سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

رسالة إلى من يسعى في الإيمان

 

   

 

أما بعد فإنك أيها الأخ الصالح قد صحوت من نوم غفلتك فوجدت نفسك في كهفٍ مُظلم، فنهضت وأخذت تتلمس الطريق راجيا أن تخرج من ظلماته. فأخذت تسير وتتعثر، فتارةً تصدم رجلك بحجر وطورا ترتطم باحد جدرانه وطورا آخر تجد نفسك تسير في نفق طويل لتعود بعد ذلك إلى حيث ابتدأت. ومازال هذا هو حالك حتى كان اليوم الذي رأيت فيه بصيص نور بعيد فعلمت أنه لا بد من أن يكون هو المخرج من كهف ضلالتك فأخذت تجدّ في سيرك نحوه لا تلتفت إلى يمينك أو يسارك فوصلت بعد عناء شديد و خرجت فغرقت في نور ساطع بهي فعمي بصرك ولم تعد ترى شيئا حولك فعيناك اللتان اعتادتا على رؤية الظلام لم تكونا بعد قادرتين على استعاب النور، فعدت تجري إلى داخل كهفك وأنت تظن أن النور الذي أعماك للوهلة الأولى كان شيئا ضارا. فوقفت عند مخرج كهف ظلماتك لا أنت راغب أن تعود إلى أعماقه لتغرق في الظلام وأنت خائف أن تخرج إلى النور فيصيبك ما أصابك أول مرة. ومضى وقت وأنت في حالك هذه تتطلع بخوف وترَدُدٍ إلى النور حتى جاء الوقت الذي أصبحت فيه عيناك قادرتين على تحمل رؤية شيء منه، فخرجت مرة أخرى ونظرت فرأيت النور البهي وغرقت فيه ورغم أنك كنت غير قادر أن تحدق فيه بملئ نظرك وترى كل بهائه فإنك مع ذلك رأيت ما يكفي لتعلم مدى بشاعة وبرد الظلام الذي كنت تعيش فيه. وعدت ونظرت إلى نفسك لأول مرة تحت شعاع هذا النور فرأيت أدران الأفكار الفاسدة وقذارة التعاليم المدمرة التي علقت بك وغطتك من رأسك إلى أسفل قدميك، فأصابك الهلع والخوف وقلت في نفسك كما قال ذلك النبي القديس: ويلٌ لي فأنا رجلٌ نجس وأعيش بين شعب نجس وقد رأت عينيَّ النور البهي فرأيتُ سوءتي وأنكشف عيبي. فقعدتَ تبكي حالك حتى غسلت دموع توبتك الغشاوة التي كانت على عينيك وبت تريد أن تسير في النور بعيدا عن كهف ظلمات جهلك لتصل إلى نهر الحياة فتغتسل فيه من أدرانك ومن القذارة التي علقت بك فتخرج نظيفا نقيا و تعيش عيش السعداء أبناء النور و تنظر بملئ عينيك و ترى أنك أصبحت مثلهم ابنا للنور ولم يعد فيك ظلمة. ولكن الطرق بين مكان وقوفك ونهر الحياة هذا محفوفة بالمخاطر ومليئة بالحفر والكهوف فبت لا تعرف كيف تسير وأي هذه الطرق والمفاوز تأخذ. ما دام هذا حالك أيها الأخ الصالح تقف خارج مدخل كهف الظلمات وتريد أن تسير في النور إلى نهر الحياة لتغتسل فيه، رأينا أن نكتب لك رسالتنا هذه حتى تكون دليلك وعكّازك حتى تصل الى نهر الحياة فاقرءها يا أخي وافهمها فإنها ثمرة محبتنا لك ورغبتنا أن نراك تصل إلى مرادك لتلد ولادةً لا موت بعدها وتحيا حياة أبناء النور. نرجوا يا أخي أن تكون رحيما في تقييمك لنا فنحن لا نعرف كيف ننمق لغتنا ونزوقها ببلاغة وسجع وغيره كما يفعل أبناء الظلام الذي كنت فيه عندما يزوقون لغتهم ليُخفوا ما تحتويه أفكارهم من سموم الشرير وأكاذيبه. إنما نقول ونكتب في رسالتنا هو الحق نكتبه ببساطة وصدق، فعليك يا أخي به فإنه دليلك. نحن لا نرغب يا أخي أن نأخذ منك مالاً ثمن هذا ولا رغبة لنا أن نُجنّدك في حزب أو منظمة من هذا العالم الساقط كل ما نريد هو أن نراك تنجح في سعيك في طلب الملكوت لتكون ابنا من أبنائها ولا نطلب منك غير شيء واحد وهو أنك بعد أن تغتسل في نهر الحياة وتدخل الملكوت وتسير فيها حتى تصل إلى أرض الصلاة التي فيها سوف تعيش حياتك بملئها عندما تكون صلاتك بلاانقطاع نطلب منك عندها يا أخي أن تذكرنا في صلاتك فتدعوا لنا بالرحمة، هذا هو جل ما نطلب. ليرحمك الله الذي أنارك بنور كلمته وبنعمة روحه فجعلك ابنا بعد أن كنت عبدا وأعطاك الحياة بعد أن كان نصيبك الموت، ليرحمك رحمة لا تنتهي ويشفي نفسك ويرحمنا ويشفي نفوسنا وليرحم العالم كله ويهديه إلى نوره الذي لا تحتويه ظلمة.

 

فصل الإيمان

   ١ـ مجد الله وملكوته هي هدف السعي المسيحي في كل وقت. ملكوت الله ليست مجرد وعد نرجوا أن يتحقق في المستقبل البعيد أو عند القيامة. ملكوت الله هي حقيقة قائمة في كل زمان ومكان ملكوت الله هي في نفس كل مؤمن.

   ٢ـ سعي الإنسان المسيحي لتوطيد أركان الملكوت في ذاته لا يكون من خلال ربط إقامتها بأي حدث زمني أو سلطة وقتية. ملكوت السموات ليست مرتبطة بأي دولة أو شخص كان من كان في أي وقت من الأوقات.

   ٣ـ حتی تجد الملكوت الذي في داخلك وتعيشه يجب أن تبدأ بالإيمان. أي سعي غير مبني علی الإيمان هو سعي باطل ومصيره الهلاك. الإيمان هو التصديق لماأُخبرت به من غير أن تراه، ولكن هذا التصديق يجب أن يعزز بالمعرفة ويؤكد بالبراهين ومن غير ذلك يكون تصديقاً بشيء يحتمل الصحة أو الخطئ وما أتعس الإنسان الذي يكون تصديقه لما هو خطئ وكذب.

   ٤ـ الإيمان هو الأساس الذي يبنی عليه كل شيء ، المعرفة هي جدران وسقف هذا البناء، البراهين هي الشكل الكامل لهذا البناء والحقيقة الكاملة تكون بدخول هذا البناء والحياة فيه. الأساس هو كل شيء لأن من كان أساس بنائه علی الرمل فإن بنائه لن يصمد أمام المطر والعواصف التي هي أكاذيب الشرير، أما من كان أساس بنائه علی الصخر فإن بنائه سيصمد ولن يتداعی أمام المطر والعواصف.

   ٥- الإيمان المسيحي مبني علی القانون التالي: [نؤمن بإله واحد] الإيمان بالله كسبب وبداية ونهاية كل شيء هو الأساس، والإيمان بوحدانية وأزلية الله هي أعمدة هذا الأساس التي من غيرها لا يمكن أن يقوم. أما إذا سألت ما هي هذه الوحدانية؟ هل هي وحدانية رقمية هل هي كائنة كما الرقم واحد كائن بين الأرقام؟ الجواب هو لا. الوحدانية هي ليست وحدة عددية بل هي وحدة جوهر ووجود. أمَّا فيما يتعلق بهذا الجوهر فإن استيعابه وفهمه بذاته أو تعريفه أو تحديده هو غير ممكن لأن هذا الجوهر غير محتوی بمكان وبالتالي لا يمكن تعريفه بمكان أو بأين وهو غير محدود بزمان وبالتالي لا يمكن تحديده بمتی أو بوقت، وهو غير قابل للقياس أو العد وبالتالي لا يمكن تعريفه بكم أو بكيف، وهو غير قابل للصفات (بل خالق لها) وبالتالي لا يمكن وصفه أو تشبيهه. أما إذا سألت فكيف نعرفه اذا؟ الجواب يكون أولا بواسطة الحقيقة الموضوعة في كل فرد من الناس وفي حال كانت هذه الحقيقة مكدرة بدرن الأفكار الخاطئة والآراء الفاسدة فيمكن عندئذ معرفته من خلال إرجاع الأمور إلی مبادئها حتی نصل إلی المبدئ الذي لا مبدأ ورائه ونقف عنده، فالجوهر الذي نطلبه يكون الذي ما وراء مبدأَ المبادئِ هذا. أما وحدة الوجود فيقال عنها إما أنها الوجود بعينهِ و بالتالي إن الوجودَ موجودٌ لأن الله موجود وإن الوجود يكون موجوداً ما دام الله يريده موجدا، وبالتالي فإن الوجود كما نعرفه هو وجود بالعَرَضِ لأنه معتمد في وجوده علی شيء آخر غير ذاته. وإن الله هو الوجود الحقيقي لأنه غير معتمد في وجوده علی أي شيء أو مكان أو زمان. بعض الآباء علمنا أكثر من هذا فقال: إنه لا يمكن أن ننعت الله بالوجود لأنه أعلی من الوجود كونه هو خالق الوجود وكون كلمة وجود تقتضي أَنَّ هناك ما هو عكسُها، أي عدم الوجود والله أعلی من ذلك لأنه لا يوجد ما هو معاكس له.

   ٦ـ قانون إيماننا يتابع فيقول [آب ضابط الكل خالق السموات و الأرض وكل ما يری وما لا يری] حقيقة الله تجلت لنا منذ البدء بوحدانية جوهره و بكونه مبدأ لكل شيئ و بكونه آباً ضابطاً للكل و خالقاً للكل. الضبط للكل يعني أنه لا يوجد ولا يمكن أن يوجد شيء خارج نطاق خلقه وتحكمه وعندما نقول خالق نعني أوجَدَ ما لم يكن موجدا من غير اعتماد علی وجود آخر ماعدا وجوده تقدس وتبارك. فإن قلنا في ما يختص به خالق أو صانع يجب أن تُفهم بمعنی واحد ألا وهو أنه أوجد ما لم يكن من غير استعانة بما هو كائن غير ذاته. فإن قلنا في ما يتعلق بالله صانع تفهم بأنه أوجد الوجود بالإعتماد علی ما كان موجود وبما أنه لا وجود غير وجوده تبارك وتقدس فالصانع هنا تساوي الخالق وهذا فقط فيما يتعلق بالله تبارك وتقدس، فإن صادفت القانون بلغة أخری يقول صانع السموات والأرض فافهمه هكذا لأن آبائنا كتبوه وفهموه هكذا بوحي ونعمة من الله. أما قولنا خالق الكل فيقتضي الكل من غير استثناء، القليل القليل الذي نعرف ونری والكثير الكثير الذي لا نعرف ولا نری. قد يقول أحدهم أَن الإنسان كل يوم يزداد معرفة وما كان يعتبره غير ممكن يوم أمس يصبح ممكنا في الغد وقد يقول أَن الإنسان كان يفهم عالمه بشكل محدود واليوم يفهمه بشكل أوسع وأشمل ويعرف القوانين التي تحكم حركاته وسكناته وبالتالي ما كان مقدسا بات غير مقدس وما كان غامضا بات جليا وواضحا! لهذا القائل نقول: إن كل هذا لا ينفي أن وراء كل سببٍ سبب ووراء ذلك السبب سبب آخر سبَّبه وهكذا إلی أن نصل إلی السبب الذي لا سبب وراءه فنسأله ما هو ما وراء هذا؟ فيزيغ و يراوغ ويجيب الما بما. فنقول هو هذه الما التي لا تستطيع حتی أن تحكُمها بقانون تقريبي. من هذا نعرف أن حقيقة الخلق وأزلية الخالق وحقيقته التي هي سبب كل حقيقة غير قابلة للنقض ولا يمكن لأي إكتشاف أو فهم جديد إلا أن يُثَّبِتَها ويزيدها قوة علی قوة. أما ما نعني بالآب، وهل هذا كأبوة الآباء لأبنائهم؟ الآب هنا هي أكبر من هذا ولكن إن فهمها صغار العقول هكذا وسألوا إن كان هو آب فأين الأم؟ نقول هو آب بحيث أنه هو البداية فالألف هي الأول والباء هي االباري الذي به الكل.

   ٧ـ القانون يتابع فيقول [وبرب واحد يسوع المسيح إبن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر الذي به كان كل شيء] الرب يسوع المسيح تجسَّد في الزمن وصار انسانا لكن وجوده سابق لتجسده وهو تظاهر الله الخالق. البنوة هنا لا تعني انه وُجِدَ بعد ما لم يكن موجد، ولكن تعني أنه يوجد في الله بصفة البنوة كما أن الآب يوجد في الله بصفة الأبوة. البنوة هنا يمكن وصفها بأدق ما يمكن كما وصفها يوحنا اللاهوتي والتلميذ الطاهر، بنوة الكلمة، أي كما يتعلق الكلام بالمتكلم. الكلمة لغويا هي لفظ له معنی وليست مجرد صوت، والرب يسوع المسيح هو تلك الكلمة التي لها معنی وهو أصل كل معنی. عندما نتحدث عن الله لا يمكن ان نصفه وعندما نضطر لإستعمال وصف نظرا لعجز لغتنا عن عدم الوصف يجب ان نفهم ان الصفة هي الموصوف وليست عَرَضاً فيه يمكن ان توجد أو تزول. فإن قلنا إن الله حي نفهمها انه هو الحياة وسبب الحياة، وعندما نقول ان الله قوي نفهمها أنه هو القوة وسبب القوة ولا قوة من غير إرادته، وكذلك عندما نقول ان الله له كلمة نفهم ان الكلمة هي دائمة في الله ولا يمكن ان تسكت او تزول. ما هو موجود بالحقيقة هو ما هو غير مخلوق كما سبق وقلنا، وما عدا ذلك فهو موجود بالعَرَض ووجوده يعتمد علی آخر. الله بكل تظاهراته موجود بالحقيقة وغير مخلوق ولا يعتمد في وجوده علی آخر وكلمة الله هي ليست شيئا مخلوقا بل هي واحد مع الله وهي العنصر الخالق في الجوهر الواحد تبارك وتقدس. وكل من حاول أن يقلل منها أو يصف كلمة الله أنها مخلوقة هو من عمل الشرير يريد ان يبعد الإنسان عن الإيمان الصحيح كما فعل آريوس اللعين و كل من سار علی خطاه من الكذابين والمدَّعين امثال من يسمون انفسهم شهود يهوة وأمثال المورمن وكثير غيرهم من إخوان الشياطين. الآب والإبن جوهر واحد وهو جوهر الله الحق. يقول أحدهم كيف يكون إبنا مولودا وغير مخلوق؟ نقول: هو الجوهر واحد كما يأتي النور من النور من غير أن ينقص النور والجوهر واحد وهو النور المطلق. وإن شئت أن تفهم فالإبن ألف وباء ونون فالألف هي الأول والآخر والباء هي الباري الذي به الكل والألف والباء معا هي آب، والنون هي النور الذي من الآب النور الذي من النور والذي لا تأخذه ظلمة وهو الإبن. العالم المخلوق كائن بالكلمة ومن غير كلمة لا يوجد عالم ولا كون ولا شيء مما كان أو هو كائن أو سيكون. الكلمة التي هي النور الذي من النور الذي به كان كل شيء وبه سيكون كل شيء وبه كل شيء كائن، النور الذي يضيئ في الظلمة والظلمة لا تدركه ولن تدركه.

   ٨ـ القانون يتابع فيقول: [الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء دائمة البتولية وصار إنسانا وصلب لأجلنا علی عهد بيلاطس البنطي وتألم ودفن وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما جاء في الكتب وصعد إلی السماء وجلس عن يمين الآب وأيضا يأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات ولملكه لن يكون نهاية] سر التجسُّد وحقيقته هي محور إيماننا، و بفضل هذا الحدث المقدَّس أُعطي لنا الخلاص والمعرفة والبرهان علی حقيقة إيماننا. أمَّا إذا سألت من هو الذي تجسد؟ نقول: هو الإِبن الكلمة المعنی الأزلي والقوة الخالقة من الله الحي الواحد الذي به خلق العالم. وبكلام أوضح نقول إن كل الكون ما نعرف منه وما لا نعرف ما نری منه وما لا نری هو ظهور وتَجَلٍّ لإرادة الكلمة. الكلمة تجسد لأجل خلاصنا، تقول خلاصنا من ماذا؟ نقول: خلاصنا من ظلمات الجهل الذي أوقعنا به تغرير الشرير حين زين لنا هذا الجهل بأنه معرفة وتلك الغشاوة علی أنها فتح لأعيننا. قد يختلف كثير من الناس في فهم قصة آدم وحواء وتباعداتها وكون هذه القصة هي حدث في التاريخ وعلی الأرض أم مجرد رمز لشيء ما. ورغم أننا لن نخوض في تكهنات وافتراضات غير مجدية فإننا نقول: إنَّ هذه القصة حقيقية كحقيقة خلق الكون، أَمَّا عن مكان وزمان حدوثها وبأي شكل وهل علی هذه الأرض أم في أرض أو سماء أخری فهذا ليس لنا بحثه في هذا النص. ولكن حيثيات القصة ونتائجها بالنسبة لنا غير قابلة للشك أو التسائل. وكون القصة معروفة وموجد نصها في الكتاب المقدس فإننا لن نطيل بإعادتها ولكن نتائج أحداثها و أبعادها علی كل شخص من الجنس البشري وبسببهم علی كل عالمهم سوف نوضح بقدر ما نستطيع رغم عجز لغتنا ودرجة معرفتنا عن تقديم توضيح كامل. نقول: إن الله خلق آدم وحواء يعني الإنسان لهدف أعظم وأكبر من جميع خلقه. وهنا لا نتحدث عن الإنسان بأبعاده الجسدية من لحم ودم وعظم وطول وعمق وعرض، لكن نتحدث عن الإنسان كفكر وعقل ووعي. فبعكس كل أشكال الوعي الأخری التي خلقت بالكلمة، الإنسان خُلِقَ ومُنِحَ حرِّية الإرادة والإختيار الدائمة. يجب أن نفهم هنا أنَّ ما يسميه اللاهوت ملائكة وقوات غير متجسدة يشير إلی كل ما له وعي لوجوده ووعي بخالقه أو علی الأقل أنه مخلوق، وكل درجة من درجات الوعي المخلوق (أو ما يسمی صفا من صفوف الملائكة) يمتاز عن الدرجات الأخری بمدی معرفته بوجود خالقه ومعرفته بالخلق ومَبَادِئِهِ وأسبابه، وما يجمع كل درجات الوعي (أو الملائكة) هو أنها اعطيت الإختيار مرة واحدة، وما اختير من قِبَلها في هذه المرة حدد دورها في العالم المخلوق، وهو دور ثابت لا يمكن ان يتغير إلّا بتغير الخليقة كلها. فلهذا ورغم تَمَيُّزِ كلِّ درجات الوعي (أو الملائكة) وقرب بعضها من الله وعمق معرفتها بمَبَادِئِ الخلق إلَّا أنها كلها محكومة بالإختيار الذي اختارته ولا يمكن أن تحيد عنه. أمَّا ما يدعوه اللاهوت (ملائكة) فهي درجات الوعي التي اعترفت بخالقها وفهمت نقصها بدونه، فاختارت العمل في الخليقة تحت سلطة خالقها من غير أيِّ قيد أوشرط. وأَمَّا ما يدعوه (شياطين وشرير) فهي درجات الوعي التي افتُتِنَت بنفسها وبما وضِعَ فيها من معرفة وفَشِلت أن تری وتفهم نَقصها وبالتالي اختارت ما هو لنفسها وباتت تعمل ما لنفسها، واختيارها هذا جعلها أسيرة نقصِها لا يمكنها أبداً أن تَفْهَمُه، ونقصها دائما يحكمها وهي جاهلة به وهذا النقص هو ما يُعرِّفُها، فالشيطان أو الشرير يُعرّف بانه الناقص دائما، الغير مكتمل والذي مهما فعل سيبقی محكوما بنقصه، والطريق الوحيد لاستمراره هو استمرار نقصه وهذا يتم له من خلال إعطاء نقصه لآخرين. وبما أنه لا يمكن أن يعطي نقصه لدرجات الوعي التي وصفناها أنها خيّرة لأن اختيارها لخالقها وفهمها لنقصها بدونه يمنع الشرير من أن يغيِّرَها، لأنه كما قلنا الإختيار لكل درجات الوعي المخلوقة ـ عدا الإنسان ـ هو اختيار واحد وليس له ثانٍ. وهنا يأتي دور الإنسان. فكما سبق وقلنا الإنسان هو درجة الوعي الوحيدة التي خُلِقت وأُعطيت الإرادة الحرة، أي انها غير محكومة باختيار واحد وهذا ما يجعل الإنسان (أي الوعي) أعلی درجات الوعي المخلوق وهذا ما يشير اليه الكتاب المقدس بالصورة، أي الله خلقَ الإنسان علی صورته. ولكن هبة الإرادة الحرة هذه تأتي أيضا مع شيء آخر وهو حتی يحقق الإنسان وجود وعيه بتمامه يجب أن يكون علی المثال، أي علی إرادة خالقه، أي إرادتُهُ علی إرادةِ خالقه، وهذا هو المثال الذي يقوله الكتاب المقدس خلقَ الإنسان علی صورته كمثاله. الصورة هي الإرادة الحرة والمثال هو أن يكون علی مشيئة وإرادة خالقه. الصورة أولا ثم الصورة تكْمُل بالمثال أي الإرادة الحرة الدائمة ثم استعمال هذه الإرادة حتی يكون تحت سلطة ومشيئة خالقه خاضعا لها قابلا بها سعيدا بقيامها مريدا لإستمرارها فيه. ولكن ما سبق وذكرنا كان سيفا ذو حدَّين بالنسبةِ للإنسان، فكون الإنسان عنده إرادة حرة وهو غير محكوم باختيار واحد وكون هذا يعني انه يمكن ان يختار إرادتهُ وليس إرادة خالقه وبالتالي يمكن ان يقع في النقص والشر كما وقع الشيطان هو ما أعطی الشيطان الدائم النقص الفرصة للإستمرار وهي كما ذكرنا تكون بإعطاء نقصه لغيره حتی يبقی النقص مستمرا وهذا ضمان بقائه. ومن هنا نفهم قصة الخطيئة الأصلية للإنسان ودور الشرير في التغرير به لضمان استمراره. الشرير غرر بالإنسان ليبعده عن تحقيق المثال في الصورة وأوقعه بالنقص وضمن بذلك استمرار وجود الشر أي النقص في الخليقة. رغم ما سبق وقلنا عن نُبلِ خلق الإنسان ورفعة وجوده عن كل درجات الوعي الأُخری يجب أن نشير أن درجة معرفة الإنسان في مبادئِ الوجود وعناصره كانت أقل بكثير من درجة المعرفة التي وضِعَت في كثيرٍ من درجات الوعي الأُخری، وهذا كان ليس لعطلٍ أو لنقص في الإنسان ولكن لأن إرادة الكلمة كانت أن تكْتَمل درجة المعرفة من خلال تحقيق المثال في الصورة كما سبق وذكرنا. يعني أن درجة المعرفة كان مقدّراً لها أن تفوقَ كلَّ معرفة درجات الوعي الأُخری عندما يختار الإنسان أن يكون تحت سلطة خالقه وقابلا لمشيئته ويستمر باختياره هذا. هنا جاء الشرير وغرر بالإنسان بوعدٍ كاذب وهو أنه اذا خالف أمر خالقه واتبع هواه ومشورة ذاته يمكن له أن يحقق المعرفة ويُكَمِّل صورته (الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ووعد الشرير أن أعين الإنسان ستُفتح ويصبح كالإله) ولحظة اختار الإنسان هذا الإختيار كان السقوط والوقوع في النقص واصبح تحت سلطة الشرير. هنا يجب أن ننوه أن سقوط الإنسان هو سقوط للوعي الإنساني ويشمل الإنسانية كلها بجميع أشخاصها و أنواعها لأنه سقوط للجنس وبالتالي كل أنواع واشخاص الإنسانية سقطوا. إِنَّ علامةَ التعليم الشيطاني الشرير هو نكران الخطيئة الأصلية والإدِّعاء أنها شملت شخص آدم وزوجته وليس كل جنس الإنسانية! نجد هذا في تعاليم كثير من الديانات الشريرة التي تقول أن خطيئة آدم تتعلق بآدم وأنه غُفِر له وأن خلاص كل شخص من الإنسانية يتعلق بذاته وكأنَّ ذات هذا الشخص كيان قائم مستقل عن نوعه وجنسه. تعاليم مثل هذه هي علامة استمرار الشرير في محاولته إبقاء حالة السقوط في العالم وتكريسها. فإن سَمعتَ تعاليم مثل هذه اعلم انها من الشرير وابعد عنها. نعود بعد هذا الإستطراد الطويل ولكن الضروري فنقول: إنَّ الله الذي خلق الإنسان بكلمته وأعدَّهُ ليكون أعلی درجات خلقه لن يسمح للشرير أن يستعمل الإنسان لتكريس وجوده الناقص، لهذا كان يجب للإنسان أن يعيد اختياره ويعود تحت سلطة خالقه. ولكن ظروف السقوط كانت تمنع حدوث هذا لأن التوبة للإنسانية والرجوع لإرادة الخالق لا يمكن أن تتم من خلال توبة أشخاص أو أنواع ولكن من خلال توبة الجنس الإنساني كله، وهذا صعب جداً تحت ظروف السقوط. من هنا كانت ضرورة تجسُّد الكلمة، فبواسطة التجسد تم تحقيق ما لا يمكن تحقيقه بشكل آخر وهو خلاص جنس الإنسانية. التجسُّد هو إعادة خلق جديد للجنس الإنساني ضمن الإنسانية. الذي تجسد وأخذ الإنسانية علی نفسه هو الكلمة الغير مخلوق الدائم الوجود وهذا التجسد وحَّدَ الإنسان مع خالقه وضَمِنَ خلاصه. كثير من صغار العقول ومن أبناء السقوط الذين يتبعون المعرفة الكاذبة التي أخذها جنسهم من الشرير يقولون كيف يمكن للكلمة الغير مخلوق للّه الأزلي أن يتجسد انسانا؟ وعندما تجسد، من كان يدير الخلق ويرعاه؟ وغيره من الأسئلة السخيفة. لهؤلاء نقول: مع الله وفيما يتعلق بالله لا نقول كيف يمكن أو لا يمكن بل نقول يمكن ويمكن، ومن قال غير هذا يكون عابد لإلهٍ كاذب صنعه بنفسه وحدَّدَ له ما يمكن وما لا يمكن. التجسد ضَمِن خلاص النوع الإنساني عندما وحّد الكلمة إنسانيتنا بلاهوته في خلق جديد لجنسنا. المسيح الذي وصفه كثير من الآباء بآدم الجديد أو بكلام أوضح نقول الوعي الجديد المكتمل بالتأليه. الخلاص تمَّ حين رَفض آدم الجديد كل نتائج السقوط وقاد الإنسانية في طريق الخلاص تمهيدا لإعادتها الی وضعها الطبيعي الذي خُلِقت من أجله والذي تَمَّ واستُكمِل بالصلبِ والقيامة. عمل الشرير بَدأ نقضه بالتجسد وهُزَّ كيانُه بفشل الشرير المجرب عندما جرَّبَ المسيح بإنسانيته، ودُمِّرَ عمَلُهُ بقبول المسيح الصلب وبه ماتت الإنسانية بالشرير وقامت بقيامته بالله لتعود الی وضعها الطبيعي الذي خُلقت من اجله. صلب المسيح المخلص وموته وقيامته حقيقة بل وأهم حقيقة بالنسبة لجنس الإنسان، لأن بها كانت نهاية أمل الشرير باستعمال الإنسان لتكريس وجوده الناقص. الصلب لم يكن حدثا رمزيا بل حقيقة والقيامة لم تكن اسطورة بل حقيقة وكل من نكر الصلب و الموت والقيامة هو من الشرير. المسيح الذي صُلبَ ومات ودُفن وقام وحَّدَ الإنسانية بذاته مع الله وهو صلة الوصل التي لا تنقطع بين الله والإنسان. والجلوس عن يمين الآب هو جلوس للإنسان بخلاصه و تأليههِ كما وعد الله الإنسان بإعطائه الصورة والمثال التي لم تعطی لأي درجة من درجات الوعي المخلوقة. كلمة نضيفها هنا عن التجسد من العذراء مريم سيدتنا دائمة البتولية أم المسيح. التجسد من مريم من غير إرادة بشر هي ضرورة حتمية لأنه كما سبق وقلنا التجسد هو خلق جديد لجنس الإنسان. وأمَّا اذا سأل احدهم لمذا تجسد من مريم الإمرأة وليس من تراب كما خلق آدم؟ لهذا نقول لأن الخلق الجديد للإنسانية هو في الإنسانية وهو ليس خلق لجنس جديد وهنا كان التجسُّد في رحم سيدتنا ام المسيح. وكان أيضا ضروري أن تقبل الإنسانية خلقها الجديد بإرادةٍ حرة، وهذا ما فعلته أمنا مريم بالنيابة عن كل الإنسانية.

   ٩ـ قانون الإيمان يتابع فيقول [وبالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب] التظاهر الآخر للّه الواحد هو الروح القدس وكما قلنا أن الإبن هو الكلمة والقوة الخالقة نقول أن الروح القدس هو روح الله وهو القوة المعطية للحياة. وكما قلنا سابقا أن هناك ما هو مخلوق وما هو غير مخلوق، وأن كل ما هو غير مخلوق هو أزلي وما هو أزلي هو جوهر واحد. والروح هو أزلي وهو جوهر واحد مع الآب والإبن وهذا هو الله الواحد. من قال أن الروح القدس مخلوق هو كمن يقول أن الله مخلوق لأنه يُعْزي صفة الخلق لما هو منبثق من الله. إن كلمة الروح لغويا ترجع إلی روح أو ريح وتستعمل هنا لوصف عمل الروح، فبما أن الريح تحرك السفينة والطاحونة وبشكل ما تعطيها الحياة استعمل اللاهوتي كلمة روح للإشارة الی قوة الله المعطية الحياة. أمَّا إضافة كلمة القدس إلی الروح فهي للتنبيه أنه روح الله المعطي الحياة تبارك وتقدس، وأيضا لتفريقه عن استعمال كلمة روح في مواضع أخری للإشارة إلی القوات العديمة الأجساد أو التي لا تری مثل الملائكة، لأنه كما لا يمكن لعين الإنسان أن تری الريح أو الهواء ولكن تری آثارها وأفعالها كذلك بالنسبة للقوات العديمة الأجساد، فهي أرواح بهذا المعنى ولكن الروح الذي يعطيها صفة الحياة هو الروح القدس الغير مخلوق الذي هو جوهر واحد مع الآب والإبن وهو الله الواحد الجوهر وواحد الوجود. إن كلَّ من ينكر الروح القدس أو يقلل من مكانته أو يصفه بصفة غير صفته كأن يقول هو مخلوق من المخلوقات أو ملَك من الملائكة هو كافر وجاحد ومصيره الهلاك مع سيده الشرير. المسيح ربنا يسوع تبارك اسمه وتقدس قال هذا ﴿من قال كلمة باطل علی الإبن تغفر له ولكن من قال كلمة باطل علی الروح القدس لن تغفر له سواء في هذا العالم أو العالم القادم﴾. وهذا يمكن فهمه كما يلي إن قال أحد أن المسيح إنسان وجهل لاهوته، إذا سمع الحق وتاب واعترف بذنبه فإنه سوف يُغفر له، أما من نكر الروح ووَصَفهُ بأقل مما هو أو بغير ما هو يكون ابنا للشرير، متبعا هواه غارقا في الظلمة عابداً لوثنه الذي حدّه لنفسه، وشخص كهذا لا يمكن للروح القدس أن يحل عليه فهو ميت وإن بدا لأقرانه أنه يعيش، وهو ملعون ولا أمل له بالخلاص لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي. الروح القدس هو أيضا المُعَزي أو المعين الذي يوجد دائما مع أبناء الملكوت ويُرشِدُهم و يمنع الشرير من أن يكون له سلطان عليهم. الروح القدس هو مصدر الوحي لكل الأنبياء الصادقين ودائما وحيه حق وشهادته حق وهو يشهد لنفسه أنه هو روح الحق، روح القدس المُعَزي الذي هو في كل مكان ويملئ كل شيء ومعطي الحياة ونبع البركات الذي لا ينضب وجوهر الله الواحد الحق الذي لا يموت. هو إلهنا الحق الآب الأول والآخر الخالق الإبن الذي به كل شيء وله كل شيء الروح القدس المعطي الحياة والذي لا حياة من غيره إلهنا إله واحد في الجوهر والوجود تبارك وتمجد وتقدس في كل حين الآن وفي كل آوان وإلى دهر الداهرين آمين.

   ١٠-  قانون الإيمان يتابع فيقول [وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية] الكنيسة لغويا تعني مجموعة أو تجمُّع من الناس يجمعهم هدف واحد وإيمان واحد. ولكن لغويا بالعربية عندما نقول كنيسة تُفهم بمعنی تجمُّع ومكان عبادة المسيحين وتُفرّق عن أمكنة عبادة أو تجمع أتباع الديانات الأخری حيث يطلق عليها أسماء أخری معروفة كلها تعني أمكنة تجمع. هنا في قانون الإيمان نعني بالكنيسة مجموعة أبناء الإنسان االمُخَلّصين المؤمنين بالمسيح والمحافظين علی تعليمه الذين يحملون المسيح في قلوبهم وعلامة بين أعينهم. الكنيسة هي الكيان المخلوق من قبل المسيح نفسه الكلمة والقوة الخالقة وهو رأسها وهو ملكها وكاهنها الأكبر، الكنيسة هي عروس المسيح وهو عروسها بالمسيح الكنيسة كائنة وبه تستمر لذلك لن يكون للكنيسة نهاية لا في هذا العالم ولا في العالم القادم، ولا لن تقوى أبواب الجحيم عليها. الكنيسة ليست بناء أرضي وليست منتدی اجتماعي وليست مؤسسة خيرية. الكنيسة هي الوعي الإنساني بكَمَالِه كما أراده المخلص الكلمة أن يكون علی الصورة والمثال فإن كنت حقا في الكنيسة فأنت في المسيح، وإن كنت في المسيح فأنت في الله والله فيك وعندها تكون علی أكمل صورة ومثال. حتی تكون في الكنيسة وتكون في المسيح والمسيح يكون فيك يجب أن تَنمحي ذاتك تدريجيا حتى تصل إلى درجة الإنمحاء التام، لأنه حتى يكون المسيح فيك وأنت في المسيح يجب أن تنمحي ذاتك حتى ينمو ويكبر المسيح فيك كما قال يوحنا المعمدان يجب أن أنقص وهو يجب أن يزداد، وعندما تكمل حال انمحائك يمكن أن تقول لست أنا ولكن المسيح فيَّ. الكنيسة هي سيف قاطع ورعب لا نهائي للشرير وكل عبيده لأن وجودها كان نهاية أمله في استخدام الإنسان لتكريس وجوده الناقص. لهذا فإنه لا عجب مما يفعله من محاولات تضليل من خلال ايجاد ديانات كاذبة و تجمعات شريرة هو رئيسها وراعيها. فكن واعيا أنت عندما يُزهر وينمو الإيمان في قلبك وعندما تريد أن تكون في الكنيسة مع المسيح أن لا تقع في فخ الشرير لأنه يا أخي ليس كل ما يلمع ذهبا كما يقول المثل، فعليك أن تكون بسيطا كالحمام ولكن أيضا حكيم كالحيات وعليك أن تَمتَحِنَ معتقد وسُنَّة أي مَجْمَع قبل أن تنتمي إليه حتى لا تكون فريسة سهلة ولقمة سائغة للشرير وتخسر نفسك ووعيك الإنساني وتكون في الظلمة الخارجية مع الشريرالدائم النقص والذي ليس لديه ما يملئ به نقصه والذي ليس فيه حقيقة ومع أعوانه من الكافرين وأتباع الآراء الفاسدة والديانات الكاذبة. الكنيسة هي كنيسة جامعة أي أنها تشمل كل الإنسانية رجالا ونساء، أطفال ورضّع، شباب كهول، شيوخ وحديثي الولادة من كل الأجناس ومن كل الأعراق وكل اللغات، ليست حكرا علی دولة وليست تحت سلطة مَلِك زمني ليست خاضعة لمكان ولا تجيب لأي أحد غير ربها وزوجها و ملكها وإلهِها الرب الكلمة يسوع المسيح. الكنسية هي رسولية لأنها أُسست من قبل المسيح وأُعطيت إدارة شؤونها الزمنية ونشر تعاليمها للرسل التلاميذ الاثني عشر ومنهم إعطيت العهدة للاساقفة المكرسين بوضع الأيدي وبنعمة الروح القدس ومنهم لمن بعدهم سلسة لا تنقطع من التتابع الرسولي حتی يومنا هذا ومنه حتی نهاية العالم.

   ١١ـ القانون يقول بعد هذا [ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرةالخطايا] المعمودية هي مدخل كل مؤمن إلی ملكوت السموات ومن غيرها لا يمكن الدخول الی تلك الملكوت. الرب يسوع المسيح تبارك وتقدس اسمه قال هذا لنقوديموس. المعمودية هي موت وولادة جديدة مع المسيح. المعمودية هي موت للإنسان الساقط وقيامة للإنسان الجديد في الخلاص. المعمودية تزيل درن السقوط والخطيئة الأصلية وتعيد الإنسان الی وضعه الطبيعي الذي ولد لأجله. إذا اعتمدت بالمعمودية المسيحية الحقة باسم الآب والإبن والروح القدس حلّت عليك نعمة من الروح القدس وهذه النعمة تبقی معك كل أيام حياتك في هذا العالم وفي العالم القادم، وإذا كنت مؤمنا واستخدمت إرادتك الحرة لتحقيق المثال في الصورة من خلال اتباع مشيئة الله والحفاظ علی تعاليم ووصايا كلمته تفجرت نعمة الروح القدس هذه في داخلك وتحولت إلی نبع من النور لا ينطفئ ونهر من الماء الحي لا يجف، وعندئذ يضيئ نورك أمامك ويراه كل الناس والملائكة ويمجدون أباك الذي في السماء لأنك عندئذ تستحق أن تدعی ابنا لأنه لست أنت بعد ولكن المسيح في داخلك وأنت في المسيح. معلم الأمم الذي اختاره المسيح وأرسله قال بالروح القدس ﴿أنتم اللذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم﴾. فإن كانت عينيك قد انفتحت وسقطت عنها غشاوة الآراء الفاسدة والأفكار الخاطئة، إن كانت محبة الله قد أنارت قلبك وأرتك خطئ طريقك، فبادر يا أخي واطلب نعمة المعمودية واغسل قذارة ونجاسة الآراء والمعتقدات الفاسدة واكسر قيد خطيئة آدم الأصلية وكن مولودا جديدا في ملكوت السموات لتفرح بولادتك كل الملائكة ولتكن في حضن كلمة الله ليفرح بعودتك يا من كنت اعمی فاصبحت مبصرا وكنت ميتا وبالمعمودية تحيا. أمَّا إذا كنت قد اعتمدت في السابق ثم تقاعست ودخلت كهف الجهالة ورقدت وغفلت فتنبه يا أخي وبادر فإن فيك نعمةً من الروح القدس إذا راعيتها أعطتك الحياة الأبدية مع كل القديسين.

   ١٢ـ القانون يختم فيقول [ونرجوا قيامة الموتی والحياة في الدهر الآتي آمين] ربنا والهنا يسوع المسيح تبارك وتقدس وتمجد اسمه قال: ﴿من آمن بي وإن مات فسيحيا وإن كان حيا فانه لن يموت ابدا﴾ فاسمع واعتبر أيُّها الميت وآمن واعتمد حتی تحيا، وأنت أيُّها المعتمد استيقظ من غفلتك حتی تنتقل من حياتك هنا إلی الحياة الأبدية مع المسيح ربنا وإلهنا الذي له المجد مع الآب الذي ليس له بداية ولا نهاية ومع روح القدس الصالح المعطي الحياة جوهر واحد وإله واحد الآن وفي كل آوان والی دهر الداهرين آمين.

 

فصل المجاهدات

   المسيحي المؤمن والذي اعتمد باسم الآب والإبن والروح القدس قد حقق خلاصه بواسطة النعمة التي أُعطيت له في الخلق الجديد في المسيح، ليس هناك عمل يمكن أن تعمله لتتبرر به أمام خالقك، ومن غير نعمته الخلاص بعيد عنك مهما فعلت. العمل والمجهادات المسيحية ليست لهدف أرضي إنساني حتی تكون مواطن صالح. الفضائل المسيحية ليست كفضائل الأمم هدفها وقتي زمني وسبب السعي فيها للحصول علی المدح الفارغ من الناس و للتفاخر والكبر. وهدفها أيضا ليس أن تُقْرِضَ الله قرضا فَتُمننه بعملك الصالح وتضمن خلاصك عندما تفوق أعمالك الصالحة أعمالك السيئة. المجاهدات المسيحية واكتساب الفضائل هو نتيجة طبيعية لنعمة الخلاص، وإن لم تظهر هذه الأعمال فيك تعلم إذاً أن بذرة الخلاص لم تجد أرضا طيبة فيك وأنها ما زالت بذرة تنتظر أن يُعتنی بها حتی تتفتح في قلبك. نقول إذاً إن الإيمان من غير عمل هو إيمان ميت أو بالأحرى إيمان كاذب، وكذلك العمل والمجاهدة من غير النعمة المكتسبة من الإيمان والمعمودية هو عمل بلا طائل ولا فائدة.

١- المجاهدة المسيحية لها هدفان الأول هدف تحضيري ويتمثل باستئصال الرذائل والثاني تكميلي وهو اكتساب الفضائل

٢- حتى تستئصل الرذائل وتغسل درن الخطايا يجب قبل كل شيء أن تعرف أنها موجودة فيك، لأنك ما دمت في عماك جاهلا بوجود الخطيئة وآثارها فإنك لن تحاول أن تستأصلها وتزيلها. انتبه أيُّها الأخ الصالح أن غفلتك عن وجود الخطيئة لا يعني غيابها بل يعني جهلك بوجودها. وما دمت جاهلا تبقى الخطيئة فيك تعمل عملها المدمر حتى تنتهي بك الأمور إلى الموت بخطيئتك، والموت بالخطيئة يا أخي هو موت النفس وهو موت لا حياة بعده. مَثَلُكَ في هذه الحال من الجهل كمثل المريض المصاب بمرض مميت وصامت ومرضه هذا لا يسبب ألماً، وهو جاهل بمرضه ويعيش حياته جاهلا بوجوده معتقدا أنه سليم حتى يستقيظ في يوم من الأيام وهو يتألم ألم الموت وتأخذه سكراته فيدعوا أهله ويسرع لطلب العلاج وعندها يكتشف أنه مريض وأن الموت هو مصيره بسبب مرضه الذي فشل أن يعرف إصابته به وفشل أن يطلب له العلاج في الوقت المناسب. فيتحسر ويموت من غير أن تفيده الحسرة أو الندامة. فانتبه يا أخي من غفلتك واصح من كبوتك حتى لا يكون هذا مصيرك واطلب علاج نفسك واسع لتُبرِئَها من خطيئتها، واطلب العلاج من طبيب النفوس الذي لايُعجِزُهُ داء والذي وإن كنت ميتا يحيك وإن كنت مريضا يشفيك وإن كنت ضالا يهديك، الكلمة الحق والنور البهي الذي إذا سألته يعطيك وإذا طلبت منه يرضيك، المسيح الحق الذي بنعمته وبمشيئته قامت السموات والأرض، تبارك وتقدس اسمه الذي هو فوق كل اسم ومجده الذي هو فوق كل مجد سواء على الأرض أو في السموات أو فوق السموات آمين.

٣- اتفق الرسل والآباء والمعلمون في الإَيمان أن الأهواء التي تؤدي إلى الخطيئة هي ثمانية، ثلاثة منها تتعلق بالجسد وخمسة تتعلق بالنفس. الثلاثة المتعلقة بالجسد هي النهم (أو حب الطعام)، الفسوق (أو الدعارة)، والطمع (أو الجشع وحب المال والممتلكات المادية). أمَّا الخمسة المتعلقة بالنفس فهي الغضب، الإكتئاب (أو اليأس)، القلق، التكبر، والمجد الفارغ. ورغم ان الآباء فسروا هذه الأهواء بعبارات وألفاظ عديدة إلّا أنهم اتفقوا كلهم في جوهر تحليلها وفهمها.

٤- الأهواء الثلاثة الأولى تشكل التحدي الأول الذي يواجه المسيحي في سعيه ومجاهدته، لأن فشله في استئصالها سيؤدي إلى فشله في استئصال الأهواء الأخرى. لأن معظم الرذائل تأخذ بدايتها من هذه الثلاثة الأولى.

٥- عندما أراد المجرب الشرير أن يجرب الرب يسوع تبارك وتقدس اسمه في ناسوته (أي من حيث هو إنسان) لجئ إلى استخدام الهوى الأول في محاولته الإيقاع به، فلجئ إلى هوى النهم وحب الطعام فجاء وقال للرب الذي جاع بعد صيام أربعين يوما وأربعين ليلة وقال له: إن كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير خبزا، فأجابه الرب مكتوب (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله﴾.

٦- مما سبق يجب ان تعلم ان المجاهدة الأولى التي يجب عليك العمل بها هي لجم معدتك وشهيتك للطعام وتوجيه غريزة الجوع فيك باتجاهها الطبيعي. قبل كل شيء يا أخي يجب أن تفهم وتعي أن الجسد هو أداة للنفس، ومقدّر له أن يُستخدم من قِبل النفس لإقامة المثال في الصورة. النفس (الوعي) لم تخلق لتكون خادمة للجسد والجسد لم يخلق ليكون مقبرة للنفس تقبع فيه ساهية غافلة تحت وطئة العبودية عاملةً ليلا ونهار لخدمة سيد لا يشبع ولا يرضى مهما أُعطيَ. ما يجب أن يكون وما هومقدر هو أن تكون النفس هي سيدة الجسد المتحكمة فيه، وكمثل أي سيد رحيم وصانع حكيم الذي يوجه عُمَّاله ويعتني بألآت مهنته حتى يتمكن من استخدامها لما هي مفترض لها أن تعمل، يجب للنفس أن تستخدم الجسد وتُخضعه وتَعتني به لتستخدمه في ما هو مناسب له كأداة للنفس لتحقيق المثال في الصورة. إن ما وراء أهواء الجسد دوافع طبيعية رُكزت في الجسد بهدف الحفاظ عليه وعلى حياته واستمرار وجوده. فالحاجة إلى الطعام والشراب هي حاجة طبيعية وليس فيها شر فالجسد يحتاج إلى الطعام لينمو وليحصل على الطاقة ويستمر ما دام استمراره ممكنا، ولكن هذا الدافع الطبيعي يتحول الى هوى ومصدر رذيلة عندما ينحرف عن استخدامه الطبيعي. فعندما يتحول الطعام من وسيلة إلى غاية وعندما يصبح الطعام والشراب غاية الشخص وهدفه فيقضي وقته يسعى في طلبه ليل نهار، يتفنن في أنواع مأكولاته ومشاربه، يملئ نفسه ألف مرة أكثر من حاجتها، ينام وهو يحلم بما يأكل وما يشرب، يستيقظ وليس له شغل غير معدته. هذه هي الحال المسماة النهم وعندما يصاب بها الشخص تكون نتائجها مدمرة. فغير الأذى الصحي الذي يصاب به يصاب بالخمول الروحي ويصبح مثل البهائم يأكل وينام ويكون غافلا عن كل شيء غير مكترث بشيء، هدفه ملئ معدته فتتفتح فيه الأهواء الأخرى كالدعارة والجشع ومنها يولد الغضب ومنه الحقد والقتل. لأجل هذا كان من واجب النفس أن تُرَوِّض الجسد وتطوِّعه وتعلِّمه ما يجب أن يعمل. الجسد يحتاج لكمية محددة من الطعام في اليوم وعادة يعطى هذه الكمية على ثلاث وجبات. الترويض المسيحي للجسد يتم على طرقين. الطريق الأول أن تأكل طعامك في وقته وأن لا تأكل أو تشرب خارج أوقات الطعام، وعندما تأكل يستحسن أن تقطع الطعام وفيك شيء من الجوع. الطريق الثاني هو الصيام. الصيام هو الطريق الملكي والمنهج الملائكي والتعليم الإلهي. الرَّب يسوع المسيح تبارك وتقدس اسمه صام قبل بدء بشارته الأرضية المعلنة، وبصيامه وانتصار ناسوته (أي فيما هو إنسان) على الشرير بعد صومه علّمنا هذا الطريق الملكي. فعليك يا أخي بالصيام فهو يطوّع الجسد الجامح وهو طريقك إلى استئصال النهم ومُبعدك عن رذائل الشهوة. الصيام يُذكرك بالفقراء. الصيام يُعلِّمك الرحمة. الصيام يُريك كيف تجد القوة في الضعف والأمل في اليأس.

٧- اعلم أيها الأخ الصالح أن الآباء علّموا أن الصيام ليس مجرد انقطاع عن الطعام. فصيامهم كان يبدأ بعد الغروب ويستمر حتى بعد العصر من اليوم التالي ثم كانوا بعد صيامهم يأكلون وجبة واحدة بسيطة.

٨- أما أي طعام يحلّ لك وأي طعام يحرّم عليك فنقول لك يا اخي ما قال الرب يسوع المسيح المخلص تبارك وتقدس اسمه ﴿ليس ما يدخل الفم ينجس ولكن ما يخرج من الفم﴾ فافكار النفس الشريرة وتخيلاتها الفاسدة هي سبب نجاسة الإنسان وليس نوع الطعام الذي يأكل. فكل من قال أن لحم هذا الحيوان نجس أو لحم هذا الطير أو ذاك نجس يكون هو النجس بكل ما فيه لأنه يصف ما خلقه الله بالنجس. ألا تعلم أن الكلمة عندما خلق كل شيء نظر إلى خلقه ورأى أنه حسن جدا. الإنسان عند سقوطه بات يرى في مخلوقات الله بسبب معرفته الكاذبة ما هو طاهر وما هو نجس ولكن الخلق الجديد بالمسيح عاد كله طاهر وليس فيه نجس.

٩- لا تكن يا أخي سكيرا ومحبا لشرب الخمر فالسكير يكون ساهيا وتموت نفسه فيه وتتفتح فيه الشهوات الشريرة وتقوده الغرائز الحيوانية فيفقد عقله ويضيع صوابه فيبت يلعن ويسب ويأخذه الغضب فيكره وربما يقتل أو ربما تأخذه نشوة فرح كاذبة فيقع في الزنا والدعارة. شخص كهذا هو شخص ميت قبل موت جسده وقاتل لأنه قتل نفسه بعادته. شخص كهذا لا يدخل ملكوت السموات. ان شربت الخمر يا أخي فاشرب كأسا من الخمر في اليوم، و لا تكن سكيرا فإذا أحسست أن الكأس الواحد سيؤدي بك إلى السكر فاقلع عن شرب الخمر كلياً.

١٠- نعود ونقول إن وراء الأهواء دوافع طبيعية وإن هذه الدوافع هي خيرّة ولكن سوء استخدامها يجعلها أهواء مدمرة، وهذا نتيجة حالة السقوط التي عاشتها الإنسانية بعد خطيئتها الأصلية. الدافع الجنسي هو الدافع الذي وراء الهوى المدمر الثاني، وهو هوى الدعارة والفسق. الدافع الجنسي في الإنسان هو دافع طبيعي ومقدس أيضا إذا استخدم في وضعه الطبيعي. نقول كما أن الشخص الإنساني يحتاج للطعام ليضمن استمرار وجوده بقدر ما هذا ممكن كذلك النوع الإنساني يحتاج إلى الجنس ليضمن استمرار وجوده. الإنسان يحتاج لألة الجسد ليستخدمها في تحقيق المثال في الصورة في هذا العالم، وألة الجسد يستمر وجودها من خلال تكاثرها وهذا يتم بالدافع الجنسي. باستثناء آدم الذي هو بداية للنوع والمسيح الذي هو الخلق الجديد للإنسانية في الإنسانية وبالتالي خلق بناسوته من المرأة من غير فعل رجل، كلُّ واحد من الناس تم وجوده بالجسد نتيجة للدافع الجنسي ونتيجة التصاق الرجل بالمرأة. سوف نختلف هنا بالظاهر فقط مع آراء بعض الآباء فنقول: إن تكاثر الإنسان عن طريق الجنس لم يكن بسبب السقوط والخطيئة بل إنه كان مقدرا هكذا حتى قبل السقوط. الكتاب المقدس يقول: ﴿خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم وباركهم وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض﴾ هذا كان في البدء وقبل السقوط، وأيضا قبل السقوط الكتاب المقدس يقول ﴿لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويصيران جسدا واحدا﴾. لغويا الشيء يلتصق بما يحب ويصير واحدا مع ما يحب وهذا هو الحب بأعلى درجاته، الحب المسيحي كما يجب أن يكون. فحب الرجل لإمرأته و المرأة لرجلها هو نمط ومثال لحب الكلمة للإنسان، الكلمة الذي تجسد ووحّد لاهوته بناسوتنا لأنه أحب الإنسان. وكذلك يجب أن يكون نمطا لكيفية حب الإنسان لّله حب بكل نفسه وبكله كيانه وبكل قوته حب تنمحي فيه ذاته في ذات محبوبه فيصير واحدا معه. السابقون وتحت تأثير الفلسفة الأغريقية قالوا الحب ثلاثة أنواع ألفة و محبة و جنس(أو شهوة) ونحن نقول أن هذا الكلام صحيح وأن الحب بتمامه يكمل بالثلاثة لأنها جوهر واحد وهو الحب، و هذا يأخذ كماله في محبة الإنسان لّله حيث يندمج الثلاثة فيصبحون واحدا، وكذلك بمحبة الرجل لإمرأته والمرأة لرجلها فيصيران واحدا. القدماء لم يعرفوا كثيرا كيف يتشكل جسد الإنسان في رحم المرأة ولكننا اليوم نعرف هذا؛ الرجل والمرأة يتحدان فعلا ويصبحان خلية واحدة وهي بدورها تصبح انسانا جديدا. بعد ذكر كل ما سبق نعود فنقول أنَّ الكلمة قال أنه خلق الإنسان ذكرا وانثى، لم يقل أنه خلق الإنسان ذكرا وإناث ولم يقل أنه خلقه أنثى وذكورا، بل قال ذكرا وأنثى. ثم عاد فقال لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، لم يقل يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بنسائه وكذلك لم يقل تلتصق المرأة برجالها، بل قال يلتصق الرجل بامرأته وهذا ما اراده الله، الرجل لامرأته والمرأة لرَجُلِها. الجنس يتحول إلى هوى ودعارة عندما ينحرف عن استخدامه الطبيعي الذي قرره له الكلمة. حالة السقوط حوَّلت الجنس إلى هوى من الأهواء، فبات الرجال والنساء يتَّخذون الجنس كمصدر للَّذة العابرة ومجال للتسلية، وبات الرجل يأخذ العديد من النساء بحياة امرأته وبعد موتها، وباتت المرأة تسعى لغير رجلها بحياته وبعد موته، وبات الرجل يترك امرأته والمرأة تترك رجلها، وأوجدوا الطلاق، وبات الرجال يدفعون المال ثمنا للحصول على لذَّة الجماع العابرة من نساء وظَّفن أجسادهن لكسب المال من الدعارة. ثم بات الرجال يسعون وراء الرجال، والنساء وراء النساء للحصول على لذِّة الجماع وباتوا في عارهم وسقوطهم يشوهون ما خُلِقَ فيهم مقدسا. من كل ما سبق نرى كيف تحول دافع مقدس إلى هوى مميت للجسد والنفس. الكلمة وآدم الجديد أعاد بالخلق الجديد الجنس إلى وضعه الطبيعي. فالرجل يحب امرأته ويلتصق بها والمرأة تحب رجلها وتلصق به. لا يسعى الرجل وراء امرأة أخرى سواء في حياتها أو بعد موتها، وكذلك المرأة تحب رجلها و تلتصق به ولا تسعى وراء غيره سواء في حياته أو بعد موته. هذا هو تعليم الكلمة أن يحب الرجل امرأته كنفسه والمرأة تحب رَجُلَها كنفسها ويصيران جسدا واحدا، وتكون لذَّة التصاقهما الجنسي أزلية تَكْمُل بمحبتهما واتحادهما، ويكون ما جمعه الله لا يفرِّقُه انسان. ورغم أن بعض الآباء برأفتهم بضعف البشر حللوا اشياء كمثل أن يتزوج الرجل أخرى إذا ماتت امرأته أو أن تتزوج المرأة آخر إذا مات رَجُلَها أو يطلقوا الرجل من امرأته أو المرأة من رَجُلِها أو أن يلغوا الزواج ويقولوا كأنه لم يحصل وغيره. نقول نحن هذا كله تعليم واجتهاد بشر وهو لا يعنيك أيها الأخ الصالح لأنك وإيانا تطلب ملكوت السموات وتتبع تعليم الكلمة الذي قال لنا ان نكون كاملين كما أبونا في السماء كامل. فعليك بمحبة زوجتك إن كان لك زوجة، وعليك بعدم طلب غيرها، عليك بالعفة وعدم النظر إلى امرأة غير زوجتك لتشتهيها لأن مجرد شهوتك هي زنا، وكن كاملا بكل ما تعمل.

١١- أمَّا إذا قال أحدهم ما قولكم في ما فعل آباء العهد القديم، إبراهيم الذي اتخذ ثلاثة زوجات ويعقوب الذي اتخذ زوجتين أختين وأمتاهما وغيرهم مثل داوود و سليمان؟ لهؤلاء نقول إن كلَّ آباء العهد القديم كانوا يعيشون تحت حالة السقوط، ولم يكن قد تمَّ على عهدهم الخلق الجديد بالمسيح. لهذا فإن كثيرا مما فعلوا في حياتهم الشخصية كان خاطئا وتحت لعنة السقوط. و إن ما بررهم كان إيمانهم. أمَّا فيما يتعلق بسيرتهم الشخصية في ما خلى الإيمان ومحبة الله فإننا لا نأخذهم كمثال، لأننا ومنذ تجسد وصلب وقيامة مخلصنا نعيش في الخلق الجديد وكما قال الرب لا يمكن أن نضع الخمر الجديدة في وعاء قديم لئلا ينشق وتنصب الخمر بل نضع الخمر الجديدة في وعاء جديد. خمرنا الجديدة هي خلاصنا بالرب الكلمة يسوع تبارك وتقدس اسمه ووعائنا الجديد هي تعاليمه السماوية وسيرة آباء العهد الجديد، فعليها نسير وعليها نقيس لهذا قلنا ما قلنا عن أنبياء الكذب فكلهم ادعى النبوة وعلّم بعد الخلاص الذي حصل بيسوع المسيح وبالتالي فإن المقياس الذي نمتحن رسالتهم به هو مقياس المسيح وعلى هذا المقياس نرى كذبهم.

١٢- وبعد يا أخي نحب أن نضيف كلمة هنا قبل أن نتابع حديثنا عن بقية الأهواء، وهذه الكلمة هي عن كون الإنسان ذكر وأنثى والسؤال الذي يطرحه البعض، أن أيهما أفضل عند الله؟ وخاصة أن أتباع الكذّاب يدعّون أن الله فضل الذكر على الأنثى. فنقول: أنه لا فضل لذكر على أنثى أو لأنثى على ذكر بل كلاهما سواء أمام ربهم من حيث أنهم إنسان ووعي إنساني. أما إذا سألت يا أخي أنه لماذا يقول الكتاب المقدس بالوحي أن الكلمة خلق حواء من آدم وليس آدم من حواء، ولماذا تجسد الرب الكلمة بناسوته كرجل ذكر وليس كأنثى، ولماذا لا نكرّس النساء للكهنوت؟ على كل هذا نجيب فنقول: أن اللاهوتي كاتب الكتاب المقدس كان يشير بوحي الروح القدس إلى أشياء لم يكن يحيط بها علما بذاته. نحن نعلم اليوم يا أخي و نقبل من غير جدل ما يقوله علم الأحياء عن التكوين الصبغيّ لخلية الذكر وخلية الأنثى، وبناءً عليه نقول أن خلية الذكر تحتوي بذات صبغياتها بالقوة الذكورة والأنوثة بينما خلية الأنثى تحتوي بذات صبغياتها بالقوة الأنوثة فقط. إن دليل ما قلنا وبرهان ما ذكرنا في كتب الأحياء وعلم الخلية فعليك بها يا أخي هناك. ولكننا نشرح هذا هنا بإيجاز لإيضاح ما قلنا. علم الأحياء يقول بناءً على كثير من البحث أن خلية الإنسان تحتوي في نواتها ستة وأربعين صبغيا تحتوي كل المعلومات التي تحدد شكل ولون وجنس صاحبها وصفاته، وإن الصبغيات التي تحدد الجنس هي زوجين يرمز لها في خلية الأنثى ب(س،س) وفي خلية الذكر ب(س،ع) وعندما تنقسم هذه الخلايا الإنقسام المُنَصِّف السابق للتكاثر تنتج من خلايا الأنثى خليتين، الصيغة الصبغية لكلتاهما (س)، أما خلية الذكر فتعطي بعد الإنقسام المُنَصِّف خليتين الصيغة الصبغية لأحداهما (س) وصيغة الأخرى (ع). الإنسان الجديد يتشكل عندما تتحد خلية من الإنقسام المنصف من الذكر مع خلية من الإنقسام المنصف من الأنثى. ومما سبق وقلنا ترى يا أخي أن خلايا الأنثى كلها تحمل صيغة واحدة وهي (س) وعندما تتحد مع خلية من الذكر تحمل نفس الصيغة أي (س) فإنها سوف تنتج أنثى أما إذا إتحدت مع خلية ذكر صيغتها (ع) فإنها تنتج ذكرا. فإذا افترضنا يا أخي أنه كان في العالم ذكر واحد فقط وأردنا سواء باستخدام الإستنساخ أو غيره أن ننتج منه النوع الإنساني فإن ذلك ممكن من غير عناء كبير لأن الذكر يحتوي في داخله المادة الصبغية لإنتاج نفسه والأنثى. أما الأنثى فلا يمكن أن تنتج من مادتها الصبغية سوى الأنثى. فاعتبر يا أخي وتفكر تَتضح لكَ الأمور. فعندما تقرأ في الكتاب المقدس أن الله بكلمته خلق آدم ثم أخذ منه ضلعا وخلق منه حواء تفهم ما رمز له اللاهوتي. نعود ونقول: أن الذكر يحتوي في ذاته النوع كله ولهذا خُلق آدم أولا ثم حواء والرب الكلمة تجسد رجلا وهو آدم الجديد ولهذا نكرّس الذكور فقط للكهنوت. أما إن كان الذكر مفضلا عن الأنثى فنقول أن آدم يحتوي حواء ولكن آدم الجديد تجسد من أنثى، فما كان ناقصا في الأنثى كمّله التجسد. وفي المسيح كل الجنس الإنساني أصبح واحد كما قال معلم الأمم.

١٣- عندما فشل المجرب بإيقاع آدم الجديد مستخدما هوى النهم لجئ إلى الهوى المدمر الآخر، فأخذ المجرب الرب إلى جبل عال و أراه جميع ممالك العالم و مجدها و قال له "هذه كلها أعطيك إذا خررت و سجدت لي" فأجابه الرب ﴿أذهب يا شيطان! لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد و إياه وحده تعبد﴾. الطمع وحب جمع المال والمقتنيات يولد من الهوى الأول أي النهم ثم يتطور ليأخذ كيانا مستقلا. وعندما يتمكن هذا الهوى من الإنسان يسيطر عليه ويوجه كل ذرة من كيانه ووجوده لخدمته وينتهي بضحيته إلى الدمار والخسران. انظر يا أخي وتفكّر واعتبر كيف أن معظم الناس الذين يقعون تحت براثن هذا الوحش المفترس يقضون نهارهم وليلهم في الجري وراء جمع المال وتكديس المقتنيات تلك التي يحتاجون إليها وتلك التي لا حاجة لهم بها. يأكلهم القلق كل أيام حياتهم، يتسألون كيف نؤمّن مستقبلنا ومستقبل أولادنا، كيف نحصل على المقتنيات الحديثة كيف نجمّع الذهب والفضة، كيف نشتري العربات الفاخرة السريعة كيف نشتري أحدث الأجهزة من هواتف نقالة إلى أجهزة تلفزيون ذوات الشاشة العريضة الطويلة، الحلي والساعات، وغيره كثير مما لا يحتاجون إليه. فيقضون عمرهم في العمل والجمع والتخزين مثل النمل لا يرفعون رؤوسهم من الأرض خشية أن يفوتهم جمع مزيد من الفتات. هؤلاء مَثَلُهم كمثل من يركض على بساط متحرك، يركض ثم يركض ويبقى مكانه لا يتحرك. ثم يأتيهم الموت ساعة لا يعرفون وفي وقت لا ينتظرون فينتهي وجودهم ويبقى ما جمعوا، فيأخذه آخر ويكون سعيهم هباء ومصيرهم باطل، أضاعوا كل جهد أبدانهم وفكر عقولهم في جمع ما لا يفيد. والذين أشقى وأتعس هم الذين يقعوا تحت براثن الطمع من غير أن يكون لهم الوسيلة ليجمعوا بها المال والمقتنيات هؤلاء الذين نسميهم محتاجين. فهؤلاء يريدون الجمع والتخزين مثل السابقين وأكثر ولكنهم وبسبب ضعفٍ في أبدانهم أو نقصٍ في عقولهم لا يستطيعون أن يجمعوا الشيء الكثير فيقضون أيام حياتهم في تعاسة واكتآب، ينظرون إلى الذين جمعوا فيحسدونهم ويتحسروا ويلعنوا ويقولوا ليت كان لنا ما لهم وآه كم كنّا سنكون سعداء لو كان عندنا ما عندهم. نقول يا أخي: هؤلاء هم أتعس التعساء يموتون في نقصهم وطمعهم حتى من غير أن يحصّلوا الوهم الذي حصّله الطمّاعين الذين جمعوا الهباء. اعلم يا أخي أن الإنسان الطمّاع يوجِد الحاجة بطمعه ثم يبيع نفسه لها ويعيش تحت عبوديتها. الإنسان الطمّاع دائما محتاج مهما جمع من مقتنيات، وكلما جمع أو كلما أُعطي طلب أكثر ولا يملؤه شيء، إنه صورة عن الشرير الدائم النقص. يسألنا البعض؛ فما قولكم في احتيجات الإنسان اليومية؟ لهؤلاء نقول أي احتياجات تعنون؟ إن كنتم تشيرون إلى الطعام و الشراب والكساء فهذه لا ندعوها احتياجات بل ضرورات يومية وهي متوفرة للجميع من غير كثير عناء. فيعودوا فيسألوا، إن كان الأمر كما تقولون فلم نرى في هذا العالم فقرا مدقعا وجوعا وبؤسا، فهناك من لا يجد قوت يومه ولا يجد ما يستر به عُرْيَه؟ لهؤلاء السائلين نقول ان الطمع وحب الجمع والشح هي وراء كل ما ذكرتم. فإذا سألوا كيف؟ نقول:اعلموا أن الوجود الإنساني هو وجود واحد، وأن الإنسان كشخص أو كنوع ليس مستقلا أو معزولا عن جنسه الإنساني. مما سبق نعلم أن ما يُعانيه الشخص أو مجموعة من الأشخاص هو نتيجة لأعمال واختيار الجنس الإنساني كله. الطمع هو مرض يصيب كل الإنسانية فكما أن هناك أشخاص طمّاعين كما سبق ووصفنا هناك فئات طمّاعة ومجتمعات طمّاعة ودول طمّاعة وممالك طمّاعة ومجموعة دول طمّاعة بالغا ما بلغ حتى تشمل الإنسانية بأسرها. فإذا أخذنا أمثلة من مختلف بقاع الأرض في مختلف الأحقاب والأوقات ودرسنا وبحثنا عن سبب وجود المجاعات والنقص في الضروريات نجد أن ورائها الطمع وليس النقص. فها هي قصة يوسف بن يعقوب في مصر وهي قصة معروفة في الكتاب المقدس. في هذه القصة نقرأ أن مجاعة أصابت منطقة مصر وأرض كنعان، ولكن قبل هذه المجاعة كان هناك فترة رخاء خلال تلك الفترة جمّعت مملكة مصر الفرعونية كثيرا من الفائض أكثر بكثير مما تحتاجه المملكة نفسها لفترة طويلة، وعندما حدثت المجاعة وشعر المصريون وسكان كنعان بوطئتها وسمعوا أن في مصر فائض من الضروريات، توافد الناس لطلب شرائها فبيعت لهم من قبل فرعون ويوسف الذي كان قد نصّبه وزيرا بأثمان باهظة فأولا أخذ منهم مقتنياتهم مقابل الغذاء الذي أعطاهم ثم أخذ منهم أراضيهم ثم بعد هذا أخذ منهم أنفسهم حين جعلهم عبيدا لفرعون مقابل إعطائهم الغذاء. ألا ترى يا أخي كيف أن الطمع هو الذي دفع الإنسان لاستغلال أخيه ولاستعباده وليس بالضرورة النقص. وإن قيل ألم يكن تخزين مصر للضروريات بسبب رؤيا فرعون التي فسّرها له يوسف بن يعقوب بوحي إلهي؟ نقول: الرؤيا والتفسير كانت إلهية ولكن المشورة والعمل كان من الناس وكان تحت حالة السقوط وبدافع الطمع. لأنه كان يمكن ليوسف ولفرعون أن يطعموا الجائعين من غير استعبادهم. وبالنتيجة وبسبب اختيار يوسف واخوته أن يعملوا بتلك المشورة مع فرعون ويستعبدوا الجائعين مقابل إعطائهم الطعام دارت الدوائر وبات أبنائهم مستعبدين في مصر. القصة التي ذكرنا تعيد نفسها كل يوم في عالم السقوط والخطيئة. ألا ترى يا أخي كيف أن كثيرا من الناس يخزّن أكثر من حاجته وأخيه وجاره يعيش تحت الفاقة والنقص! ألا ترى كيف أن هناك دول تملك الكثير الكثير تخزن الفائض وربما تتلفه حتى لا تنقص أثمانه وهي ترى دولا وشعوبا ليس لديها ما تسد به جوعها فلا تكترث بها، وإن أعطت فإنها تعطي بقروض مجحفة وبشروط توقع شعوب تلك الدول تحت العبودية تماما كما استعبد فرعون الجياع مقابل إعطائهم ما يسدون به رمقهم. بل وأكثر من هذا ترى تلك الدول تنشئ الجيوش وتنفق الأموال الطائلة على تسليحها بأحدث أدوات القتل والدمار حتى تتمكن بواسطتها أن تأخذ القليل الذي عند الدول المعدمة! فما قولك يا أخي؟ ألا ترى معنا أن هوى الطمع وحب المال والتملك هو الذي يقف وراء كل نقص، وأن هذا ليس ناتج عن نقص الضروريات بل عن طمع و جشع الإنسانية الساقطة؟هذا هو الهوى المدمر الذي يعيث فسادا في نفوس الناس في عالم السقوط. هذا الهوى الذي يَنْشَئُ من هوى النهم ثم يأخذ كيان وحش مدمر. إن استئصال هذا الهوى هو ضرورة حتمية لمن أراد أن يدخل الملكوت. أمّا إذا سألت، كيف يتم ذلك؟ نقول: قال الرب يسوع تبارك اسمه وتقدس فوق كل اسم على الأرض أو في السماء أو فوق السماء قال ﴿لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأُ، وينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقّب سارقون ولا يسرقون، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك﴾ وأيضا عندما علّمنا الرب أن نصلي علّمنا أن نقول ﴿خبزنا كفافنا اعطنا اليوم...﴾ وأيضا قال ﴿لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وما تشربون ولا لأجسادكم ما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من الملابس؟ انظروا إلى طيور السماء: إنَّها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السَّماوي يقوتها. ألستم أنتم أفضل منها؟ ومن منكم إِذا اهتمَّ يقدر أَن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ ولماذا تهتمون بالملابس؟ تأَمَّلوا زنابق الحقل كيف تنموا! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم: إِنه ولا حتى سليمان في مَجده كان يلبس كواحدة منها. فإِن كان عُشبُ الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنور، يُلبسه الله هكذا أفليس بالأولى أن يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فهذه الأشياء كلها تطلبها الأمم. وأباكم السّماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبرّه وهذه كلُّها تزاد لكم.﴾.

- أعلم يا أخي أن تعبيرالأمم (عممي) في اللسان الأرامي الذي تكلم به ربنا يسوع تعني الغير مؤمنين الذين هم خارج الملكوت فهي لا تعني عرق أو جنس من البشر دون غيره.

- إنك ترى يا أخي أن إكسير الخلاص من براثن هوى الطمع قدأُعطي من قبل الرب ولا طريق غير هذا للخلاص من براثنه. وفي حال أنك قرأت كلام الرب ولم تفهمه نوضح لك أكثر فنقول: حتى تتمكن من القضاء على هوى الطمع يجب أن تتخلى عن طلب أي شيء مادي بل تكتفي بقوت يومك الذي يمكن لك الحصول عليه بقليل من الجهد والعناء. تقول كيف؟ نقول: إن كان الله قد أعطاك قوة وعقلا وتعلّمتَ في صباك مهنة أو صنعة يمكنك من خلالها أن تؤمّن ما قل من الطعام وكان بسيطا ومكان تنام فيه. واعلم أنك عندما تكون بالمسيح فإنك يجب أن تكون تسعى لتحقيق الكمال في كل شيء تفعله، فأي مهنة أو صنعة تحسن عندما تقوم بها تبذل قصارى جهدك وتكون أمينا وصادقا وتعامل الناس كما تحبهم أن يعاملوك، فإن كنت هكذا فإن الناس سيأتون إليك لطلب الخدمة التي تؤمنها لهم مهنتك وسوف يعرفون أنك صادق وأمين، لأنه ليس هناك شيء مخفي إلّا سيظهر، وعندها سوف يعطونك حقك بطيب خاطر وسوف يكون عندك ما تحتاج أنت وأولادك وأكثر، فما تحتاج هو لك ولعيالك والأكثر منه لكل من يطلب منك، ولكل محتاج. وأمّا إذا قلَّ ما يعطى لك فإنه سيبقى كثيرا وأكثر مما تحتاج ما دمت راض به من غير تذمر وأسى. فسواء كنت خبازّاً أو بنّاءً أو مهندسا أو طبيبا، أم إذا كنت تاجرا أو معلما أو أي مهنة خلا ما فحش وكان من الشرير فإنَّ ما قلنا سوف يحصل لك. نحن نقول يا أخي ماقلنا عن معرفة وتجربة والأمثلة التي عندنا أكثر من أن نعدّها. وإن قال قائل أن عنده أمثلة تناقضها نقول له هاتِها فقد سمعنا هذا من قبل و في كل مرة كانت أمثلتهم مليئة بالطمع المتخفي بالحاجة والنقص. فانتبه يا أخي ولا تسمع لهؤلاء. استئصل الطمع ولا تستعبد نفسك له فهو سيد جائر وعديم الرحمة يعذبك كل أيام حياتك وينتهي بك الى الموت الذي لا حياة بعده. وإياك أن تكون يا أخي واثقا أنك انتصرت عليه حتى لحظة موتك، فهو عدو مخادع ويأتيك بأسماء عديدة وتظاهرات كثيرة، فكن واعيا ومراقبا لقلبك حتى لا تقع في براثنه. الطمع قد يأتيك متخفيا بزي المحب للفقراء فيقول لك أنك يجب أن تعمل ليلك ونهارك في جمع المال حتى تعطيه للفقراء. فإن جائك الطمع بهذا الزي تذكر انك لا تحتاج إلى الكثير لتعطي للفقراء اقرأ يا أخي قصة الأرملة الفقيرة التي أعطت الفلسين وماذا قال عنها الرب تبارك وتقدس. اعلم يا أخي أن الرب الذي دعانا إلى الخلق الجديد عندما تجسَّد لم يكلف أيّاً منّا أن يُنهي حالة السقوط في الأخرين، ولكن طلب منّا أن نبدأ كل واحد بنفسه، وعندما يتم لنا ذلك يضيئ نورنا أمامنا ويراه الأخرين ويمجدوا أبينا الذي في السموات. فإذا اردت انهاء الطمع فابدأ بنفسك وانته بنفسك وعندما يراك أبناء الملكوت يعرفونك وتعرفهم ويتبعونك وتتبعهم لأنّ جميعنا يتبع المسيح الحق تبارك وتقدس. انتبه يا أخي عندما يأتيك الشرير فيقول لك أنك مسؤول عن خلاص الفقراء والكادحين وحتى تساعدهم عليك أن تلعن الأغنياء وتأخذ على عاتقك الأخذ منهم لتعطي للفقراء وعليك أن تفعل هذا وتقول هذا فتقع بحسن نيتك في فخه ويحولك إلى حاقد غاضب وربما قاتل. إذا أردت يا أخي أن تقف على حقيقة ما قلنا وبرهان ما ذكرنا فعليك بكتب التاريخ فاقرأ ما جرى في القرنين الماضيين. أما أنت يا أخي وبعد أن استنرت بنور الكلمة ونعمة الروح فإنك بت تعرف أن الجمهورية الطوباوية لن تقوم ما دام عالم الفساد والسقوط قائما. فحتى ولو بدا للبعض من المغفلين وصغار العقول أنه ممكن أو قائم في وقت من الأوقات فاعلم أنه ليس كذلك. واعلم أنه لن يكون حتى ينتهي عالم الفساد والسقوط كما نراه وهذا هو المجيئ الثاني لربنا وملكنا ومخلصنا. وأمّا إذا سألت متى يكون هذا؟ نقول لك لا نعرف ولا أحد يعرف وإن ادعى أحد أنه يعرف وأخذ بتفسير العلامات فقال إن النهاية ستكون في عام كذا وفي يوم كذا ومكان كذا كما فعل ويفعل كثير من الأفّاقين، فاعلم أنه كاذب ومن الشرير ولا تسمع له ولا تتبعه. أما إذا سألت ما هو معتقدنا في نهاية عالم السقوط والفساد هذا فنقول: نحن نقيم في هذا العالم إقامة مؤقتة مجرد زوار لا نملك فيه شيء ولا نسعى أن نملك فيه شيء، ما نطلب هو ملكوت الله وبرّه. بالنسبة لكل واحد منّا العالم ابتدأ يوم ولادته وينته يوم موته، ونعلم أن موتنا هو مجرد موت للجسد وأن أنفسنا باقية مع الرب إلهنا فنحن نحيا به، ونحن نكون هكذا على رجاء القيامة الكبرى أو الكلية ولكن لا نسأل متى ستكون أو بأي شكل لأننا نصدق الرب ونعيش في ملكوته منذ يوم ولادتنا الجديدة، فلسنا بحاجة لبرهانٍ على ما نرى و نعيش.

١٤- الأهواء تبدأ أهواء في الجسد وتتعلق فيه كما سبق وأشرنا ثم من أهواء الجسد تلد أهواء النفس وتأخذ كيانها. أهواء النفس لا تحتاج إلى الجسد لإستمرارها بل هي موجودة في النفس وتفعل فعلها بها، ولا تحتاج لألة الجسد لتستمر كما هو حال أهواء الجسد. فهوى النهم يستمر ما دامت المعدة سليمة والشهوة للطعام صحيحة ولكن إذا مرض الإنسان بجسده مثل أن يصاب بالتهاب المعدة والأمعاء تعاف نفسه الطعام ويبيت كارها له غير راغب فيه. وكذلك حال هوى الدعارة فهو يبقى ما بقيت ألته سليمة. فالرجل أو الإمرأة يسعيان وراء هذا الهوى إذا كانت أعضاء الجنس عندهما سليمة، فإذا أُصيبَتْ بمرض أو بعطل بطلت الشهوة وبطل معها الهوى. أما هوى الجشع والشح فإنه يبدء في الجسد ورغبته في جمع المقتنيات ولكنه يتطور ليصبح هوى نفس ومنه تلد أهواء النفس الأخرى. فأول أهواء النفس هو الغضب.

١٥- الغضب مجردا من كونه هوى يوجد في طبيعة النفس الحيوانية، وهذا مصدره في الإنسان. نستطرد هنا فنقول أن نفس الإنسان تتألف من ثلاث أجزاء، جزئها الأول هو الجزء الأكثر بدائية ويسمى النفس النباتية، وهذا الجزء يوجد في كل أحياء الأرض من نبات وجراثيم وحيوان بر وبحر وكذلك الإنسان، هذا الجزء من النفس يحتوي دوافع ما هو ضروري لإستمرار المخلوق كشخص وكنوع من خلال أحتوائه لدافع الطعام والجنس أو التكاثر. الجزء الثاني هو ما نسميه النفس الحيوانية وهذا الجزء يوجد في كل الحيوانات العديدة الخلايا المتحركة والتي تمتلك جهازا عصبيا مستقلا عن باقي أعضائها، وهذا الجزء سمي أيضا من بعض الفلاسفة والآباء النفس الغضبية. وهذا الجزء مسؤولٌ عن دافع حماية نفس الشخص والنوع من خلال دافع الخوف الذي يؤدي إلى الهرب وتجنب الخطر أو الغضب الذي يدفع للقتال لحماية النفس أو ما تعتقده أنه مجالها الحيوي كأرضها أو طعامها أو نسلها. والجزء الثالث هو ما نسميه النفس الناطقة أو كما سمّاها البعض النفس المفكرة وهذه ينفرد فيها الإنسان ودرجات الوعي الملائكية والشيطانية. وهذا الجزء مكانه بالنسبة لأجزاء النفس الأخرى هو كمكان الملك المسيطر والذي يوجّه كل أفراد مملكته. نعود فنقول إن هوى الغضب يأخذ بدايته من النفس الحيوانية، فالحيوان أياً كان يغضب إذا شعر أن وجوده مهددا بأي شكل كما سبق وقلنا. وهذا يحدث أيضا في الإنسان فتكون بداية الغضب طبيعية وغير شريرة بالضرورة. الغضب بوضعه الطبيعي يحدث في الإنسان ثم يخضع مباشرة لحظة حدوثه لسيطرة النفس الناطقة التي تلجمه وتدرس اسباب حدوثه وتوجهه لعمل جيد بنّاء وبعيد عن العنف والقتل. مثلا إذا أذاك شخص سواء بعمل أو تصرف تغضب فتأتي نفسك الناطقة فتدرس ما حدث وتبحث عن أسباب حدوثه بتجرد وتوجد الحلول المفيدة لجميع الأطراف من غير عنف أو حقد أو رغبة في الإنتقام من غير صراخ أو لعن أو سب. أما متى يتحول الغضب إلى هوى مدمر؟ فإن ذلك يحدث عندما تفقد النفس الناطقة السيطرة عليه ويصبح هو المسيطر عليها موجها كل قدراتها لخدمة كيانه المدمر. عندها إذا أذاك شخص ما، يأخذك الغضب العارم فتصرخ وتلعن وتضرب وتقتل أو ربما تسكت وترسل كل غضبك إلى النفس الناطقة وتستعبدها وتستخدم كل قوَّتِها المفكرة لتجد وسائل تتمكن بها من الإنتقام من الذي أذاك، فتملئ نفسك الناطقة بالحقد والضغينة وتبيت ترى كل شيء حولك من منظار حقدك ورغبتك في الإنتقام. ما دامت نفسك الناطقة تحت سيطرة الغضب والأهواء الأكثر بدائية يكون وضع حياتك غير طبيعي ومنحرف، ويكون مَثَلُك كمَثَل مدينة يتحكم بها رعاعها وأفّاقيها ويكون ملكها وحكمائها رهائن بيد الرعاع والأفّاقين يجبرونَهم على فعل ما يخدم شهواتهم وخواطرهم فيكون مصير تلك المدينة الخراب. إستئصال هوى الغضب ضروري جدا لكل من يرغب أن يدخل الملكوت. أمّا كيف يتم ذلك؟ فأولا وقبل كل شيء يجب أن تزيل من نفسك أهواء الجسد التي سبق وتحدثنا عنها ثم بعد ذلك تُعيد السيطرة على دوافع نفسك المختلفة إلى نفسك الناطقة. تذّكر يا أخي أن من لا يطلب ملكا ماديا أو مجدا فارغا على هذه الأرض وفي هذا العالم الساقط ليس هناك شيء يستحق أن يغضب عليه حتى عندما يتعرض إلى الأذى من قبل الأخرين. خير لك ألف ألف مرة أن تكون الضحية من أن تكون القاتل. أفضل لك ألف ألف مرة أن تكون من تَعَرَضَ للأذى من أن تكون الذي سببه. الرب يسوع تبارك و تقدس اسمه قال ﴿سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل...، أما أنا فأقول لكم: إنّ من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاٌ عليك، اترك قربانك آمام المذبح، واذهب اصطلح مع أخيك، وحنئذٍ تعال وقدم قربانك. كن مراضياٌ لخصمك ما دمت معه في الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي، ويسلمك القاضي إلى الشرطي، فتلقى في السجن. الحق أقول لك: لن تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير﴾ انتبه أيها الأخ الصالح وكن مراقبا لأفكار قلبك لأنه ما دام فيك ولو رغبة بسيطة للإنتقام أو التشفي عندما ترى الأذى يصيب من أذاك تكون غير مستحق للملكوت. إن هذه المجاهدة صعبة وقاسية وكثيرين هم الذين لا يستطيعون اكمالها لعجزهم عن استئصال الحقد والتشفي اللذان هما ابني الغضب المحببين. إن قال لك أحدهم أن اقتصاص حقك من خصمك هو عدل وشرع إلهي، اعلم انه كاذب. الرب يسوع قال: ﴿سمعتم أنّه قيل: عين بعين وسنٌّ بسن. أمّا أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له ردائك أيضا. ومن سخرك ميلا فاذهب معه اثنين. ومن سألك فاعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده﴾ الكلام كما ترى واضح ولا يحتمل أكثر من تفسير وكل من قال أن هناك استثناء لهذه المعادلة الملكية كان على خطئ ويجب عليه ان يتوب. كل من حلل أن ينتقم الإنسان من أعدائه يكون ضحية لهوى الغضب وعبدا له ولا يكون مستحقا للملكوت. إن من قال أن هناك "حرب عادلة" وعلّم هذا، ليس من المسيح وهو مجرد مدعي. بعض من يتسّمون بالمسيحية وهي منهم براء أوجدوا هذا المفهوم الخاطئ وغيّروا تعاليم الرب حتى يتمكنوا من اشباع أهواء الطمع والغضب، ورغم أن النوايا الظاهرة لمن برر هذا كانت غيرية إلّا أن باطنهم كان مليئا بالغضب وكانوا في خدمة دول وممالك عالم السقوط ومصالحه. والأبشع هم أنبياء الكذب الذين ادعوا على الله الكذب فقالوا عينا بعين، وكتب عليكم القصاص، وغيره من أكاذيبهم من جلد ورجم. هؤلاء أبناء الشرير يريدون إرجاع الساعة للوراء. أيعقل يا أخي أنه بعد أن أعطي لنا ما هو كامل من ربنا وإلهنا يأتي الكاذب ويعلِّم ما هو ناقص وينسب ذلك لّله؟ إن الغضب والإنتقام هي وسيلة الشرير للإستمرار. تسأل كيف؟ فنقول: إذا عدت إلى ما قلنا سابقا في فصل الإيمان عن تعريف الشر وكيف يتم استمرار وجوده تفهم. نعود ونقول: الشر هو النقص، أي حتى يكون شيء شرير يجب أن يكون ناقص الوجود، وحتى يكون كذلك يجب أن يعمل ما يخالف سبب وجوده. إذا قلنا أنّ فلانا يمتلك رداءً اشتراه من السوق، والنسّاج الذي حاك ذاك الرداء كان قصده أن يُستعمل لكساء بدن من يشتريه ويرتديه. فإذا أخذه من اشتراه واستعمله كخرقة لكتم نفس أخيه وقتله، بات ذلك الرداء اداة شرٍّ استعملت لارتكاب جرم. فكما ترى الرداء من حيث هو رداء إذا استعمل للغرض الذي صنع من أجله كان أداة خير، أمّا إذا استعمل في ما يخالف غرض صنعه كان أداة شرّ. كذلك كل درجات الوعي المخلوقة من القوات العديمة الأجساد أو ما نسميه شياطين وملائكة فإنها كلها خلقت لهدف خير، وأعطيت حرية الإختيار مرة واحدة لا ثاني لها. فمن اختار منها أن يعمل بحسب طبيعة خلقها الخيّرة معترفا بعظمة خالقه قابلا لمشيئته سمي ملائكة أخيار وهي درجات عديدة تختلف بكمية المعرفة والوعي الذي وضِعَ فيها من قبل الله. أمَّا من اختار منها أن يعمل حسب مشيئته مخالفا لمشيئة خالقه مفتونا بكمية المعرفة التي وجدها في نفسه، بات يعمل بما هو مخالف لطبيعة خلقه الخيرة وبالتالي صار ناقصا وصار اسمه شرا. في المثل الذي سقنا، الرداء الذي تحول إلى أداة قتل وبات موجودا بشكلٍ يخالف طبيعته التي أُوجِدَ لها وبات ناقصا، حتى يتمكن من أن يؤكد وجوده الناقص يجب أن يحّوِلَ كل رداء آخر إلى أداة قتل ليؤكد وجوده كأداة قتل وليس ككساء للجسد. بكلمة أُخرى يجب أن يعطي نقصه لآخَرْ حتى يضمن استمراره. وكذلك الشر يجب أن يعطي وجوده الناقص لآخر حتى يستمر وجوده. القتل يبقى موجودا ما دام هناك أشخاص يقتلون. والكره يستمر ما دام هناك من يكره. لذلك قال لنا الرب ﴿لا تقاوموا الشر﴾ لأنك عندما تقاوم الشر بالشر حتى لو انتصرت عليه فإنه يستمر من خلاله نقل وجوده إليك، فتصبح أنت هو الشر. لذلك نقول إن كل من علّم أن العدل هو أن تقتص من الشرير بشره يكون كاذبا. إن قال أحدهم إن موسى علّم في التوراة أنّ العين بالعين والسن بالسن، نقول له إن شريعة موسى كانت شريعة السقوط والخطيئة وشريعة المسيح هي شريعةُ الكمال والحياة. شريعة موسى من الأرض للساقطين في الأرض أما شريعة المسيح فهي من السماء لأبناء السماء. لهذا نقول يا أخي إن أنبياء الكذب الذين ادعوا النبوة بعد رسالة المسيح الخلاصية وعلَّموا الإنتقام والقتل والحقد هم أبناء الشرير الذي يريد إعادة تكريس وجوده في الإنسانية من خلال ما أَوحى لهم من تعاليم. روي في الكتاب المقدس أن أحبار اليهود من الكتبة والمفسّرين المعروفين بالفرّيسين أحضروا امرأة زانية أمام الرب يسوع المسيح عندما كان يعلم في هيكل أورشليم، وقالوا له ما حُكْمُكَ فيها مشيرين له أن شريعة موسى تقول أنها يجب أن تُرْجَمْ؟ فأجابهم الرب وقال لهم ﴿من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بالحجر الأول﴾. عندها وتحت وطئة ضمائرهم لم يجرؤ واحد منهم أن يرمها بحجر وتركها الجمع وحدها، فلما رأها الرب وحدها قال لها أين هم الذين كانوا يشتكون عليك، ألم يدينوك؟ فقالت له لا. فقال لها: ولا أنا أُدينكِ. اذهبي ولا تخطئي بعدها. ترى من هذه القصة يا أخي شريعة المسيح السماوية، وهي تُنْهي وجود الشر لأنها لا تَسْتَعمل طريقه. فلا هو أيَّدَ رَجْمَها، ولا هو بَرَّرَ خَطَأها بل علّم الجمع أن يبدأ كل واحد بمحاسبة نفسه وعلّم الخاطئة أن تترك الخطيئة وأن لا تعود لها، ولم يسمح بالقتل والرجم الذي هو طريق الشرير.

١٦- الغضب هو الهوى الذي تنشئ منه باقي أهواء النفس وهو كما قلنا موجود في النفس الحيوانية وكأنه قائم في الوسط ويعمل كعقدة وصل بين أهواء النفس النباتية المتعلقة بالجسد وأهواء النفس الناطقة.

١٧- أهواء النفس الناطقة أربعة أولها الإكتئاب واليأس وهذان هما هوى واحد. هذا هو الهوى الأول الذي يعمل في النفس الناطقة ويوقِف تقدمها الى مقام التأمل الّاهوتي ويوقعها في الحضيض ويُبعدها عن الحقيقة. هنا يا أخي يجب أن تفرّق بين الحزن والإكتئاب فالحزن هو حالة طبيعية ومفيدة وبوضعها المثالي هي حالة مقدسة لا يمكن لمن يجهلها أن يدخل الملكوت. الرب يسوع المسيح تبارك و تقدس اسمه قال ﴿طوبى للحزانى فإنهم يعزَّوْن﴾ فإن سألت من هم هؤلاء الحزانى اللذين باركهم الرب؟ نقول: إن النفس عندما تستيقظ من نوم غفلتها وتنظر إلى نور نفسها وتبدأ بفهم نُبل مبدئها، تنظر حولها فترى عالم السقوط والخطيئة وتفهم أنها هي نفسها غارقة فيه، فتبدأ هذه النفس المستنيرة بنورها بالتأمل والبحث عن مبادئ الأشياء المحسوسة ومنها تنتقل للسؤال والبحث في مبادئ الأشياء الغير محسوسة، من هذا المقام تبدأ بالفهم أن وراء كل شيء خالق عظيم وصانع حكيم. فتبدأ بالبحث عن جوهره فتعجز أن تفهمه بقوة ذاتها عندها يأتيها العون من خالقها فتعلم أن لا خلاص لها من دونه، فتسكن و تهدأ. وعندما تعود فتنظر حولها وترى عالم السقوط الذي تقيم فيه وترى ضلال وخطئ من يعيش فيه، تصاب بالحزن، ولكنَّ حُزْنَها هذا رغم مرارته هو أحلى من العسل لأنه حزن ممزوج بالأمل المبني على الوعد الصادق الذي أعطاه لها خالقها، الوعد بالخلاص، وهكذا يكون نهاية حزنها هو العزاء وعزائها يأتي من خالقها نفسه، لذلك سمى روحه القدس أيضا الروح المعَّزي. هذا هو حال الحزن المقدس الذي باركه الرب والذي قلنا أن من يجهله لا يصل إلى الملكوت. الإكتئاب هو حالة مدمرة وهوى من أهواء النفس الناطقة كما قلنا وهو يحصل في النفس عندما تعجز عن الوصول إلى ما تطلب من ممتلكات ومقتنيات أو مجد فارغ. عندها يأخذها ما يشبه الحزن ولكّنه حزن خبيث لأن ما يمازجه هو اليأس، والمصاب به لا أمل له ونهاية حزنه الموت. الإكتئاب يمكن أن يصيب الطالبين لطريق الخلاص عندما يكون إيمانهم مبني على أوهام الآراء الفاسدة والتعاليم المدمِّرة. وعادةً عندما يصيب الإكتئاب هؤلاء الطالبين الضالين تكون نهايته أكثر دمارا. ولكن الإكتئاب يصيب كل نفوس الناس الغارقين في بحر عالم السقوط. إننا نعلم يا أخي أن نسبة حدوث ما يسمى بالإكتئاب المرضي يزداد بشكل واضح في المجتمعات الإنسانية التي تنعم بالرخاء المادي. وكلما زاد الرخاء المادي كلما زاد الإكتئاب. والسبب هو أن الإنسان الضال يبني سعادته على أملِ الحصول على المال والمقتنينات والمجد الفارغ فيعمل ليله ونهاره ليُحَصّل ما يريد وعندما يحصِّلهُ يكتشف هبائه وفراغ حياته فيكتئب أو يعلق أمله على مزيد من المقتنيات فيعمل أكثر لتحصيلها ليجد نفسه بعد ذلك في فراغ أعمق واكتئاب أكبر. أبناء السقوط في هذا العالم الغارقون في جهلهم والذين يحاولون أن يفسروا كل شيء بناء على المادة المحسوسة والذين ينكرون النفس الإنسانية والوعي الإنساني ويقولون أن مايسمى نفسا هو مجرد تظاهر للجسد ولجهازه العصبي. هؤلاء قضوا أوقاتً غير قليلة يدرسون وظائف الدماغ والجهاز العصبي محاولين إيجاد تفسير لكل حالة من الحالات التي تصيب النفس. فلما درسوا الإكتئاب قالوا هو ناتج عن خلل في التوازن في كمية النواقل العصبية والتي هي معقدات كيميائية في الدماغ مسؤولة عن تنشيط أو تثبيط الدماغ مثل الدوبامين والأدرنالين والسَريتونين. ثم عادوا فقالوا أننا يمكن أن نستعمل عقاقير نتحكم بواسطتها بكمية تلك النواقل في الدماغ ونعالج الإكتئاب. فرَّكَّبوا كثيرا من هذه العقاقير وأعطوها للمكتئبين فتحسّن حال بعضهم ولكنهم باتوا تحت رحمة تلك العقاقير يعيشون حياتهم مثل الآلات التي لا حياة فيها. إن مَثَلَ من درس الإكتئاب من تلك الجهة هو كمثل ميكانيكي يصلح السيارات، قضى وقته في دراسة محرِّكِها وتفاصيل كيفية عمله، ولكنه في جهله غاب عنه أن للسيارة سائق يقودها وأنه يأخذها على طرق مختلفة ربما كان بعضها وعرا وسببا في تعطل المحرك. وبسبب فشله في التعرف على العامِلَين الأهم وهما السائق والطريق يكون إصلاحه دائما غير كاف لأن الأولى به كان تعليم السائق وإرشاده إلى الطريق الأمين والغير وعر وتعليمه كيف يعتني بسيَّارته وكيف يقودها بشكل مناسب وصحيح. كذلك يا أخي إن الجسد وجهازه العصبي هو مجرد آلة للنفس ومن جهل النفس لا يمكن له أن يعيد آلتها إلى الصحة. النفس ليست تظاهر للجسد توجد بوجوده وتبطل بموته. النفس لها وجود مستقل عن الجسد ووجودها يفوق وجوده ومن جهل هذا جهل كل شيء وسيبقى متخبطا يتبع أوهام المعرفة الكاذبة. نحن لا ننكر يا أخي الحقائق المادية التي يتحدث عنها هؤلاء بل نؤكد بعضها ونضع علامات استفهام على أخرى، فنحن يا أخي ندرس العالم المخلوق المحسوس أيضا ونطلب من إخواننا أن يدرسوه، ولكن ندرسه ونفهمه بناءً على فرضيات صحيحة حتى نتمكن من الوصول إلى نتائج صحيحة. ألم تقرأ يا أخي كيف أن الحكماء القدماء والفلكيون درسوا الكواكب والنجوم وحركتها ووضعوا لها الخرائط وكانت من الدقة بكفاية أن يستعملها من كان يهتدي بالنجوم في سفره. ولكنهم بنوا كل ملاحظاتهم على افتراض خاطئ وهو أن الأرض هي مركز العالم وأن الكواكب تدور حولها، لذلك اليوم وبعد أن عرفنا أن الكواكب والأرض تدور حول الشمس بتنا نسخر منهم ولا ندرس كتبهم رغم أن بعض ملاحظاتهم كانت صحيحة ولكن خطئ افتراضهم أبطل مصداقياتها. أما كيف يمكن للإنسان أن ينتصر على الإكتئاب فنقول: ما دام الإنسان يطلب ملك ومجد عالم السقوط والخطيئة فإنه سيكون فريسة سهلة لهذا الوحش ولن يتمكن من الإنتصار عليه. الطريق للإنتصار على هذا الهوى هو أولا الإيمان الصحيح المبني على المعرفة بالآب والإبن والروح القدس، الله الواحد الوجود والجوهر، والإيمان برسالة الإبن الكلمة الخلاصية التي بها تم خلاص جنس الإنسان، والإيمان بوجود الروح القدس المعزي مع المؤمن في كل حين وطلب العون منه. هذا الإيمان الصادق الصحيح سيجعلك تطلب الله وملكوته بكل نفسك وبكل عقلك وبكل قوتك ولن تطلب أي شيء آخر. لن يكون همك جمع ذهب أو فضة لن يكون همك أقتناء أشياء مادية ولا مجد فارغ لن يكون عندك أعداء من الناس بل ستكون مليئا بالمحبة والتسامح، لن تسعى لإقامة مجد دول وممالك هذا العالم الساقط لن تحارب أحد لن تكره أحد بل تكون محبا لمن يكرهك معاونا لمن يلعنك مباركا لمن يتضطهدك. لأن إيمانك أعطاك الأمل والأمل علمك المحبة وعندما تكتمل المحبة فيك لا يبقى هناك حاجة لأي شيء. معلم الأمم قال بوحي الروح القدس إن الإيمان والأمل والمحبة هي طريق أبناء النور ثم أضاف أن المحبة هي أعظم وأكمل شيء وعندما تبلغ النفس ما هو كامل لا تعود لها حاجة لما هو غير كامل. السلاح الآخر الذي يمكن بواسطته إضعاف هذا الهوى واستئصاله هو الصلواة، الصلواة الدائمة، الصلواة بلا انقطاع وهذه سنتحدث عنها في فصل آخر فعليك به هناك.

١٨- أمّا الهوى المدمر السادس فهو القلق وهذا أيضا يقبع في النفس الناطقة. وحيث يوجد هذا الهوى تعلم أنه لا يوجد إيمان. فوجود الإيمان الصادق في النفس الناطقة يقتضي غياب هوى القلق.

١٩- القلق ينشئ من عدم الثقة وعدم الثقة تنتج عن عدم الإيمان. إن الذي يضع أمله في ما هو غير دائم وخاضع للتغير يكون ضحية سهلة للقلق.

٢٠- الروح القدس قال على لسان النبي ﴿لاتضعوا ثقتم بالأمراء والرؤساء أبناء الناس الذين لا يأتي منهم الخلاص﴾. أبناء عالم السقوط ليس فيهم خلاص وهم كاذبين حتى عندما يصدق ما يقولون. إن كان إيمانك معلق على واحد منهم فإن القلق يربض عند مدخل بيتك، يقبع منتظرا الإنقضاض عليك، وكلما زاد تعلُّقُكَ بأحدِ أبناء السقوط وكلما بنيتَ أمالك على أحدهم زاد إشتياق القلق لافتراس نفسك، ولكنك إذا انتبهت من غفلة ضلالتك تكون يَدُكُ هي العليا و أنت تسود عليه.

٢١- كما أن النفس الناطقة تجلس على عرش السيطرة في وعي الإنسان وبسقوطها يسقط الإنسان من إنسانيته، كذلك التَّكَبر وحب المجد الفارغ يجلسان على عرش أهواء النفس المدمرة، وعندما يتمكَّنان من النفس يسقطانها إلى أسفل السافلين حتى وإن كانت انتصرت على أهواء النفس النباتية والغضبية.

٢٢- التكبر والمجد الفارغ هما وحش ذو رأسين يفترس ضحيته ويمزِّقَهُ ويلقي به في هوة لا نهاية لها. هذا الوحش يهاجم جميع أبناء البشر، ولكن ضحيته المفضلة هي أبناء الملكوت الذين أحرزوا التقدم في طريق الفضيلة والخلاص.

٢٣- المجرب الشرير عندما جرَّبَ الرَّبَ يسوع بناسوته أخذه وأوقفه على جناح بناء الهيكل و قال له "إن كنت ابن الله فألقِ نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته عليك، فعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك" فأجابه الرَّب ﴿مكتوب أيضا: لا تجرِّب الرَّب إلهكَ﴾. الشرير أراد أن يوقع الرب في التكبر والمجد الفارغ حين أراد أن يدفعه لعمل فارغ ليثبت بواسطته أنه هو المكتوب عليه في الأنبياء، ولكن الرَّبَ زجره وعلَّمنا أن التواضع هو طريق أبناء الملكوت.

٢٤- عندما ينتصر المسيحي على أهواء النهم والدعارة والطمع، عندما يُخْضِعُ الغضب لسيطرة نفسه الناطقة، عندما يمتلئ إيمانا وتطمئِنُّ نفسه يأتي المجرب الشرير ويملئُ مخيلته بالإعجاب بما حققته نفسه فيمتلئ تكبراً وخيلاءً، ويبيت ينظر باحتقار إلى إخوته الذين فشلوا في تحقيق ما حققهُ هو. ثم وتحت طغيان تكبرِّه يصبح مرائياً يفعل كل أعماله من خشوع وتصَّدقٍ أمام الناس حتى يروا أعماله ويمدحوه فيزداد تكبرا وحباً للمجد الفارغ حتى يأتي اليوم الذي لا يحصل فيه على مديح من أبناء السقوط فيأخذه الإكتئاب واليأس ويسقط في الهاوية ضحيةً للأهواء البدائية التي ظنَّ نفسه قد انتصر عليها، فيخسر الملكوت ويبقى في الظلمة الخارجية مع أبناء السقوط حيث البكاء وصرير الأسنان.

٢٥- الرَّب يسوع تبارك و تقدس اسمه قال ﴿تعَّلموا مني فإني متواضع...﴾. لماذا تتكبر يا ابن آدم؟ ألرجاحة عقلك؟ هذه لم يكن لكَ فيها يد ولكنها أعطيت إليك من خالقك ويمكن أن تؤخذ منك في لمحة عين. أتتكبر لأنك جمعت المال والمقتنيات؟ هذه كلها هباء. ألا تعلم أنَّ سنيَّ حياتك سبعين سنة وبالقوة تكاد تصل لثمانين ومن عاش التسعين كان شيئا غريباً، وعندما يأتيك الموت لن ينفعك مالٌ جمعته ولا مقتنياتٍ خزَّنتها. تطير منك روحك ويدفن جسدك في "لحد قد صار لحدا مراراً" ومالك يأخذه آخر أو ربما يصير حجر عثرة لعيالك يقتتلون بين بعضهم طمعاً في اقتنائه. وأنت، أنت أين تكون عندها؟

٢٦- تذَّكر يا أخي ولا تنسى أن أي إنجاز تنجزه نفسك وتنجح فيه حصل بنعمة الكلمة الذي بتجسُّده وموته وقيامته أعطاك الخلاص. فإن أنجزت شيئا وحصلت على الفضيلة تذكَّر أنه ليس أنت بل نعمة الروح القدس فيك ولا تتكبر على من فشل أن ينجز بل ابكي عليهم واطلب لهم أن تُفتح أعينهم كما فُتِحت عيناك.

٢٧- طبيب النفوس علمك كيف تقطع التكبر والمجد الفارغ من جذوره. هو قال: إذا صُمْتَ فصم في الخفاء، إذا أعطيتَ صدقتك لا تدع شمالك تعلم ما تفعل يمينك بل ليكن تصدقك في الخفاء، ولا تنصِّب نفسك قاضياً على الناس. اعطي لكل من يحتاج صديقك وعدوك، المؤمن وغير المؤمن، الشرير والصالح. وإذا صليت فصلي في الخفاء ولا تجعل صلاتك منبرا لتكبرك كما يفعل أبناء السقوط أتباع أنبياء الكذب تجدهم يفرشون سجَّادة صلاتهم في زوايا الشوارع ليحصلوا على المجد الفارغ، أما أنت فصل في غرفتك في الخفاء ولتكن صلاتك كصلاة العشَّار وليس كصلاة الفَّريسي فالأول تبرر بتواضعه رغم أنه كان خاطئاً والآخر دينَ بتكبره رغم أنه كان في الظاهر متدينا. ثم بعد أن تفعل كل ما فعلت قل لنفسك: قد فعلت واجبي لا أكثر ورغم هذا ما أزال مقصرا.

٢٨- ليكن نور الرَّب الإله دليلك كل أيام حياتك ولتكن مراقبا لأفكار قلبك ولا تغفل ولا حتى لحظة واحدة فالشرير يربض منتظرا لحظة غفلتك حتى يأتي ويسرق نفسك ويبعدها عن نعمة اللاهوت. قد ذكرنا لك يا أخي الأهواء الثمانية التي هي مدخل الشرير ووسيلته فافهمها وجاهد لإستئصالها ليلك ونهارك، ولا تكن غافلا بل اقرأ وتأمل ما قلنا لك فهو من ثمار بستان أبآئنا الذين قضوا كل أيام حياتهم يزرعونه ويعتنوا بأشجاره ويزيلون من حولها كل الأعشاب الضارة ويقلّمون أغصان تلك الأشجار ويقطعوا منها ما يبس وجفَّ، ثم سلَّموا عهدة العناية به لأبنائهم، وأبنائهم اعتنوا به وسلموا العهدة لأبنائهم، هكذا حتى وصل إلينا فدخلنا إليه وأكلنا من ثمار أشجاره الطيبة وفرحنا بها ثم قطفنا منها ما طاب وملئنا سلتنا وقدّمناها لك هدية محبة، لتتذوق من أطايب ثمار ذاك البستان لعل نفسك تشاق لما فيه فتأتي وتطلب المزيد، فإن لك يا أخي حصة وميراث في هذا البستان. ليكن مقامك في ستر الرب وليكن ملجئك تحت ظلِّ مَلِكِ العُلى، وليكن مسكنك في بيت الرب إلى الأبد آمين.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English