سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

الصوم... تجديد للعهد والميثاق

 

الأب يوخنا ياقو

   

 

الغاية أو الهدف الرئيسي من الصوم، ليس بالتأكيد الامتناع عن تناول بعض الأطعمة وحسب وإنما منهاج مكثف لصيانة علاقة مقدسة ووقفة جدّية للنفس من نتاج وظائفها، كما أنه استدامة وتجديد للميثاق المعقود بين طرف الإنسان من جهة والله من جهة أخرى.

تاريخ الإنسان مع الله حافل بالمواثيق والعهود نستمده من خلال كتاب العهدين، والتباين واضح بين العهدين على مستوى الجماعي كذلك على المستوى الشخصي. فالله بميثاقه مع شعب إسرائيل يبغي أن يكون الله الآب القريب من شعبه في كل محنته والقائد له خلال محنة عبوره صحراء الانتقال من العبودية إلى حرية أرض الميعاد. لكننا نرى الإخفاق من طرف الشعب في تطبيق بنود هذا الميثاق، وعدم إذعانه وغياب توجهه الروحي في تشكيل صورة العلاقة المثالية بينه وبين ربّه.

لقد صام موسى أربعين نهارًا وأربعين ليلة لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماء، ليكتب أخيرًا على لوحي حجر كلمات العهد... الكلمات العشر، فكان بحسب تلك الكلمات قطع الله عهدًا معه ومع إسرائيل. لم تكن هذه المرة الأولى التي يسلم الله إلى موسى عهده معهم، وإنما كان تجديدًا للعهد الأول الذي دنسه الشعب بزيغانه وعبادته لألهة الصنم لمّا رأوا أن موسى قد أبطأ في النزول من الجبل، فما كان لموسى إلا أن يحمى غضبه ويطرح اللوحين الحجرين من يديه ويكسرهما في أسفل الجبل. والإنسان يجسّد هذه الحادثة حين يختبر في حياته تدنيس ما هو عهد مقدس بينه وبين خالقه، فيحاول ان يستنجد حينها بصنائم يسبكها بيديه ويسجد ويذبح لها حال إبطاء ما يترقبه في مشيئته هو.

إننا بالصوم من الانجراف وراء مبتغيات النفس ورذائل العالم نكف عن السير نحو بلورة صورتنا على شاكلة أبناء هذا الجيل، ممن أصبح التمييز بينهم وبين فصائل الحيوانات الأخرى صعبًا لتقارب وجهات نظرهم وأسلوب معيشتهم وفهمهم للحياة. لقد حلّ الكثيرين في مضمار سباق الحياة ليصبح من الصعب عليهم قيادة مركبة ذواتهم فأضحت تسير على خطى سبل تدور في نفس الحلقة. فلا تقدم في فكر الإنسان، واليوم عندهم كالبارحة وغدًا سيكون مثيله. وقمة طموحاتهم لا تعدو ان تكون عيش رغيد ونعيم ووفرة للملذات. إناءهم أصبح مسطحًا فلا يحوي ما يرغب الله في سكبه فيه. كل هذا لأننا وببساطة أصبحنا لا نعير أية أهمية لسلطان كلمة الله وعهده معنا. الصوم هو أن تدرك معنى أن لا تُطعم نفسك بما تمليه عليك مشيئتك وإنما الله يطعمك حسب ما لمشيئته. لقد سار إيليا في البرية مسيرة يوم هاربًا لأجل نفسه من وجه ايزابل بتهديها له، فأتى وجلس أخيرًا تحت رتمة طالبًا الموت لنفسه، فلما اضطجع ونام تحت الرتمة وإذ بملاك قد مسه ليوقضه ويدعوه ليأكل، حينها تطلع إيليا وإذ كعكة رضف وكوز ماء عند رأسه فأكل وشرب ثم رجع فاضطجع. فعاد الملاك فمسه وأمره بأن يأكل ثانية لأن المسافة التي سيقطعها كثيرة عليه. فقام واكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهارًا وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب. فما يمده العالم لنا ما يبرح أن يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، لكن ما يهبه الله لنا بعظيم نعمته الأبوية يكفي لأن نسير مسعى طويل. وهذا ما يختبره المؤمن عند تناول شركة جسد الرب ودمه، فبرشانة صغيرة تكفي كمؤونة لعدة أيام.

لقد طالت رحلة بني إسرائيل إلى أرض الميعاد أربعين سنة، والتي كان من المقرر لها أن تأخذ أربعين يومًا، لأن الرب رأى خذلانهم لعهده وقلة إيمانهم بوعوده. لقد رأوا في تلك الأرض التي تجسسوا عليها قبل أن يدخلوها أناس طوال القامة، وجبابرة بني عناق فرأوا أنفسهم كالجراد وهكذا كانوا في أعينهم. فنسوا أن الله الذي عاهدهم هو الذي سيسير بهم إلى تلك الأرض ويزيل كل الشعوب من أمامهم. ولا نتخيّر عنهم نحن كثيرًا حين نرى أنفسنا كجراد أمام أزمات العالم وطوال قامتها،  فلا نتبع كلمة الرب بل نهينها، ولا نصدق جميع آياته التي صنعها في وسطنا.

رحلة الصوم عبر برية الحياة ستصل إلى مبتغاها إن استذكرنا عهد الرب الذي قطعه معنا بدم ابنه الوحيد ونستعلن مشيئته في حياتنا. عهده الجديد معنا بأن لا يعود يسمينا عبيدًا، فنحن نعلم ماذا يعمل سيدنا، ولكن قد سمانا أحباء لأن يسوعنا قد أعلمنا بكل ما سمعه من أبيه وأبينا، فصار لنا ضامنا لعهد أفضل. فماذا نقول لهذا: إن كان الله معنا فمن علينا.

 
 

Copyright  www.karozota.com

 
  
 

English