سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

 

شرح المزمور الثامن

 

ثيودورس - أسقف المصيصة ومفسر الكتب الإلهية

 

   

 

إن الطوباوي داود الذي امتلأ من روح النبوة يتكلم في هذا المزمور مسبقاً عن تجسد الرب. قال عن المسيح أشياء تحققت فيما بعد فردَّ على اليهود جدالهم الوقح. "من أفواه الأطفال والرضع هيأت لك مديحًا". من الأكيد أن هذه الكلمة هي جزء مما سيتحقق في الرب (مت 21: 15-16). وهكذا شهدت الوقائع للنبوءة وللرب المتنبأ عنه.

يبدو للبعض، وهذا رأي معقول، أن الطوباوي داود ألف هذا المزمور بمناسبة عيد المظال. وكانت العادة أن يحملوا ثمارًا يقدمونها عشورًا. لهذا نقرأ في العنوان: "للمعاصر" هل الأمر صحيح؟ هل الأمر خطأ؟ يبدو أنه ليس من الضروري أن نقوم بأبحاث موسعة في هذا الموضوع، لأن هدفنا هو أن نصل إلى فهم أعمق للمزمور، ولو عرفنا في أي زمن أنشد المزمور لكان لنا برهان من أجل دقة العنوان. ولكن لا تتوضح بذلك معرفة الكلام ولا معنى المزمور. بل بالعكس. فإذا ظل الزمن مجهولا أو إذا كان اللقب خطأ لا يتبدل شيء في المعنى وفي فهم الكلمات.

ولا بد هنا من ملاحظة تتوجه إلى الهراطقة الذي يأخذون مثلنا بالعهد القديم والعهد  الجديد. فهذا  النشيد النبوي يكشف فرقًا شاسعًا بين الله الكلمة والإنسان المأخوذ (ليحل فيه الابن). وهذا الفرق يجعل بين الواحد والآخر تمييزًا مهمًا كالذي يفصل الله عن سائر البشر. لا شك في أن اليهود يقبلون هذا المزمور ليتحدثوا عن الله والإنسان. وسوف نوضح رأينا عن الإنسان فيما بعد. تكلمنا عن الفرق بين الإنسان المأخوذ والله الكلمة. والمسافة التي تفصل بينهما هي كبيرة كتلك التي تفصل الإنسان عن الله. ونريد أن تقبلوها كاختلاف في الطبيعة لا كتباين في  الكرامة، لأن عنوان الكرامة المعطاة في حالة الإنسان المأخوذ تتجاوز كل خليقة. وسبب هذه الكرامة للإنسان المتحد بالله يعود إلى الاتحاد الشخصي مع الله.

فلنحذر أن نحلل بدقة كل تفصيل ولا نتوسع في شرحنا طويلا، وقد وضعنا نصب عيوننا أن نفسر كل المزامير. فلنترك جانبًا ما هو خارج الموضوع ولا نتكلم إلا عمّا يتصل بالتفسير.

"أيها الرب ربنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". فالذي حصل على نعمة نورانية آتية من الروح القدس تجتذبه للتأمل في الأحداث الآتية، امتلأ بانذهال عظيم فقال: "أيها الرب ربنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". هذه الكلمة التي تفجرت من إعجاب كبير، تحمل معنى دقيقًا: ستمتلئ الأرض كلها بالكرازة الإنجيلية. وبعد أن نال الوثنيون كرازة الإيمان سيتركون أصنامهم ويؤمنون بالمسيح. فالتعليم الإنجيلي المنتشر في كل مكان هو البرهان أن اسم الرب صار عظيمًا في كل الأرض. ويبدو المرتل مشدوهًا حين يرى نتائج هذه الكرازة التي تحققت والتي ستتحقق. من هنا كلماته: "أيها الرب ربنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". فكرازة الإنجيل ستقبلها كل الأرض، وسيُعبد اسمك في كل مكان وصلت إليه كلمتك. وهذا ما سيتضح لنا فيما بعد.

"ارتفع مجدك فوق السموات". فالكرامة المقدمة لاسمك ملأت كل أجزاء العالم واجتازت القارات الضيقة ووصلت إلى قمة السماوات. ولقد قبلت معرفتك قلوب كل (البشر) المائتين. فأي شيء أليق من هذا الإكرام المقدم لله خالق السماوات؟

"من أفواه الأطفال والرضع هيأت لك مديحًا". وهذا ما تم في الرب في الواقع والعمل. فحين دخل إلى أورشليم ركض الأولاد للقائه مع سعف النخل وأغصان الزيتون. وكانوا يصرخون: "هوشعنا في أعلى السماوات، مبارك الآتي باسم الرب" (مت 21: 8-9). هذه الكلمات التي قيلت في المسيح هي موضوع نبوءة المزمور وبرهان خطأ اليهود. هم لا يخافون حين يعارضون النبوءات الواضحة لأن روحهم معاندة. ولهذا تحرك الطوباوي داود بنعمة الروح القدس فمزج نبوءة تتعلق بالمسيح بوقائع أكيدة لكل إنسان، فلا يقدر أحد أن يشك في الحقيقة.

"وهذا بسبب أعوانك لتُسكت العدو والمعاند". هذا هو السبب الذي لأجله هيأ الله لنفسه هذا المديح من فم الأطفال. أراد أن يدل على كفر أعدائه اليهود ويبين وقاحتهم. أما الصغار فاجتمعوا بقدرة الله ونعمته. وحققوا ما قيل مسبقاً عن المسيح. والإكرام الذي قدموه له تعبر عنه بوضوح شهادة المزمور. وهذا المزمور يسمي شعب اليهود "العدوّ" و "المعاند": حين رفضوا أن يستقبلوا ابن الله، بل حين حاربوه، أعلنوا على الله عداوة مفتوحة إذ ظلوا يتظاهرون أنهم سند الشريعة التي أعطاهم إياها.

"حين أرى سماواتك، عمل أصابعك، القمر والنجوم التي ثبتها". أنا أعرف خليقتك، وأؤمن أنك خالق الكون. فبدل "أفهم" و "أعرف" كتب "أرى". من الواضح أن هذه الكلمات قيلت بواسطة الله الكلمة ولا أحد يقدر أن يعارضها لأن الرب نفسه تلفظ بها في إنجيله. قال الكتبة والفريسيون: "أما ترى ما يقولون"؟ تمنوا أن يوبخ الرب الأولاد، أن يحوّلهم عن غيرتهم في إنشاد المدائح. أما هو فأجاب: "نعم، أرى. أما قرأتم هذا: من أفواه الأطفال والرضع هيأت لك مديحًا" (مت 21: 16). فدل بهذا أنه هكذا وجب أن يتم بالواقع والعمل ما قال مسبقاً الطوباوي داود. وهذا يبين أن الكلام يعني الله الكلمة ويدل على أن النبوءة تليق به. وهذا ما سيقوله المرتل فيما بعد.

"من هو الإنسان حتى تتذكره، وابن الإنسان حتى تتفقده؟ جعلته أقل قليلا من الملائكة وبالمجد والبهاء كللته. أقمته على أعمال يديك ووضعت كل شيء تحت قدميه". الكائن الواحد هو الله الكلمة التي تتحدث عنه بداية المزمور، والإنسان الذي تدل عليه هذه الكلمات الأخيرة. هو الذي يتذكره الله ويتفقده والذي صنعه أقل بقليل من الملائكة والذي كلله بالمجد والبهاء والذي أقامه على عمل يديه. بهذا يظهر الاختلاف بين الطبيعتين. تنازل الله فتذكر كائنًا ذا حالة وضيعة وحقيرة. ولكن الله اتحد به، وهذا ما ملأ الطوباوي داود ذهلا وعجبًا فقال: "من هو الإنسان حتى تتذكره..." وما يلي يدل على حقارة طبيعتنا.

 
 

Copyright  www.karozota.com

 
  
 

English