سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

هل سينتهي العالم في عام 2012؟

 

إعداد الأب يوخنا ياقو

   

 

أمم وثقافات وبدع عديدة حاولت التنبوء بنهاية العالم في حقب مختلفة وعلى مر العصور، والكل بات الأمر به في النهاية بالفشل. ومن البدع الجديدة التي ظهرت مؤخرًا والتي تحاول نشر معتقداتها وتفاسيرها لنهاية العالم منطلقة من بعض الحسابات الفلكية، الظواهر الطبيعية أو التكهنات الشخصية، الأمر الذي يشد الأناس الذين هم بعيدين كل البعد عن فكر الإنجيل في تفسير نهاية العالم. حيث أن ما يطلق عليه نهاية العالم نعتبره نحن المسيحيون في الإنجيل متمثلا بمجيء المسيح الثاني إلى العالم ليدين الأحياء والأموات "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الارض" (رؤ 1: 7)، هذا الرجاء هو حقيقة أكدها الرب ولا تزول حتى وإن زالت السماء والأرض، ولكن للأسف نرى ان العديد ممن هم أعضاء في كنيسة الرب وممن مسحوا بمسحة المعمودية المقدسة لا يؤمنوا بقدوم الرب ويتصورا ان ذلك هو بعيد كل البعد وأنه من نسج الخيال ناسين قول الرسول بطرس: "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الارض والمصنوعات التي فيها" (2 بطرس 3: 10). فقدوم الرب يرتبط تمامًا بولادته العذراوية، موته على الصليب، قيامته وصعوده إلى السماء، وإن شك أحد ما في ذلك فأنه ينكر كل ما سبق وتممه "ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء‏" (أع 1: 11). كل هذا سنتاوله بعد ان نعطي أولا فكرة ولو مبسطة عن الإفكار والمعتقدات التي هي محل اهتمامنا اليوم والتي تنبأ عنها الرب يسوع مسبقًا حين قال: "لانه سيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو امكن المختارين ايضا" (متى 24:24). ومن هذه الأفكار والمعتقدات:

1- إدعاء شعب المايا:

المايا قبائل هندية (في أمريكا الوسطى) أسست حضارة مدنية بلغت أوج تألقها في القرن الثالث الميلادي. ففي وقت كانت فيه باريس ولندن مجرد قرى بدائية كانت مدن مثل تايكال وتيهاكان تملك طرقا مرصوفة وأكثر من مائة ألف نسمة... غير ان عظمة المايا الحقيقية تكمن في مهارتهم في علوم الفلك والرياضيات ورصد الأحداث. فقد توصلوا إلى قياس طول السنة بنسبة خطأ لا تتجاوز الثانيتين، كما استخرجوا المحيط الصحيح للأرض، وتنبؤوا بمواعيد الخسوف والكسوف. وتتضح براعتهم بوضع ما يعرف بـ "تقويم المايا" الذي استطاعوا من خلاله التنبؤ بالفيضانات وهبوب الأعاصير ومواسم القحط والجفاف. وهو عبارة عن جداول رياضية تتكرر بنمط دوري وتتوافق فيها الايام مع التواريخ (كأن يوافق الأول من فبراير عام 2099يوم السبت، والأول من فبراير عام 1982يوم الثلاثاء).

على أي حال اهتمامنا الآن سيكون منصبا على النبوءة التي يدعيها شعب المايا وتقول أن العالم سينتهي عام 2012. وأهميتها لا تنبع من صحتها بل من ان شعب المايا وضع جداول رياضية تنبأت بدقة بالكوارث الجوية والأحداث الفلكية... وهي جداول تستحق الاحترام فعلا لأنها لا تعتمد على التنجيم أو الأساطير (كما في أغلب الحضارات) بل على استنتاجات رياضية وضعت بعد مراقبة طويلة. وأكثر ما يشد الانتباه في جداول أو تقويم المايا ادعاؤه أن نهاية العالم ستكون عام 2012. حيث كان المايا يؤمنون بأن البشر يخلقون ويفنون في دورات تزيد قليلا عن خمسة آلاف عام. وبما أن آخر سلالة بشرية ـ من وجهة نظرهم ـ ظهرت قبل 3114 من الميلاد فإن نهايتهم ستكون عام 2012(وتحديدا في 23ديسمبر من ذلك العام).

 

2- وكالة ناسا الفضائية (العالم سينتهي عام 2012 لا محالة):

تسريب خبر مفبرك من وكالة ناسا الفضائيّة ومفاده: أن نهاية العالم سوف تكون حتماّ في عام 2012، واستدلّت بهذه الظاهرة الكونية اللتي سوف تحدث لا محالة وهي أن هناك كوكب يعادل حجم الشمس تقريبا واطلق عليه اسم نيبيرو (Nibiru).
وقد قامت الوكالة بدراسة ذالك الكوكب الغامض فوجدت انه ذو قوة مغناطيسية هائلة تعادل ما تحمله الشمس وبالتالي وجدوا ان هناك مخاطر كثيره لو اقترب من مسار الارض. ولكن هذا ما حصل فبعد اختبارات استمرت لاكثر من خمسة اعوام وجدوا ان هذا الكوكب سوف يمر بالقرب من الكرة الارضية على مسافة تمكن سكان شرق اسيا من رؤيته بكل وضوح بل انه سوف يعترض مسار الارض وذلك في عام (2011) وفي هذا العام سيتمكن جميع سكان الارض من رؤيته وكانه شمس اخرى.

ونظرا لقوته المغناطيسية الهائلة فإنه سوف يعمل على عكس القطبية اي ان القطب المغناطيسي الشمالي سيصبح هو القطب المغناطيسي الجنوبي والعكس صحيح وبالتالي فان الكرة الارضية سوف تبقى تدور دورتها المعتادة حول نفسها ولكن بالعكس حتى يبدأ الكوكب بالابتعاد عن الارض مكملا طريقه المساري حول الشمس.

كوكب (Nibiru) هو كوكب يدور حول الشمس في نفس مسار الكواكب الاخرى ولكن على مدى ابعد حيث توصل العلماء الى ان هذا الكوكب يستغرق 4100 سنه لاكمال دورة واحدة حول الشمس، اي انه قد حدث له وان اكمل دورته السابقة قبل 4100 سنة وهذا ما يشرح لنا سبب انقراض الديناصورات والحيوانات العملاقة قبل 4100 سنة تقريبا وانفصال القارات عن بعضها البعض (ما عرفناه بالانفجار الكبير).

حيث انه بمرور هذا الكوكب بالقرب من الارض سوف يفقد الكرة الارضية قوتها المغناطسية وبالتالي سيكون هناك خلل في التوازن الارضي مما سينتج عنه زلازل هائلة وفياضانات شاسعه وتغيرات مناخية مفاجئة حيث تقضي على 70 % من سكان العالم.

كما انه حتى وان اكمل طريقه وصار على مقربة من الشمس فإنه سوف يؤثر على قطبيتها وبالتالي ستحدث انفجارات هائلة في الحمم الهيدروجينية على سطح الشمس مما سيؤدي الى وصول بعض الحمم الى سطح الارض حيث ستؤدي الى كوارث بيئية عظيمة. وهذا ما يفسر التغيرات المناخية التي حدثت في العشر سنوات الاخيرة من زلازل مستمرة وفياضانات هائلة وبراكين وانخفاض مشهود في درجات الحرارة وذوبان في القطبين الشمالي والجنوبي.

 

وقد سخر الموقع الرسمي لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) من التخرصات التي راجت في العالم حول نهاية العالم ستكون في شتاء ديسمبر من عام 2012م، وخصّصت وكالة ناسا صفحة على موقعها للرّد على ما وصفته بـ"الخرافات" التي نُسجت حول قصة نهاية العالم، وجاء ذلك الرد على لسان كبير علماء معهد بيولوجيا الفضاء "ناسا" ديفيد موريسون، والذي ذكر أن قصصاً عن الكوكب المزعوم "نيبيرو" وتوقعات عن أن نهاية العالم ستكون في شهر ديسمبر من عام 2012م انتشرت في مواقع عدة على شبكة الإنترنت. وقال موريسون من خلال موقع ناسا "مع انتشار هذه الخديعة تم حبك الكثير من السيناريوهات حول وقوع هذه الكارثة، وقد استقبل موقع”ask an Astrobiologist” قرابة 1000 سؤال حول حقيقة "كوكب نيبيرو" وعن عام 2012م، وتم وضع أكثر من 200 إجابة حول ذلك.

واختار موقع وكالة ناسا أشهر 20 سؤالاً محيّراً من قبل القراء حول هذا الموضوع وتم إدراجها في الموقع مع الإجابة عنها بالتفصيل، وتضمنت هذه الأسئلة سؤالاً عن أصل قصة نهاية العالم في عام 2012م.

 

3- وما نشهده مؤخرًا وعلى دور العرض السينمائي عرض الفيلم الأمريكي (2012) للمخرج (Roland Emmerich) وتدور احداثه حول اسطورة شعب المايا والذي كما أسلفنا مسبقا يؤمن بانتهاء العالم في عام 2012 اثر ظاهرة كونية تؤدي الى دمار الارض وذلك من خلال قصة كاتب يلتقي صدفة باحد المؤمنين بهذه الاسطورة وبالصدفة يكتشف ان الاحداث التي تدور من حوله هي مؤشر لنهاية العالم فيقرر انقاذ عائلته والسفر على متن طائرة الى الصين حيث بنت الدول الكبرى عدة افلاك عملاقة تحمل مابقي من بشر لانقاذهم من الطوفان في احداث تهيد للمشاهد قصة فلك نوح، وفي النهاية ينجح هذا المؤلف في انقاذ احد هذه الافلاك من الدمار ويبدا هو ومن بقى من بشر لبدء حياة جديدة بعد ان تهدأ تغييرات الكوكب وتستقر معالم الحياة .

 

كل هذه الإدعاءات والكثير من الأراء والتأويلات لشخصيات مختلفة يتخذون من التنجيم مهنة لهم أدت وتؤدي إلى بناء اسطورة جديدة حول نهاية العالم يؤمن بها الكثير من الأناس الذين محبتهم لهذا العالم الحاضر، وفتور محبتهم لله وكأنهم نسوا التحذير القائل: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَم" (1يوحنا 2: 15 و16).

 

نهاية العالم أو الأصح متى يأتي المسيح حسب الإنجيل:

يظن بعض المسيحيين أنه توجد علامات تسبق مجيء المسيح لأخذ قديسيه إليه، أقرب ما تكون إلى التكهنات السابقة مثل حدوث حروب وزلازل وأوبئة وعلامات في الشمس والقمر والنجوم، او كما هو مبين في متى 24 وغيره من الفصول الكتابية، ولذلك هم يرقبون تلك العلامات ويجمعون أخبارها من الصحف للاستدلال على ظهور علامات قرب مجيء المسيح للاختطاف. ولكن الواقع الواضح في كلمة الله أن كل هذه العلامات ستحدث بعد اختطاف المؤمنين، لأنها متعلقة بظهور المسيح مع قديسيه للملك. أما مجيء المسيح للاختطاف، أي لأخذ قديسيه إليه، فلا يرتبط بأيّة علامات، وإنما كل ما ورد عنه في الكتاب يدل على أنه قريب التحقيق، لكي يكون موضوع انتظار دائم للقديسين في كل الأجيال. فالمسيحي الحقيقي لا ينتظر أي رجاء في الأرض، ولا يتطلع إلى حدوث أية علامات في الأرض، سواء كانت مبهجة كانتشار الإنجيل، أو مزعجة كحدوث حروب وزلازل وغيرها، إنما يكون متطلعاً دائماً إلى السماء "التي منها أيضاً ننتظر مخلِّصاً هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في20:3،21).

والرسول بولس، وكل المؤمنين منذ العصر الرسولي، كانوا بحسب كلمة الله يتطلعون إلى تحقيق هذا الرجاء في أيامهم، إذ يقول "فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين" (1تس15:4). فكلمة الرب لا تخدعنا عندما تضع مجيء الرب موضوعاً لانتظار المؤمنين الأحياء حتى في العصر الرسولي نفسه، بل هذا هو تحريض الرب نفسه لتلاميذه إذ قال لهم "لتكن أحقاؤكم ممنطَقة وسرجكم موقَدة. وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت، طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو35:12-37).

ونجد طابع الاستعداد والانتظار الدائم لمجيء الرب موجوداً في الأمثال التي نطق بها الرب له المجد، ففي مثل العشر العذارى نرى الحكيمات خارجات لملاقاة العريس، وفي مثل الخدم في البيت نرى أن الوكيل الأمين هو الذي يتصرف حسناً في غياب سيده حتى إذا جاء يجده يعطي الخدم العلوفة في حينها. وفي مثل الوزنات نرى أن العبد الصالح الأمين هو الذي يتاجر بوزناته منتظراً مجيء سيده.

والمسيحيون الأوائل اتخذوا كلمة التحية بعضهم لبعض «ماران آثا» أي «الرب آت» مما يدل على تعلق قلوبهم بهذا الرجاء وتوقع تحقيقه كل يوم.

وهكذا كانت أقوال الرسل مطبوعة بنفس الطابع، فالرسول بولس كما رأينا يقول «لا نرقد كلنا»، وأيضاً «ونحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب»، والرسول يوحنا يقول "أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون، من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة" (1يو18:2).

ولنأخذ فصلاً آخر مثل 2تيموثاوس3 الذي فيه يقول الرسول بولس: "إنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة"، فماذا يقول الروح القدس بعد ذلك؟ هل يقول إن تلك الأزمنة بعيدة؟ بالعكس إنه يقول لتيموثاوس «فاعرض عن هؤلاء» وكأنه يقول له: إن بوادر تلك الأزمنة الصعبة موجودة الآن، فلا تأخير ولا إبطاء. كان أضداد المسيح موجودين، وكانت الشرور موجودة، فماذا ينتظرون بعد؟ لا ينتظرون إلا المسيح نفسه. لا توجد حوادث منتظرة تقف كحواجز أمام أفكارهم دون سرعة رجوع الرب. صحيح أن مرور الزمن قد أوضح تلك الشرور بصورة أكثر بروزاً، ولكنها كانت موجودة حينئذ وقد اكتشفوها، فلم يكن شيء يعطل قلوبهم عن انتظار مجيء المسيح.

والرسول بطرس يتكلم عن هذا الرجاء الحي (1بط3:1)، كما يضع أمام المؤمنين أن «نهاية كل شيء قد اقتربت»، وعلى ذلك يقول لهم «فتعقلوا واصحوا للصلوات» (1بط7:4)، ويصف الذين يقولون «أين هو موعد مجيئه؟» بأنهم «قوم مستهزئون»، ويضع أمام المؤمنين هذه الحقيقة "لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة" (2بط3:3،4،9). والرب نفسه يصف العبد الذي يقول «سيدي يبطئ قدومه» بأنه «عبد رديء»، ويبيّن التأثير السيئ لهذه الفكرة في حياة ذلك العبد أنه "يبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر" (لو45:12).

إن المسيح، الذي هو موضوع إيماننا، هو نفسه موضوع رجائنا. وكل تعليم بانتظار حوادث معينة أو مرور فترة من الزمن قبل مجيئه، إنما هو تحويل للقلوب والأنظار عن شخص المسيح.

ولكن قد يقول قائل: أَلا توجد حالات خاصة فيها أعلن الرب عكس ذلك؟ أَلم يعلن لبطرس أن خلع مسكنه قريب؟ وأَلم يقُل بولس «وقت انحلالي قد حضر»؟ نعم وهذا دليل مؤيد لا معارض. إن الفكر العادي السائد بين الناس هو أن كل إنسان سيموت، ورجال كبولس وبطرس تعرضوا لكل أنواع الاضطهادات والمخاطر لم يكن مستغرباً أن يرقدوا في أي وقت، ولكن كان أولاد الله في ذلك الوقت ينتظرون مجيء المسيح لا الموت، وكان رجوع الرب من السماء هو رجائهم الذي يتوقعون تحقيقه في كل لحظة، ولذلك كان إعلان الانطلاق لهذين الرسولين قبيل حدوثه لازماً كشيء خارج عن قاعدة الانتظار العامة، وحينما قال الرب عن يوحنا «إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء ... ذاع هذا القول بين الأخوة أن ذلك التلميذ لا يموت» إذ كانت الأفكار مهيأة لانتظار المسيح بدون موت.

إن الكنيسة، التي هي عروس المسيح السماوية، غريبة في الأرض. ليس لها أي ارتباط بحساب الأزمنة والأوقات، بل هي تتوقع مجيء عريسها لأخذها إليه في أية لحظة، إذ لا يرتبط مجيئه لها بأية علامات أو حوادث، ولا يحدَد بتاريخ معين.

يوجد في سفر الرؤيا تفصيلات المشاهد الختامية لدينونات الله التي ستنصب على الأرض. فلو كان مجيء المسيح لأخذ قديسيه إليه يرتبط بهذه الحوادث، إذاً ما كان يجوز لنا أن ننتظر مجيء المسيح إلا بعد أن تُفتح كل الختوم، وتُضرب كل الأبواق، وتنصَب كل الجامات. ولكننا نجد العكس إذ يختم الرسول السفر بالإجابة على قول الرب «نعم. أنا آتي سريعاً» بالقول «آمين. تعال أيها الرب يسوع». هل يمكن أن نعتقد أن سفر الرؤيا قد كُتِب لكي يهدم الرجاء المسيحي، بما سرده لنا من حوادث لابد أن تقع على الأرض؟ حاشا. بل جاء ليثبِّت الرجاء. وفي ختامه نجد القول "والروح والعروس يقولان تعال. ومن يسمع فليقل تعال" (رؤ17:22).

أما كل الحوادث المبيَّنة في سفر الرؤيا، فستحدث بعد اختطاف الكنيسة. ونجد الدليل على ذلك واضحاً في قول الرب ليوحنا في أول الإصحاح الرابع «اصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا»، أي بعد انتهاء تاريخ الكنيسة على الأرض المعبر عنه «بما هو كائن». فالحوادث المبينة ابتداء من الأصحاح الرابع جميعها تحدث بعد اختطاف الكنيسة. وأقوى دليل على ذلك هو أن أول ما رآه يوحنا في الإصحاح الرابع هو عرش الله وحوله أربعة وعشرون عرشاً يجلس عليها أربعة وعشرون شيخاً. من هم هؤلاء الشيوخ الأربعة والعشرون؟ هم جميع المؤمنين من راقدين وأحياء ، بعد أن اختطفهم الرب من الأرض إلى السماء، ممثَلين برؤساء فرق الكهنة الأربعة والعشرين (انظر2أخ1:24-19). فجميع المؤمنين يكونون في السماء قبل أن تقع على الأرض الحوادث التي تكلم عنها الرب في متى 24، والمبيَّن تفصيلاتها في سفر الرؤيا. ولا يمكن أن يكون هؤلاء جزء من المؤمنين، لأن الجزء لا يتفق مع رمز الأربعة والعشرين.

ولكن لماذا لا يُذكر الاختطاف في سفر الرؤيا بعد الأصحاح الثالث الذي فيه ينتهي تاريخ الكنيسة على الأرض، وقبل الأصحاح الرابع حيث يُرى المؤمنون في السماء؟ السبب هو أن الكنيسة في سفر الرؤيا منظورة تحت المسئولية، أما اختطاف جميع المؤمنين من كل الأجيال فهو على أساس النعمة الغنية.

نستخلص من هذه التأملات أنه لا يوجد أي دليل في الكتاب على وجود حوادث يجب أن تقع قبل مجيء المسيح لأخذ جميع قديسيه إليه، بل كل ما جاء في الكتاب يبين أن الرب آت سريعاً، أن مشيئته هي أن يكون المؤمنون في انتظار دائم لمجيئه باستعداد وشوق.

وإذا كان الرب قد تأنى في مجيئه إلى الآن فليس لذلك إلا تفسير واحد وهو أنه « يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة» (2بط9:3). فليت كل قارئ لم يأتِ إلى الآن للمسيح بالإيمان القلبي يستفيد من أناة الله، وينتهز الفرصة لتسليم حياته للمسيح الآن لأن «الآن وقت مقبول ... الآن يوم خلاص»، ليته يبدأ اليوم حياة جديدة سعيدة مع الرب فيكون هذا اليوم هو تاريخ ميلاده الجديد.

وليت جميع المؤمنين ينهضون لانتظار مجيء المسيح بقلوب مشتاقة غير موضوعة على شيء من حطام هذه الدنيا. ليتهم يضاعفون الجهد في خدمة السيد "مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب" (1كو58:15).

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English