SV الرئيسية تاريــخ لاهــوت   نشاطات أخبار سؤال وجواب  

تعازي وأحزان

شارك الآخرين أفراحك

إن الديانة النصرانية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

إقرأ المزيد عن الكنيسة

إنجيل الاسبوع

 

سؤال الشهر

 

مــيــديا

 

تـــقـــويــم

 

مــشــاركات

 

أرشيف

 

تـــحــميل

 

روابــــط

 

إتصل بـــنـــا

 

وصية

 جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا.

 

 

سر التوبة ومغفرة الخطايا

في كنيسة المشرق

 

معنى التوبة.

يقول النبي يوئيل" ارجعوا اليّ بكل قلوبكم ، وبالصوم والبكاء والنوح ، ومزقوا قلوبكم ، لا ثيابكم  "( 2: 12 ــ 13 ) فالتوبة هي رجوع وتغيير في الفكر يصحبه اسف وندامة على عمل شيء ما ، كان يتمنى الشخص عدم وقوعه ، وتوبة الحياة هي الحزن والندامة على ارتكاب الشر والابتعاد عن الخطيئة وبغضها وبذل الجهد في الاتكال التام على نعمة الله ومساعدة الروح القدس للابتعاد عنها والانقياد الى مشيئة الله والخضوع لأوامره المقدسة كما جاء في متى " فاثمروا إذاً ثمراً يدل على توبتكم (3: 8)  وكما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية الى اهل قورنثس" لأن الحزن في سبيل الله يعقب توبة فيها خلاص ولا ندم عليها" ( 7: 10 )  وهذه هي التوبة التي تنال مغفرة الخطايا باستحقاق يسوع المسيح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

درجات التوبة.

يقول مار اسحق النينوي" يجب ان نعرف أنه في كل وقت نحن بحاجة الى التوبة ، في الليل وخلال الاربع والعشرين ساعة" فإذا كانت التوبة تلازم الانسان في سيرته نحو الله ، فهذا يعني ان للتوبة درجات يترقى فيها الانسان الى ان يصل اعلى درجاتها. وان القديس يقسم المسيرة نحو الله الى ثلاث مراحل وهي:

1. المرحلة الجسدانية: وهي الحرب ضد الميول الشريرة التي مركزها الجسد ، يُتم الراهب ( المؤمن ) هذا العمل بواسطة ممارسات جسدية أهمها الصوم والسهر وتلاوة المزامير مع السجدات ، وهي متلازمة بحيث لا سهر بدون صوم ولا تلاوة مزامير بدون صوم وسهر في الليالي. هكذا ايضاً كان القديس الراهب يوسف بوسنايا يرشد الداخلين الى الرهبنة.

2. المرحلة النفسانية: ان الحرب في هذه المرحلة هي ضد الافكار التي خلقتها الميول الجسدية في النفس والتي تمنعها من التحرك نحو الله كما هي في طبيعتها ، بل تدخل عليها حركات غريبة تشوشها وتبعثرها بغية ارجاعها الى طبيعتها الاولى الصالحة. وتأخذ التوبة في هذه المرحلة شكل صلوات متوجعة وتضرعات منسحقة في البكاء والدموع والنوح على الخطايا. إن الصلاة بلا ملل هي من ميّزات المرحلة النفسانية التي تنهمر الدموع خلالها ، حيث يقول القديس مار اسحق " كما ان الرجل الذي يقدم هدية كبيرة للملك يحصل منه على بشاشة الوجه ، هكذا الانسان الذي يرفع صلاته مع الدموع الى الله الملك الاعظم ، فإنه يحصل منه مغفرة كل انواع الخطايا مع بشاشة الوجه.

3. المرحلة الروحانية: اما في هذه المرحلة فلا توبة بعد. إنها استباق للحياة بعد القيامة في الاتحاد الكامل مع الله. قليلون جداً يصلون الى هذه الدرجة ، وإذا وصلوا فبطريقة متقطعة. في هذه الاثناء ينخطف الانسان عن هذه الارض وينسى كل شيء فيها ، ويصبح كالميت.

 

التوبة في رسالة الانبياء.

عند قراءة اسفار الانبياء نلاحظ جميعهم يرفضون الخطيئة بعبارات قاطعة ، ولكنهم يلحون على قيمة التوبة. فمثلاً عاموس النبي بالرغم من تشديده على القصاص العادل يدعو الشعب باسم الله ، ان يطلبوا الله فيحيوا. ( عاموس 5: 4 ) والنبي هوشع يشير فوق كل شيء الى رحمة الله ويقدم نداءات رقيقة للرجوع اليه مصحوبة برعود الغفران والبركة( هوشع 14: الخ ) ، وهو في هذا يتفق مع ارميا النبي الذي في صلب تحذيراته الكثيرة بالقضاء الذي لا مرد له ، ينادي ويعلن تنازل الله وعطفه ( ارميا 3: 12 ــ الخ ). واشعياء  النبي يعلن ان العلي المرتفع القدوس اسمه يسكن مع المتواضع والمنسحق الروح ليحيي روح المتواضعين وليحيي قلوب المنكسرين. ( اشعياء 57: 15 ) وفوق ذلك يصرح برحمة عظيمة تنتظر التائبين( اشعياء 55: 7 ). وحزقيال النبي يؤكد ان الله لا يسر بموت الشرير ، بل يرجع عن طريقه ويحيا ( حزقيال 18: 23 ).

فتعليم الانبياء كان معظمه توعية للشعب لإدراك خطاياهم الكثيرة امام الله والاعتراف بها ودعوته الى العودة الى الله والعمل بأحكامه وشرائعه ووصاياه تحذيراً من العقاب. فهذا داود النبي يقول" اعترف للرب بخطاياك فإنه صالح وإن رحمته الى الابد" ( مزمور 134: 1 ) .

 

التوبة ومغفرة الخطايا في رسالة المسيح.إن ما هو جديد في رسالة المسيح هو أنه لم يقتصر على الدعوة الى التوبة بل راح  يغفر الخطايا معلناً تحقيق الزمان الذي وعد به الانبياء ، فقد بدأ رسالته بالبشرى بتحقيق الملكوت في شخصه قائلاً" لقد تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل "( مرقس 1: 15 ) والملكوت هو حضور محبة الله الغافرة بين البشر والتي تسبق كب عمل يقوم به الانسان. والتوبة التي هو مدعو اليها هي نتيجة وليست شرطاً لتلك المحبة. لذلك كانت دعوة السيد المسيح اولاً الى الايمان بمجيء الملكوت ثم الى التوبة. فعندما يدرك الانسان محبة الله يدرك في آن معاً كم هو بعيد عن تلك المحبة ويدرك إذاك معنى الخطيئة ومعنى التوبة ، وهذا ما نشاهده في قصة المرأة الزانية التي جيء بها لرجمها ( يوخنا 8: 3 ــ 11 ) ، فالمغفرة التي منحها اياها يسوع يرفقها بدعوة الى تغيير حياتها.والتوبة المسيحية ليست رجوعاً الى احكام الشريعة والطقوس والفروض لتتميمها ، بل هي الرجوع الى الله الحي. الذي يدعونا على الدوام ان نخرج ونموت عن ذواتنا وننفتح عنه. وفي هذا الموت عن الذات والانفتاح الى الله يكشف لنا الله ذاتنا الحقيقية. فكأن الله يخلقنا من جديد في علاقة المحبة التي تنشأ بينه وبيننا ، ويخلقنا من جديد على صورته ومثاله. وهي ايضاً ( اي التوبة ) اشتراك في فصح المسيح الخلاصي. فمصالحة البشر مع الله لم تتحقق من خلال الناموس والشريعة الموسوية بل بواسطة المسيح كما يقول بولس الرسول في رسالته الثانية الى اهل قورنثس " إن الله هو الذي صالح في المسيح العالم مع نفسه " ( 5: 19 ) . وبالمسيح انتقلنا من عبودية الناموس الى حرية الايمان. وان الانتقال الى البر والحرية قد حدث بفصح المسيح.  إذاً فالتوبة المسيحية هي اشتراك في فصح المسيح الخلاصي وارتداد الى المحبة التي احبنا بها المسيح الذي بذل حياته من اجل البشرية. وببذل الحياة انتقل الى حياة الابد التي هي ثمرة المحبة ومعه انتقلت البشرية كلها الى تلك الحياة.

 

سر التوبة في تاريخ الكنيسة.

 

1 ــ في أيام الرسل.

استناداً الى وصية المسيح " وسيكرز بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم "( لوقا 24: 47 ) خرج الرسل يبشرون بالتوبة ويمنحون مغفرة الخطايا ، وذلك من خلال المعمودية. فهذا بطرس الرسول يقول " توبوا وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة خطاياكم " ( اعمال الرسل 2: 38 ) وهكذا فكل من كان يؤمن بالمسيح كان عليه ان يبتعد عن الوثنية واعمال الشر والزنى ويعترف بالله وبإبنه يسوع المسيح المخلص ، وبعدها ينال المعمودية. ويحسب في عداد القديسين.

 

2 ــ في أيام الاباء الاوائل.

بما ان الانسان ميال الى الشر ، ويقع كثيراً في فخ الشيطان ، لذا فالذين اخطؤوا بعد المعمودية يمكنهم ان يجدوا سبيلاً للخلاص في التوبة التي على غرار المعمودية. وكانت تمنح مرة واحدة ، وعلى التائب ان يدخل في صفوف التائبين ويعترف بخطيئته. وكان الاسقف يحدد للتائب زمناً يلتزم خلالها بحياة التقشف والامتناع عن المعاشرة الجنسية وعن اكل اللحم ، ويحرمون من الوظائف العامة. وكان يسمح لهم بالحضور الى القداس ولكن يمنع عن المناولة. وبعد انتهاء المدة يقترب للقبول والمصالحة ومن ثم التناول. حيث تتم بواسطة الاسقف. وقد كانت تتم في حينها في يوم خميس الفصح. ورغم قبول توبته إلا انه كان يخضع لقوانين صارمة مما كان يؤدي الى ان معظم الناس كانوا يؤخرون الاعتراف بخطاياهم والدخول في صفوف التائبين.

 

3 ــ  التوبة في الحياة الرهبانية.

منذ القرن الرابع عندما بدأت الحياة الرهبانية بالانتشار في المشرق ، عرفت الكنيسة طريقة جديدة للمارسة سر التوبة ، بدأت في الاديار الرهبانية. فالحياة الرهبانية هي بصورة عامة اتحاد مستمر بالله في الصلاة والتجرد عن العالم. ولبلوغ هذا الهدف كان على المبتدء التلمذ لراهب قديس يقتدي بسيرته ويرشده الى الطريق القويم لتحقيق هدفه الرهباني. وفي هذا الاطار كان على المبتدء ان يكشف له اختباراته وصعوباته ويعترف له بخطاياه وينال منه الحلة ، وكان القديس المرشد يفرض عليه الصلوات واعمال التقشف يتممها تكفيراً عن خطاياه وتعبيراً عن توبته ورغبته في التقدم في الحياة الروحية.

 

خطوات سر التوبة.

ان سر التوبة لا يقتصر على  الاقرار بالخطايا من جهة التائب ومنح الحلة من جهة الكاهن بل هناك عناصر اخرى هامة يجب التنبه اليها ليعاد الى سر التوبة اعتباره ويؤتى ملء ثماره في حياة المؤمن منها:

1. الاستعداد: على الانسان ان يكون مستعداً في فكره وقلبه لترك الخطيئة ، ويجب ان لا يستحي الذي جربه الشيطان من ان يعترف بجهالته ويبتعد عنها وان يطلب لنفسه دواء التوبة ، لأن الله لا يرذل التائبين كما يؤكد حزقيال النبي " لا أريد موت الخاطيء المائت بل ان يتوب عن طريقه الشرير ويحيا ( حزقيال 18: 21 ــ الخ ).

2. الاصغاء الى كلام الله وفحص الضمير: ان الله يكلمنا اولاً في ما اوصى به الينا في الكتاب المقدس بعهديه ، ثم يكلمنا من خلال صوت الضمير الذي يخاطب به كل انسان في عمق ذاته. كما يقول الذهبي الفم " فلنستدع ضميرنا ونناقشه الحساب على الاعمال والاقوال والافكار ولنفحص عما لنا في كل ذلك من فائدة او خسارة.

3. الندامة: إن الندامة ليست مجرد شعور حسي سطحي بالاسف مما حدث او ما قمنا به من عمل او فكر خاطىء ، بل هي ارتداد القلب ، اي قرار يتخذه التائب في عمق كيانه بالعودة الى حضن الثالوث الاقدس كما فعل الابن الضال. ومار افراهاط الحكيم الفارسي يقول " نرمي ونترك عنا كل نجاسة لنلبس ثياب العرس. وعليه ان يذرف الدموع دلالة على ندمه وأسفه على ما قام به من اعمال الشر التي تبغض الله كما كان يفعل داود النبي حيث اغمر فراشه بدموع عينيه.

4. الاعتراف والصلاة: ان التوبة هي بحد ذاتها صلاة. وموضوع هذه الصلاة هو الاعتراف بمحبة الله والاشادة بالمغفرة التي يسكبها علينا على الدوام برحمته الغافرة. عن ذلك يقول مار افراهاط الحكيم " علينا ان نكون أمناء في الصلاة لنعبر مكان الخوف. ننقي قلوبنا من الاثم لنرى العلي في المجد. والذهبي الفم يقول " لنضع الصلوات مكان الكلام الغير الرصين والصوم والصدقة مكان النظرات الطبيقة". فالصلاة والصوم هما أقوى أسلحة يتسلح بها المؤمن. ومار افرام يقول " الصلاة مفتاح الخليقة ، وهي تفتح لنا كنز مراحمك ( مراحم الله .

5. المغفرة والمصالحة مع الاخرين:  ان سر التوبة والمصالحة لا ينتهي في الحلة التي ينالها التائب من الله بواسطة الكاهن. فمصالحته مع الله يجب ان تظهر في مصالحته مع الاخرين ( اغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أساء الينا ) والمغفرة التي ننالها من الله لا تعمل إلا بقدر تجاوبنا معها ، ومقياس تجاوبنا هو استعدادنا لأن نغفر لمن أخطأ الينا.

6. الحضور الى الكنيسة: إن الخطيئة تبعد الانسان عن الله وعن المسيح وتبعده في آن معاً عن الكنيسة التي هي جسد المسيح. والتوبة تعيده الى الله والكنيسة ، لذلك لا بد من الحضور الى الكنيسة والامتثال امام الكاهن الذي ينقل للتائب محبة السيد المسيح والمغفرة التي يسكبها عليه ( على التائب ) لأنه لا الكاهن ولا الكنيسة تغفر الخطايا بل الله وحده ، والكاهن ليس سوى شاهد وناقل محبة الله.

 

أقوال الاباء المشارقة في التوبة والغفران.

 

أ ــ الخطيئة داء والتوبة والغفران دواء.

إن معظم اباء كنيسة المشرق يشبهون الخطيئة بالمرض والتوبة والغفران بالدواء الذي يعالج الانسان من هذا المرض الذي يصيب النفس عن طريق الاطباء الروحيين الذين هم الكهنة. فنلاحظ مار افرام الكبير يقول " دواء التوبة قد وهبه الرب للأطباء الماهرين الذين هم كهنة الكنيسة. فالذي ضربه الشيطان بآلام الاثم: ليأتي ويكشف عن جروحه لتلاميذ الطبيب الماهر: وهم يعالجونه بالدواء الروحي.

وافراهاط الحكيم الفارسي يقول " يسوع هو الوحيد الذي لم تجرحه الخطيئة ، اما الدواء لجرح الخطيئة فهو التوبة.

ومار عبديشوع الصوباوي يقول " وحيث ان الجسد وبسبب المتغيرات الزمنية والاعمال السيئة يصاب بالالام والامراض ، ويحتاج الى أطباء ليعيدوا اليه عافيته السابقة ويعالج حسب ارشاداتهم. هكذا ايضاً الانسان يقع في الام الخطيئة وينال الشفاء من الكهنة الذين هم أطباء الروح عندما يسير حسب ارشادهم.

ومار ثيودورس اسقف مصيصة يقول " فإن كانت المعمودية تمنح غفران الخطايا ، فهي لا تعطينا ان لا نخطأ ، فكلنا نسقط كثيراً او قليلاً. لذا منح الله أطباء لأمراض نفوسنا وضعفها. يعملون بحكمة لتأديبنا ويشخّصون الادوية التي توافق حالنا ويساعدوننا لنتابع الطريق نحو مصيرنا.

 

ومن تراتيل كنيسة المشرق

·         المسيح رجاء التائبين: وملجأ الخطاة. تقبل برحمتك مطلب ساجديك ولا تتغافل عن عمل يديك. يا من تحنن على الخطاة بكلمته. أنك انت عوننا. والرجاء الصالح لنفوسنا. اشفي عللنا وآلامنا بحنانك: وطهّر قروحاتنا بنعمتك.

·        افتح يا مخلصنا كنزك وأفض على المحتاجين: وأجب لمطالب عبيدك المتكلين عليك. واغفر وامح خطاياهم. واشفهم من آلامهم بمراحمك: ليرفعوا الشكر لأسمك كل أوان.

 

ب ــ التوبة فرح السماء.

يقول السيد المسيح في نهاية مثل الخروف الضال " أقول لكم: هكذا يكون الفرح في السماء بخاطىء واحد يتوب اكثر منه بتسعة وتسعين من الابرار لا يحتاجون الى التوبة" ( لوقا 15: 7 ) فنرساي المعلم في شرحه لمثل الابن الضال يقول " نرى هنا سر الخطيئة وسر العودة. ذهب فدلّ على تخليه عن الله ، وعاد فدلّ على رجوعه. علمنا ان الله يفرح بعودة التائب.... وفي تسبيحة اخرى يقول: الشكر للصالح الذي حرر جنسنا من عبودية الشرير والموت. صالح معنا جموع السماء: الذين كانوا غاضبين بسبب اثمنا..... وأفرح الجموع السماوية بتوبتنا وانبعاثنا.

 

ج ــ إرضاء الله.

ومن الاباء من يجعل من التوبة المقرونة بالصوم والصلاة هدية نرضي بها الخالق كي يبعد عنا الكوارث والمصائب . فالراهب يوحنا الموصلي ( 1245 م ) يقول في كتابه " السيرة الحميدة"  بالصوم والصلاة واعمال التوبة نرضي سيد الخلائق ليبعد عنا المصائب. ومار طيماثيوس البطريرك في رسالته الى سركيس المعلم في دير مار ابراهيم في بلاد المرج يقول: أرفع عقلك وفكرك الى رئيس الكهنة العظيم يسوع المسيح وترجاه دائماً ليغفر خطايانا وخطايا الجميع.

 

د ــ التوبة نار.

من الاباء من يجعل من التوبة ناراً مادتها التي تحترق هي الخطيئة. فمار طيماثيوس الكبير في رسالته الى سركيس العيلامي يقول " أنت علّم ووبخ دائماً. وأنصح وأدب: وعزي وأحرض: واجعلهم يتكلون على رجاء التوبة. وكن ناراً ضد الخطيئة.

هـ ــ التوبة فرصة.

واسحق النينوي يوصف التوبة كفرصة للانسان قبل ان ينتقل من هذا العالم الفاني فيقول " وحيث لديك العيون: اجعلهم يمتلؤن دمعاً بالصلاة ، بالبكاء من اجل خطاياك: قبل ان تأتي الساعة التي تغطي الغبار سوادهن.

 

التوبة والغفران في طقوس كنيسة المشرق.

حسب طقوس كنيسة المشرق هناك نوعان من رتب التوبة والغفران أولهما للذين يدخلون الى حضيرة المسيح وينالون المعمودية والثاني للخاطئين والمذنبين من مؤمني الكنيسة.

1ــ نظام قبول التائبين: لقد حدد مار ايشوعياب الحديابي ان يتم تعميد العائدين الى حضيرة المسيح في مساء يوم السبت العظيمة التي تسبق عيد القيامة. لأن العماد هو رمز موت وقيامة المسيح.

ففي يوم الاثنين من الاسبوع الرابع للصوم على التئبين ان يأتوا الى الكنيسة ويسجلوا اسماؤهم لدى الكاهن والتي ترمز الى خضوع ابراهيم ابو الوعود الى الله. فابراهيم امن بوعد الرب وترك أهله وسار مع الرب الى الارض التي أراها أياه. هكذا التائبون يسجلون اسماؤهم دلالة على خضوعهم لله.

وفي يوم الاربعاء منتصف الصوم يخرج الكاهن ومعه شماسان ويتلوا عليهم البركة صباحاً ومساءً ، حيث في البداية يعلمهم نبذ الوثنية والاعتراف بالله الخالق. وفي يوم الاثنين الاخير للصوم ( اي الاثنين الذي يلي عيد الشعانين ) يدخلون الى بيت العماد صباحاً ، ويخرج الكاهن والشمامسة من المذبح ومعهم الصليب والانجيل والآنوار والبخور دون فتح الستار. ويقف امام باب بيت العماد ويعلمهم ويرشدهم. ويتلو عليهم البركة ، وفي يوم السبت ينالون العماد ، ثم يتناولون القربان المقدس ليشاركوا في عيد القيامة مع المؤمنين.

2 ــ طقس مغفرة الخطايا (خاص بالمؤمنين): فاذا ارتكب المؤمن احدى الخطايا يحرم من الاشتراك في الحياة المسيحية. فإذا أتى نادماً على خطيئته ، يفرض عليه القيام بأعمال التوبة كالصوم والصلاة والصدقة كعلاج روحي، ولكي يبرهن على صدق اهتدائه ، يقتضى عليه تكميلها مدة من الزمن. وبعد انجاز اعمال التوبة تجرى له رتبة الغفران ويمنح الحلة من خطاياه.

فطقس المغفرة ( ܚܘܣܝܐ ) كما جاء فيه: يتلى على الاشخاص الذين جحدوا ايمانهم وعادوا ثانية وللذين يأكلون اللحم في الصوم او في يومي الجمعة والاربعاء او على الذين يقترفون خطيئة ما. فيقيمون التائب امام باب المذبح ويتلى عليه طقس المغفرة الذي هو عبارة عن مزامير وتراتيل تحث التائب على التوبة ونبذ الخطيئة وتبيان محبة الله للخاطيء التائب. وفي النهاية يتلو الكاهن صلاة البركة والتي هي عبارة عن ابتهال الى الرب الرحيم الصالح الذي يفيض نعمته على الجميع ليفيض نعمته عليه ويجدد فيه روحه القدوس الذي ختم به ليوم الخلاص ويطهره من كل اثم جسدي وروحي ويقوي ايمانه ويستقيم خطواته ويمنحه القوة لكي يحفظ وصاياه ويتمم ارادته ليعترف ويسجد ويسبح اسمه القدوس. وبعدها يرسمه الكاهن بعلامة الصليب على جبينه. ويسأله إن كان بإرادته قد أخطأ بدون علة ، يرسمه ( بعلامة الصليب ) بالزيت المقدس على جبينه قائلا " يرسم ويجدد ويختم ويقدس فلان بسم الاب والابن والروح القدس " وإن كان قد أخطأ دون إرادته لا يحتاج الى الزيت المقدس. ويمنحه القربان المقدس. وتكون المغفرة اثناء الذبيحة الالهية وفي يوم السبت العظيمة ( سبت النور ) .

وهناك صلاة اخرى للمغفرة تتلى على الذين هم من معتقد اخر ويرغبون الانتماء الى الايمان القويم. فبعد تلاوة صلاة المغفرة يرسم التائب بعلامة الصليب على جبينه. وإن كان قد أذنب بارادته وعاد من معتقد اخر يرسمه بالزيت المقدس على جبينه بعلامة الصليب بإبهامه من الاعلى الى الاسفل ومن اليمين الى اليسار قائلاً " يرسم ويجدد فلان باسم الاب والابن والروح القدس.

وإن كان من معتقد اخر من الذين يؤمنون بالثالوث الاقدس ويعترف بالمسيح إله كامل وانسان كامل يضاف اليه رسم اخر قائلاً " يرسم ويجدد ويتمم فلان بالايمان القويم في المسيح باسم الاب والابن والروح القدس. ولكن اذا كان دون ارادته قد كفر او دون علة قد شارك بأحد اسرار الهراطقة لا يرتسم بالزيت. ويقبله الكاهن على جبينه ويقول " المسيح يتمم معك هذا التجديد الى الابد. ويتناول الذبيحة الالهية مع الشعب.

الاعتراف امام الله

إن كنيسة المشرق لا تحث المؤمنين بالوقوف امام منبر التوبة والاعتراف بخطاياهم امام الكاهن كما توصي الكنائس الاخرى ، بل عليهم الاقرار بها خفية امام الله الواحد المانح الغفران تماشياً مع قول المسيح " صلي الى ابيك في الخفية ، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك ( متى 5: 6 ) لأن الكاهن كما قلنا سابقاً ليس سوى واسطة من خلاله تنقل محبة الله الى التائب. والذهبي الفم يقول " انتم الان لا تلتزمون ان تعترفوا بها ( بخطاياكم ) على مسمع الناس عامة بل ابحثوا عن خطاياكم في سريرة ضمائركم وليكن القضاء فيها بغير شهود لها وليسمعكم الله وحده تعلنونها ، الله الذي لا يوبخكم عليها بل يمحوها بعد ذلك الاعتراف. ومار افرام يقول " تعالوا أيها الخطاة: خذوا أدوية النعمة. وضعوها على قروح جروح الخطيئة. بيّنوا وأوضحوا آلامكم: لطبيبنا الصالح الحكيم. الذي هو عارف بفرص الشفاء التي تداوي كسور الاثم.

وربما كان لآبائنا اسباب ومنها حسب رأي:

1. إنهم يريدون من الخاطيء الانتقال من حالة الخطيئة الى حالة العيش في كنف الروح. دون العمل بطقوس معينة كي لا تجعل من هذا السر مجرد طقوس وأحكام.

2. ربما كان الخاطيء قد اقترف ذنباً ما مع الكاهن المعترف او مع احد من ذويه ولا يستطيع البوح بها أمامه. او ربما الكاهن لا يستطيع اخفاء أسرار المؤمنين. وهذا ما يخلق نوعاً من الفوضى.

3. بما ان الكل مصابون بداء الخطيئة ، لذا فلا حاجة لذكر نوعها لأن دواء الخطيئة ( أياً كانت) فهو واحد  وهو التوبة والرجوع الى الله.

 

هذا هو رأي كنيستنا في سر التوبة ومغفرة الخطايا.

 

لتكن نعمة الرب مع جميعنا الى الابد: امين.

 

                                                       يعقوب دانيل

                                                    مطران استراليا ونيوزيلند

 

المصادر:

1.      الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

2.      كتاب  التوبة امس واليوم .

3.      كتاب تاريخ يوسف بوسنايا.

4.      كتاب طقس الكهنة لكنيسة المشرق.

5.      كتاب الاهوت المسيحي والانسان المعاصر. الجزء الثالث.

6.      كتاب القداس الكلداني: دراسة تحليلية وطقسية.

7.       ميامر نرساي .

8.      كتاب خطيب الكنيسة الاعظم: القديس الذهبي الفم.

9.      كتاب الصلاة الفرضية لمدار السنة ( خوذرا ) لكنيسة المشرق.

10.   كتاب ميامر صوم نينوى.

11.   كتاب افراهاط الحكيم الفارسي.

12.   كتاب مرجانة لمار عبديشوع الصوباوي.

13.   كتاب ثيودورس اسقف مصيصة ومفسر الكتب الالهية.

14.   كتاب السيرة الحميدة.

15.   كتاب المروج النزهية لأداب اللغة الارامية. الجزء الثاني.

16.   كتاب تفسير الطقوس الكنسية لأبراهيم بر ليفي القطري.

 

   Copyright ® 2007 www.karozota.com

             Österns Gamla Kyrka