا أن الطبيعة الإلهية التي هي من الرب هي أسمى من كل شيء.

 

وحيد وبكر

7 ولكن هاتين الكلمتين قيلتا معًا عن الشخص الواحد. وهكذا يتبين الاتحاد الوثيق بين الطبيعتين، وتُعرف العظمة والكرامة اللتين نالهما الإنسان الذي لبس الله. وبهذا الشكل أيضًا قالوا: (9) "إبن وحيد، بكر كل الخلائق". بما أنهم أزمعوا أن يُعلّمونا كيف تُوجد الطبيعتان، كيف هي الطبيعة الإلهية التي تنازلت، وكيف هي الطبيعة البشرية التي أخذت، قالوا أولا (14) هذين الاسمين في جملة واحدة، فدلّوا بهما على الطبيعتين.

من الواضح أنهم لا يسمّون طبيعة واحدة "الوحيد وبكر كل الخلائق"، لأننا لا نستطيع أن نقول هذين القولين عن طبيعة واحدة. فهناك اختلاف كبير بين أن يكون الابن الواحد والوحيد، وأن يكون البكر. ولا يمكن أن يكون الشخص ذاته وحيدًا وبكرًا. فالبكر يقال عمَّن له إخوة عديدون، والوحيد عمَّن ليس له إخوة. فهناك اختلاف بين الابن الوحيد والبكر، كالاختلاف بين الطبيعة التي هي واحدة وبين تلك التي يشارك فيها كثيرون. فسمّي "الوحيد" من لا إخوة له إطلاقًا، والبكر من له إخوة آخرون، وهذا واضح.

 

في حضن الآب

8 وهذا ما يعلمنا الكتاب المقدس حين يتكلم عن الابن الوحيد. يقول: "رأينا مجده كمجد ابن وحيد خارج من الآب مملوء نعمة وحقًا" (يو 1: 14). ويقول أيضًا: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" (يو 3: 18). وهكذا يُعرف الوحيد باتحاده مع أبيه. قال: "رأينا مجده كمجد ابن وحيد خارج من الله"، فدل على أنه وحده موجود بالولادة من طبيعة الآب، وأنه وحده الابن. وعلمنا أيضًا بكلمة "حضن" الاتحاد الأزلي الذي لا انفصال فيه. فإذا فهمنا ذلك عن حضن جسدي لله كان فهمنا إهانة لله. ولكن كما أن الكتاب يدعو النظر عينًا، والسماع إذنًا، هكذا يسمّي "الحضن" اتحادًا لا ينفصل إلى الأبد. فهو كهذه العبارة: "إدفع لجيراننا سبعة أضعاف في حضنهم" (مز 79: 12). يعني: لينالوا عقابًا دائمًا وأبدًا. هذا هو معنى ما قيل: "الابن الوحيد". هو وحده بولادة من الآب، وهو وحده ابن، وهو موجود دومًا مع أبيه ومعروف معه، لأنه الابن الحقيقي الخارج من أبيه.

 

بكر كل الخلائق

9 أما عبارة "بكر كل الخلائق" فنفهمها حسب هذه الكلمة: "الذين عرفهم سابقًا اختارهم، ووسمهم على شبه صورة ابنه، ليكون البكر بين إخوة كثيرين" (روم 8: 29). واستعمل لفظة "بكر"، لا ليعلمنا أنه وحده اب، بل ليفهمنا أنه له إخوة كثيرين. فنحن نعرف أنهم كثيرون أولئك الذين يشاركونه في سرّ التبني (15)، وبسببهم دُعي بكرًا لأنه هؤلاء إخوته.

وقيل أيضًا في مكان آخر: "بكل كل الخلائق" (كو1: 15). قيل هذا عن تجسد المسيح. لم يقل بولس فقط "بكرًا" بل "بكر كل الخلائق". ونحن لا نقول عن واحد "بكرًا" إن لم يكن له إخوة آخرون سُميّ بسببهم بكرًا وكان كذلك. وقيل أيضًا "بكر كل الخلائق"، لأنه كان أول من تجدد بالقيامة من بين الأموات، وتحوّل إلى حياة جديدة وعجيبة (16)، كما جدد أيضًا كل الخلائق وجاء بها واتقنها إتقانا ساميًا.

وقيل: "كل ما هو في المسيح هو خليقة جديدة. زالت الأشياء القديمة وتجدد كل شيء في ربنا يسوع المسيح" (2كور5: 17). إذًا هو "بكر كل الخلائق"، لأن كل الخليقة تجددت وتحولت في هذا التجدد الذي أعطاها إياه في النعمة. وذلك بالتجدد الذي ناله هو حين انتقل إلى حياة جديدة ورُفع فوق كل الخلائق. لهذا يُدعى بحق "بكر كل الخلائق"، لأنه كان أول من تجدد ثم جدد الخلائق، وظل هو أرفع كرامة منها كلها.

 

وحدة الطبيعتين

10 وهكذا نفهم الاختلاف بين الاسمين (16). هذا الاختلاف فهمه آباؤنا كما عن شخص (17) واحد. فبعد أن علمتهم الكتب المقدسة، قالوا: "إبن واحد وحيد، بكر كل الخلائق" ليعرفونا، كما قلت، إلى الاتحاد الوثيق بين الطبيعتين. إذًا قالوا أولا وبحق "الوحيد" ثم "البكر". فقد وجب عليهم أولا أن يعرفونا عن هذا الشيء الذي هو في صورة الله (فل 2: 6) والذي أخذ برحمته طبيعتنا. ثم كلمونا عن صورة العبد الذي أخذها من أجل خلاصنا.

هكذا عرفونا بالطبيعتين واختلافهما انطلاقا من هذين الاسمين، كما أفهمونا أن الابن وحيد بسبب الاتحاد الوثيق بين الطبيعتين الذي تم بإرادة الله. حفظوا الترتيب اللائق، وعلمونا أولا عن الطبيعة الإلهية التي تنازلت بالرحمة إلينا ولبست إنسانًا. ثم علمونا عن الطبيعة البشرية التي أخذت بالنعمة. وأخيرًا، أعطونا تعليمًا ثابتًا نخزي به الهراطقة الذين يحاولون أن يعارضوا الحق. واستعاد (الآباء) تعليمهم فحدثونا عن الطبيعة الإلهية التي قالوا عنها في بداية قانون الإيمان: "وُلدت من الآب قبل كل الدهور، وما صُنعت".

 

بنوّة حقيقية وبنوّة بالاستعارة

11 من الواضح أنهم قالوا هذا عن الطبيعة الإلهية، وإن كان يكفي لأناس لا يجادلون اسم "الوحيد" لكي يعطيهم معرفة حقيقية عن الابن. فإن كان هو الوحيد، فمن الأكيد أنه وحده خرج من الأب بالولادة، وأنه وحده الابن ومن طبيعة أبيه عينها. هذا كل ما يدل عليه اسم الابن الوحيد، لا سيما وأن كثيرين يُدعون أبناء الله، بينما هو وحده الابن الوحيد كما كتب: "قلت إنكم آلهة، وكلكم أبناء العليّ" (مز 82: 6). وقال أيضًا: "غذوت بنين وربّيتهم" (اش1: 2). وبما أن الذين يسمون أبناء، هم عديدون، فهذا ما كان دُعي ابنًا (وحيدًا)، لو لم يكن مختلفًا كل الاختلاف عنهم. هؤلاء يُدعون أبناء بالنعمة، لأنهم صاروا أقارب وألفاء، وبسببهم ألفتهم معه، استحقوا بالنعمة أن يُدعوا بهذا الاسم.

أما هو فقد دُعي الابن الوحيد، لأنه وحده الابن الذي من طبيعة أبيه. لم يستحق سر البنوة بالنعمة مثل الآخرين لم يعط اسم الابن لهذا السبب. بل هو وُلد من الطبيعة عينها، ودُعي ابنًا، وهو كذلك. ومع أن هذا معروف وواضح في الكتاب المقدس، وجليّ لكل إنسان، أن لا أحد يستطيع أن يُدعي الابن الوحيد إلا ذلك الذي هو وحده الابن ومن طبيعة الله، إلا أن لا شيء يقوّم الرأي الشرير والمعاند عند الهراطقة (18).

 

أريوس ومجمع نيقية

12 فبين الذين قبلوا معرفة المسيح، كان أريوس أول من تجرأ وكفر، فقال أن الابن هو صنعة الله ومصنوع من شيء ما. إن هذه نظرية جديدة وغريبة عن طريقة التفكير العام (19) وعن شرائع الطبيعة. فما هو مصنوع ليس ابنًا، ومن هو ابن ليس خليقة، لأنه لا يمكن للصنعة أن تُدعى ابنًا حقيقيًا، ولا للابن الحقيقي أن يُدعي صنعة. من أجل هذا، أجبر آباؤنا الطوباويون واجتمعوا من كل مكان ونظموا مجمعًا مقدسًا في مدينة نيقية في منطقة بيتينية. وكتبوا قانون الإيمان هذا، ليحفظوا التعليم الحقيقي، ويشجبوا كفر أريوس، ويردّوا على الذين يقومون من بعده باسم مظللهم أونوميوس، ويُبطلوا الهرطقات التي قامت على آراء فاسدة.

 

13 وكان هذا معروفًا وجليًا لكل إنسان. ومع أن شرائع الطبيعة والتوافق العام وتعليم الكتب المقدسة قد علمت كل إنسان التعليم الواضح، فمع ذلك أضاف الآباء: "وُلد وما صُنع" (20). وأدخلوا كلمات تليق بالاعتراف بالابن، فقالوا: نقول الابن، لا بالمعنى الدنيويّ للفظة، ولا بالمعنى الاستعاري على مثال الذين نالوا بالنعمة اسم الابن بسبب ألفتهم مع الله، ولكن بمعنى الابن الحقيقي الذي هو وحده ابن. هو ابن حقيقي لأنه الوحيد، ولأنه وُلد من الآب وخرج منه.

وُلد حقًا من طبيعته، ووُجد منذ الأزل شبيهًا به. فلا كائن مخلوقًا وُجد قبل الدهور. أما هذا الذي وُجد وحده من الأزل، فهو سابق للدهور. وكما أن الآب موجود منذ الأزل، هكذا الابن الخارج منه موجود منذ الأزل. وهو لم يصر ما صار إليه بعد وقت من الزمن، ولم يُولد في توالي السنين. بل وُلد من الأزل وقبل كل الدهور من الذي هو من الأزل، وهو معه من الأزل، كما يقول الأنجيلي: "في البدء كانت الكلمة" (يو1:1). هو من الأزل، وما صار بعد وقت من الزمن، بل كان في البدء وقبل كل شيء.

فالذي صار (أو: ولد) بعد وقت من الزمن هو اللاحق وليس الأول. والذي ليس الأول ليس "في البدء". ولكن إذا كان "في البدء" فهو الأول أيضًا، لأن لا شيء سابق للبدء. وإن كان الأول فليس هو اللاحق. وإن لم يكن اللاحق فهذا لا يعني أنه وُلد بعد ذلك الوقت. إذا، "في البدء كان"، ولكنه كان في البدء خارجًا من الله، أي إنه كان مع الله منذ الأزل وقبل كل الدهور.

 

14 ودلّ (الإنجيلي) على أنه كان مع الله، لا كغريب ومن الخارج، بل على أنه من طبيعة جوهره ذاته، فدعاه "الكلمة" لأنه الكلمة خاصة بالإنسان وهي من الإنسان. وعلّم أيضًا بمثل: يمكن أن يخرج إنسان من آخر (21). وهكذا لم يشك السامعون أن الابن وُجد من الأزل، وأنه خرج أزليًا من ذلك الموجود من الأزل. فقول النفس الذي يدرك في ذاته كماله، يوجد طبيعيًا فيها (22) وهي موجودة فيه (23). فبالقول تكون النفس عاقلة، والقول ينبثق من النفس ويظهر منها وفيها، ويُوجد دومًا معها، ويُعرف فيها.

هكذا خرج الابن من الآب كما يخرج القول من النفس. خرج منه من الأزل. وهو منه وفيه وهو معروف معه منذ الأزل. إذًا "في البدء كان"، أي كان من الأزل، كان منذ القديم، كان قبل كل شيء. ليس كما لو أنه صار بعد وقت من الزمن. بل كان منذ البدء، وكان في كل وقت، وكان منه منذ الأزل. وكان معه منذ الأزل على مثال القول في النفس. فهو دائمًا موجود معها وخارج منها.

فالقول يبدو مختلفًا عن النفس التي هو "أقنومها" لأن لا أقنوم له في ذاته بل في النفس التي يرى ذاته فيها. ولكن مخافة أن نتخيل بحسب هذا المثل أن الابن لا أقنوم له خاصًا، وأنه غريب عن طبيعة الله، زاد الإنجيلي حالا: "وكان الكلمة الله" (يو1:1). فبعد أن قال إنه "كان"، وإنه "كان قرب الله"، قال أخيرًا: "وكان الكلمة الله" ليفهمنا بوضوح أنه ليس من طبيعة مختلفة عن طبيعة الآب، ولا بغريب عن جوهره، بل هو أيضًا ذلك الذي منه خرج، وهو إله لدى الذي هو الله.

 

15 أدهشنا الإنجيلي فقال لنا إن "الكلمة كان الله"، فبين لنا أيضًا أنه هو ما الله هو. كما أكد لنا بحق آباؤنا الطوباويون، قالوا: "وُلد قبل كل الدهور" فعرفونا أنه منه منذ الأزل وقبل كل الدهور، وأنه من البدء معه. ولكن عظتهم لم تتوقف هنا. أرادوا أن يعلموا كمال الحقيقة، وينبهوا المؤمنين، ويردّوا ضلال الهراطقة، فزادوا أيضًا هذا: "ما صُنع". ولكننا نحتاج إلى كلمات كثيرة إذا أردنا أن نشرح شرحًا كاملاً ما أراد آباؤنا الطوباويون أن يقولوه عن ألوهية الابن الوحيد. ولكننا نخاف أن نثقل عليكم بكثرة كلامنا. لهذا سنعرضه شيئًا فشيئًا كما يجب لتتمكنوا أن تسمعوه وتعرفوه. إذًا نضع هنا حدًا لكلامنا، إذا أردتم، ونحفظ ليوم آخر بقية ما يجب قوله. وعلى كل هذا نصعد المجد لله الآب والابن والروح القدس الآن ودائمًا وإلى دهر الداهرين، آمين.

 

                                                                                                   تمت العظة الثالثة

 

-----------------------------------------------

* العظة الثالثة حول الإيمان، وهي الثالثة بين العظات العشر حول قانون الإيمان.

(1) هذا هو المعنى الحرفي للعبارة السريانية. وهي تعني أيضًا أمور الديانة والتعليم المسيحي.

(2) أو مساوٍ لطبيعة الآب، لجوهر الآب.

(3) أو: الأفاضل.

(4) سينودس في السريانية كما في اليونانية: الطريق معًا. يشير النص هنا إلى مجمع نيقية المسكوني الذي عُقد سنة 325، فأعلن أن الابن مساوٍ للآب في الجوهر.

(5) في السريانية "قتوليقا". راجع اليونانية كاثوليكي أي الشامل، الجامع.

(6) فل (2: 7)، كو (1: 15).

(7) نجد في السريانية: "بسرا" الذي يقابل "بشر".

(8) نجد "جوشما" أي الجسم والجسد، لا "بسرا" أي البشر.

(9) آباء مجمع نيقية.

(10) ذاك هو لاهوت أنطاكية حول التجسد الذي يصور سر المسيح "كسكن" الكلمة (لوغوس) في إنسان أخذه اللوغوس.

(11) أضيفت عبارة "بكر كل الخلائق" على قانون إيمان نيقية. نحن نجهل متى جُعلت هذه الإضافة هنا.

(12) أي: الوحيد والبكر.

(13) إستند آباء مجمع نيقية إلى الكتاب المقدس، فلم يقوموا بعمل تجديد، بل ظلوا في خط التقليد.

(14) أي في بداية التعليم عن الابن.

(15) راجع: روم (8: 23)، غل (4:4)، أف (5: 1).

(16) هذا ما تم في بشرية يسوع وما يتم في بشريتنا.

(17) أو: أقنوم واحد.

(18) الهراطقة المذكورون هنا يتبعون بولس الشميشاطيّ. وهم يؤكدون أن الله تبنى يسوع كـ "ابنه" بعد قيامته، وذلك بسبب كمال حياته.

(19) في الكنيسة.

(20) كما تُصنع المخلوقات.

(21) هو الله الآب.

(22) أي: في النفس.

(23) القول. اللوغوس أو الكلمة.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English