سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

المجمع السينودوسي الأول

دروس وعبر

 

الأركذياقون د. خوشابا كوركيس

   

 

هناك موضوع في غاية الأهمية بالنسبة إلى الجماعات المسيحية الأولى ألا وهو كيف كانوا يرون الانتقال من اليهودية إلى المسيحية، من الخلاص بالشريعة (أعمال 15 : 1-5 ) إلى الخلاص بالإيمان والنعمة (15 : 9 – 11) ؟ لقد أكد بولس أمام الحاكم فيلكس، وإن على سبيل المفارقة، أنه بإتباعه "الطريقة" ولأنه مسيحي لم يزل أميناً لما يؤمن به إسرائيل ويرجوه (أعمال 26 : 22). كان المهتدون إلى المسيحية لا يعرضون مع ذلك عن السنة اليهودية (أعمال 2 : 46) وعن الشريعة والختان. ولم يشذ بطرس عن هذه القاعدة (أعمال 10 : 9-14) وكان اسطفانوس أقل عداء للشريعة مما يظنه خصومه.

يعقوب أسقف أورشليم: هو يعقوب بن حلفي [1] الذي ورد أسمه في الجداول الأربعة لأسماء الرسل. لذا لا يوجد شك البتة في كونه أحد الأثني عشر. وهو في التقليد الغربي يعقوب أخو الرب الذي تسلم قيادة الجماعة المسيحية الأولى في أورشليم. أم يعقوب تدعى مريم، ونجد في انجيل مرقس 15 : 40 أنه يلقب "بالصغير" وهذا اللقب يشير إما إلى قصر قامته أو صغر سنه نسبياً. مهما يكن من أمر، فالتقليد اتخذ هذا اللقب ليميزه عن يعقوب بن زبدي الذي عرف دائماً بلقب "الكبير".

جاء يسوع المسيح ليكمل العهد القديم، فكرازة الرسل في مطلع حياتهم لم تكن سوى إقناع اليهود بأن يسوع مرتبط بتاريخ الخلاص القديم، وما هو في آخر الأمر غير تتويج لمسيرة الخلاص. وفي حياتهم اليومية كانوا يطبقون العادات القديمة، فهم مثلاً "كانوا كل يوم يلتقون في الهيكل" (أعمال 2 : 46 ). ومن المؤكد حدوث مناوشات مع المسؤول اليهود الذين سدوا أسماعهم عن تقبل بشرى المسيح ورفضوه. لكن الاختلاف الكبير بين اليهود والمسيحيين لم يظهر على الوجه إلا بعد سنوات قليلة عندما ظهر الهيلينيون فاعتنقوا المسيحية، ولنأخذ مثلاً القديس اسطفانوس، فهو وأمثاله تجرأوا فحطوا من مكانة الهيكل، وتحدوا رؤساءه. وحتى في ذلك الحين كان بإمكان الرسل البقاء في أورشليم إذ لا يقدر أحد أن يعيرهم أو يتهمهم بأنهم يهود أردياء.

كان مار يعقوب رئيس الجماعة، مثالاً في التزامه بالشريعة، حتى لقبه الجميع"بالبار". والوصف الذي تركه لنا هجسيبوس الكاتب المسيحي من أبناء القرن الثاني ونقله أوسابيوس (تاريخ الكنيسة 2 :23) يقدم لوحة رائعة عن شخصية يعقوب. فالجميع يعترفون ببراءة مار يعقوب، حتى اليهود أنفسهم. ولما حل بهم الدمار وتم سقوط المدينة المقدسة رأوا في كل ذلك قصاصاً إلهياً بسبب قتلهم ذلك الرجل البار.

" كان يعقوب شخصاً عجيباً جداً، اشتهر بين الجميع ببره، حتى اعتقد الكثير من العقلاء، حتى من بين اليهود، أن هذه كانت علة حصار أورشليم الذي حل بهم بعد استشهاده مباشرة لا لسبب آخر سوى عملهم الشنيع الذي ارتكبوه ضده" . ولم يتردد يوسيفوس على الأقل عن الشهادة لهذا في كتاباته حيث يقول "لقد حلت هذه الأمور باليهود انتقاما لدماء يعقوب البار الذي كان أخاً ليسوع الذي يدعى المسيح، لأن اليهود قتلوه رغم أنه كان شخصاً بارا جداً".

موقف يعقوب من المسيحيين المهتدين من غير اليهود: لا بد أن هذا الرجل البار مر بحالات من أزمات الضمير القوية ازاء انتشار المسيحية على عهده. إذ مرت تحت أنظاره أولى الاضطرابات في الكنيسة. فكيف كان ينظر إلى موقف اسطفانوس والهيلينيين؟ ثم بعد مدة قليلة أتته أخبار اهتداء السامريين أولئك الذين لا يعتبرون يهوداً بالمعنى الصحيح. وإذا بالمد المسيحي يصل انطاكية، فيعتنق كثيرون الدين المسيحي وتأتيه الأخبار من هناك أن كثيرين لم يعودوا يبالون بأمور الشريعة القديمة فأهملوا بكل بساطة طقوسها وتعاليمها بضغط من المتنصرين عن الوثنية. ولا بد للرجل أن يتخذ موقفاً أمام هذه التطورات غير المتوقعة. لذا يعلن عن اجتماع خارق للعادة يعقد في أورشليم.

التأم المجمع في أورشليم وجرى بين الحاضرين "جدال طويل" (أعمال 15 : 7) وعرض بولس وبرنابا كل ما صنعه الله بواسطتهما بين الوثنيين. وأعاد بولس على مسامعهم ما سبق وأن قاله في موعظة له أمام العبرانيين في انطاكية بسيديا (أعمال 13 : 16 – 41). حيث أختتم كلامه بقوله: "فاعلموا يا أخوتي، أننا بيسوع نبشركم بغفران الخطايا. وأن من آمن به يتبرر من كل ما عجزت شريعة موسى أن تبرره منه".

أما مار بطرس فقد تحدث عن الروح القدس الذي قبله الأمميون كما قبله العبرانيون على حد سواء. أما في المستوى التعليمي فقد دافع عن موقف بولس: "نحن نؤمن أننا نخلص بنعمة الرب يسوع كما هم يخلصون" (أعمال 15: 11". لكن بطرس أضاف كلاماً مثيراً لليهود المتنصرين في أورشليم إذ قال: "فلماذا تجربون الله الآن بأن تضعوا على رقاب التلاميذ نيراً عجز آباؤنا نحن عن حمله". (أعمال 15 : 10).

كيف سيكون رد فعل يعقوب البار، ذاك الذي كان ملتزماً بكل جوارحه بوصايا الشريعة؟ أيمكن لبطرس أن يقول بحق يعقوب أنه غير قادر على تحمل نير الشريعة؟

كان يعقوب على خلق عظيم، فهو لا يدخل في نقاش حول الإمكانية أو عدم الإمكانية من الالتزام بالشريعة، بل يترك المسألة للمسيحيين من اليهود ليبحثوا فيما بينهم من حل لها. أما بالنسبة إلى الوثنيين المتنصرين فهل يجب عليهم الخضوع لهذه الشريعة؟ فكر يعقوب كثيراً ثم تكلم، وعندما نطق قال كلمته وهي في خط بطرس وبولس: "ولذلك أرى أن لا نثقل على الذين يهتدون إلى الله من غير اليهود، بل نكتب إليهم أن يمتنعوا من ذبائح الأصنام النجسة والزنى والحيوان المخنوق والدم". (أعمال 15 : 19 – 20).

في اقتراح يعقوب هذا بعد مسيحي جوهري، فالمبدأ واضح: الشريعة الموسوية لم تعد ضرورية لمن يعتنق المسيحية، فالخلاص كله يأتي بواسطة المسيح. لكن يعقوب يطلب من الوثنيين المتنصرين قليلاً من التفهم لعادات سارية منذ قرون بين أخوة كان لهم شرف تقبل العهود الإلهية. فاقتراحه عملي جداً لكي يتعايش الأخوة من أصلين مختلفين أي من اليهود المتنصرين والوثنيين المتنصرين، وعلى الفريقين أن يتبادلا بعض التنازلات من أجل التقارب. قبل الحاضرون خطة يعقوب، ولذا وجه الرسل والشيوخ رسالة إلى انطاكية عرضوا فيها القرار المتخذ في المجمع، واستطاعوا أن يكتبوا بكل حق: "الروح القدس ونحن قررنا...". فها هي الكنيسة تقرر أن أساسها هو المسيح. أما ظروف الحياة العملية فيجب اتخاذها ضمن إطار المحبة المتبادلة. لقد تم هذا الانتصار بالتراضي علماً بأن هذا التراضي ينقذ روح المشاركة في الكنيسة. ولكن الجوهر بقي سالماً. فسواء كان ختان أم لا، لا يخلص المسيحيين إلا بالإيمان وبنعمة الرب يسوع. فلأي سبب يبقى اليهودي المسيحي محافظاً على الختان والشريعة؟ لا يذكر الكتاب شيئاً عن ذلك ولعل الرسل لم يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم. وعل كل، يبدو أنهم لم يولوا هذا السؤال الأهمية الكبرى، لاعتقادهم أن الخلاص، بعد أن رفض الانجيل معظم اليهود، معروض منذ اليوم للوثنيين خصوصاً، إن لم نقل لهم وحدهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الكنيسة اليونانية تميز بين شخصين باسم يعقوب معينة طقساً خاصاً لكل منهما: ليتورجية خاصة بيعقوب بن حلفي. وأخرى خاصة بيعقوب أخي الرب وأسقف أورشليم. وهذا التقليد اليوناني نفسه يقول بأن يعقوب بن حلفي بشر في مصر حيث مات مصلوباً في مدينة "أوسراجينا" (كما يذكر داود بفلاجو في القرن التاسع). ونجد أيضاً عدداً من المفسرين يشكون في إمكانية جمع الشخصين في شخص واحد، فهم يضعون سؤالين لا يجدون لها جواباً قاطعاً ومقنعاً:-

1 . هل كان يعقوب أخو الرب وأسقف أورشليم واحداً من الأثني عشر؟

2 . الرسول يعقوب بن حلفي أهو أخو الرب؟    

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English