سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

هل تستطيع أن تخدم سيدين؟

 

الأب يوخنا ياقو

   

 

لا يقدر احد ان يخدم سيدين. لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال. (متى 6: 24)، (لوقا 16: 13)

 

تفيض الحياة في مشوارها بمضامين واتجاهات تحتم اختيار الإنسان لسيدًا يتبعه في حياته ويلازمه ويخدمه بإخلاص، يخضع له ويرضيه في كل شيء. ويضطر الإنسان إما بإمتعاض أن يختار خدمة سيد غير لائق لِمَ يمليه عليه ضميره لكن نظرًا لحاجته الماسة وظروف وقساوة حياته وما تحمله من صعاب تفرض عليه خدمة ذلك السيد، أو يكون بمحض إرادته يختار أن يكون عبدًا لذلك السيد الذي يجبره على الخدمة الحقيرة التي تضعه في مكانة وضيعة. ولكن من الغريب أن يكون هناك من يحاول خدمة سيدين في حياته... وهذا ما سنعالجه في موضوعنا البسيط هذا.

لقد قدم الرب يسوع لتلاميذه ولكل سامعيه حقيقة سامية الأهمية في حياة المؤمن، الذي أمات الإنسان العتيق في داخله ولبس المسيح في حياته، وهي أننا لا نستطيع في حياتنا ومهما ملكنا من مقدرة واستطاعة أن نقدم الطاعة الكاملة والمحبة الخالصة في خدمتنا لسيدين، فهذا يتعدى المستحيل. وللأسف يحاول البعض التوفيق في خدمتهم وعملهم لسيدين. لكن من هم هؤلاء السيدين الذين يحاول معظم البشر خدمتهم، ويعجزون في تقديمها؟

يعمل الإنسان لساعات محددة في حياته اليومية وبعدها يكون حرًا، فإما يجد عملا آخر ليقتني منه دخلا إضافيًا يعينه في تنمية وضعه في الحياة، أو يمارس هواية ما يجد فيها متعته ويقضي فيها أوقات فراغه. أما العبد فلا يملك وقتا ما لنفسه، فكل دقيقة وكل لحظة من وقته يملكها سيده أو صاحبه، حتى وإن كان نظام العبيد قد مضى وانقضى، إلا أن علاقة العبد بسيده تصور لنا علاقتنا باللـه، فاللـه هو السيد المطاع الذي لا ينبغي أن ينازعه أحد في سلطانه على حياتنا، وليس لنا حق أن نتساءل عن رغباتنا الشخصية بل ينبغي أن نبحث دائمًا عمّا يريده اللـه منا. ولا يستطيع المؤمن أن يقول "سأعمل ما يريده اللـه مني في بعض الأوقات وما أريده أنا في أوقات أخرى"، أو حسب المثل الشائع "ساعة لقلبك وساعة لربك". المسيحي لا يستطيع أن يتخلى عن مسيحيته لحظة واحدة، المسيحية تقضي عمل مشيئة اللـه دائمًا. إن الخدمة الجزئية والطاعة الوقتية ليست كافية. إن الشخص الذي يحاول أن يخدم العالم في داخله ويقدم الخدمة الإلزامية للـه من الخارج محاولا إخماد نار تأنيب ضميره يعيش حالة ضياع نفس وفقدان ذات تصل به في النهاية إلى تكبيله بسلاسل الخطيئة والموت الأبدي. من الصعب أن يعيش الإنسان في حالة تقسيم بين نقيضين يبغض أحدهما الآخر، وما أصعب دخول الملكوت لمن توكلوا على العالم واختاروا السعادة الوقتية والطريق السهل المعبد بالملذات، "ألستم تعلمون ان الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة انتم عبيد للذي تطيعونه اما للخطية للموت او للطاعة للبر" (رو 6: 16).

لقد اشتكت مرثا من اختها مريم لأنها لم تبالي بها وتركتها تخدم الجمع لوحدها دون عون (لو10: 38-42)، فأكد الرب لمرثا بأنها ترتبك وتضطرب لأجل أمور كثيرة وتحاول أن توفق بين خدمة العالم واللـه في آن واحد، وهذا ما يستحيل تحقيقه. فالأمر يتطلب أن نجلس عند قدمي الرب لنسمع كلامه، فالحالجة إلى واحد، أن نطلب ملكوت اللـه وبره أولا، إننا في حاجة إلى سيد واحد، مخلص وأمين ويرفق بنا ويعطينا حاجتنا دون أن نسألها، لهذا اختارت مريم النصيب الصالح، السيد الرحوم الذي يعامل خدامه كأبناءه، فهو دفع أجرًا بموته ليحمل خطايا العالم ويدفع دينهم ليهب الحرية لعبيد الخطيئة ويكونوا أحرارًا "واما الآن اذ أعتقتم من الخطية وصرتم عبيدا للـه فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة ابدية" (روم 6: 22).

دعوة الرب هي صوت ذو نغمة وتردد معين ومميز، وتتداخل هذه النغمة مع نغمات عديدة في هذه الحياة تطغي وتشكل ضجيجًا وتشويشا على نغمة صوت الرب، وما يعجز عليه معظم البشر في اختيارهم لسيد حياتهم هو عدم تمييز تلك النغمة بين آلاف ضجيج النغمات الأخرى التي تغزو مسامعنا وأحساسينا. فمن أحب اللـه وأراد ملازمة مشيئته في الحياة وجب عليه فرز تلك النغمة وترددها وذلك بالتركيز والدوام على معرفة كلام اللـه فهو الذي يرشدنا ويهدينا ويعرفنا بنوعية تلك النغمة ولحنها، كما يجعلنا نخفت صوت النغمات الباقية والتي لا تتوالف وتتناغم مع نغمة الرب، بعدها يصبح من السهل إطاعة اللـه وخدمته، وتلك الخدمة ليست في مخافة بل بمحبة، فلا نبتعد أو نتجنب السيد الآخر الذي يعادي مشيئة اللـه في حياتنا وفي سلوكنا وحسب بل ونواجهه بسلاح الخدمة المرضية.

إن مسيرة الحياة كلها ليست إلا صراع ونزاع رغبة خدمة سيدين، الأول يحبنا محبة كاملة وبنعمته وهبنا الخلاص لا لنكون عبيدًا بل لنكون أبناءًا له "لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم احباء لاني أعلمتكم بكل ما سمعته من ابي" (يو 15:15)، أما الثاني فيرينا ممالك العالم ومجدها ليغري انفسنا في عبودية المادة والعالم ليخنق الكلمة في قلوبنا وتصير بلا ثمر، وهذا بالضبط ما يحصل لمن سقطت البذرة في حياته وكانت أرضه شوكية، فيحاول أن يسقي خدمة الكلمة ببعض العمل (وغالبًا ما يكون فائضًا عن حاجته) لكن محبته لملذات العالم تجعل منه وبدون تحسب عبدًا مُذل في خدمته.

خدمة اللـه ليست إلا وكالة سلمها لنا لنكون عبيدًا أمناء عليها، أقامنا على خدمه الآخرون، أبناءه في هذا العالم لنعطيهم الطعام في حينه، كلمة الحياة التي ينبع منها كل صلاح، وطوبى لمن كان أمينا حتى المنتهى على وكالته (متى 24: 45-46)، والأمين في القليل امين أيضًا في الكثير.

تبعية الرب والمضيّ حسبما يريد ليست سهلة، قد يتطلب الأمر أن لا يكون لنا مكان نسند رأسنا. خدمته وطاعته أعظم من أن نمضي وندفن العالم الميت، فالعالم ميت وزائل، فلندع من يعيش فيه يدفنونه في داخلهم. خدمته تتطلب أن لا نهتم بفراق العالم ولا أن نودعه، فلا أحد يستحق خدمة الرب ويصلح لملكوته واضعًا يديه على المحراث وينظر إلى الوراء. إن من يصلح حقا لتلك الخدمة عليه أن يكون متأهبًا في كل حين ليضع نفسه عن الرب، أن يكون طاهرًا، إناء كرامة مقدسًا نافعًا مستعدًا لكل عمل صالح.

قد يكتنف الضباب أفكارنا ورغباتنا أحيانا عندما تطفو على سطح خدمتنا للرب رغبات ومنافع وأهداف شخصية، فيضعف بصيرتنا الروحية وقدرتنا على رؤية ما يريده اللـه في خدمتنا له، والمحك لمعرفة ذلك وتلاشي ضبابه هو أن نعرف من الذي يشكل مكانة أكبر في أفكارنا ووقتنا وجهدنا، أهي سيادة اللـه في حياتنا أم العالم، أهو ولاءنا للقيم السماوية التي لا تضمحل أبدًا أم للأرضية التي هي فانية وتبلى.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English