سؤال وجواب

تاريخ

لاهوت

روحانيات

الرئيسية

إن المسيحية إنما إنتشرت في العالم على يد الرسل الإثني عشر وتلاميذ المسيح الإثنين والسبعين. فإنهم بعد حلول الروح القدس...

 

قصص وحكايات

إقرأ الكتاب المقدس في عام

إنجيل الأسبوع

تحميل

روابط

اتصل بنا

 

عظمة امنا العذراء مريم القديسة

 

الأب أسعد حنونا

   

 

    لو تأملنا قليلا في قصص وروايات ونصوص الانجيل المقدس واساليبها في سرد الاحداث في متى ولوقا نعرف التنشئة التي نشأت عليها امنا مريم وبيئتها وحياتها الاجتماعية التي عاشتها والايمان الذي تربت عليه وورثته عن اجدادها وحافظت عليه وكيف عاشته، نرى ان ذكر مريم العذراء والدة الرب يسوع لا يرد الا وقت البشارة وولادة الرب يسوع وتقدمته للهيكل وفقدانه فيه ومن ثم في عرس قانا الجليل ووقت آلامه وموته ومن ثم حياتها مع جماعة الرسل. يظهرها الانجيل في سرده للاحداث بهيئة امرأة أو فتاة بسيطة تعيش في الناصرة مدينة من الجليل، مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود (يعتني بها وبولدها بعد ولادة الرب يسوع لفترة قصيرة). مترددة الى الهيكل للصلاة وتكملة وصايا الرب التي اتت على يد موسى والانصياع لشريعته في (انا هو الرب الهك لايكن لك الهة اخرى غيري – احبب قريبك – اكرام الوالدين) وملتزمة في حفظ كل ما يأمرها به الرب عبر انبيائه والمتكلمين بأسمه. امرأة متواضعة بكل ما لكلمة التواضع من معنى، تصوم وتصلي وتكمل كل الفروض والواجبات المطلوبة منها، وحياتها الاجتماعية تشبه حياتنا قبل عقد من الزمن (في قرانا) الحياة البسيطة والمتعبة ونقل المياه واحضاره من البئر والاهتمام بأمور البيت من اعداد الخبز والطعام. اذا كل ما تحدثنا به الان مجرد مقدمات للموضوع الذي نريد التطرق اليه والدخول في صلبه وتفاصيله عن حياة امنا العذراء مريم وقبولها بما طلب منها الله ومشاركتها الفعّالة وعيشها خبرة الخلاص وتدبيره ودورها المركزي والهام في رسالة الرب يسوع ووجودها في كل لحظة مهمة من لحظات حياته لكن الانجيل لايذكر كل هذه التفاصيل بل يسرد جزءا منها ويريد ايصال ماهو مهم وجوهري الى القارئ او المؤمن، قصة الطفولة هي خبرة ايمانية الغاية منها توضيح عمل الله ودوره في الخليقة وتجديد حياة البشرية.

 

اركان القضية أوالقصة ومحاورها الاساسية

العذراء مريم - الملاك – البشارة – القبول – موقف مار يوسف – الله

    - ياتى الملاك ويبشرها بميلاد ابنها يسوع الذي سيكون مخلصا وفاديا للامم ومخرجهم من عبودية الخطيئة ومحبة الذات والمال والسلطة وغيرهما – اتى (تنازل الله وانحنى - الوهيم - يهوه - الاب السماوي ليحل في عالمنا وبيننا ليسكن فينا)  الملاك الحاضر هنا في القصة يمثل ويرمز الى حضور الله في العالم (وسط شعبه) وايصال كلمته لمن سوف يحفظها بأمانة ويكمل مشيئته. في البداية خافت مريم وترددت واستغربت واضطربت مما يحدث وضعت في موقف صعب، من هذا الشخص الذي يطلب منها امرا مستحيلا وتعجيزيا غير قابل للحصول ويعد خارج قوانين الطبيعة البشرية (كن فيكون) "كيف يمكن ان يولد طفل من دون لقاء رجل وامرأة؟" وما هذا الطلب العجيب الذي يدعوها لان ترضخ له وتقبله وما قصته؟ السؤال هنا يتردد الى أذهاننا ونستغرب منه ونتشكك كما شككت مريم لماذا أنا؟ لماذا هذه المرأة بالذات؟ وماذا فيها من امر غريب او صفات تميزها عن باقي النساء؟ ولماذا امرأة فقيرة لتحمل المخلص في احشاءها؟ اسئلة كثيرة تراود المؤمن المسيحي في يومنا وحتى اليهودي في زمن العذراء مريم، شككت مريم وبدا القلق يساورها (كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا؟) غالبا ما نقول نحن في تعبيرنا البشري العادي ولغتنا البشرية ان الله قادر على كل شيء والله قادر على ان يحي الموتى ويشفي المرضى وبالتالي قادر على ان يصنع ما هو اعظم ليتنازل ويولد من امرأة ويكون هو من يقود البشرية نحوه ليؤمنوا به وليتبعوه. انذهلت مريم ودخلت في جدال مع الملاك (ها انا ابشرك بفرح عظيم فمنك يولد المسيح المخلص ابن داود) ومعركة حوار قد يؤدي الى القبول او الرفض (انا فتاة عزباء – انا مخطوبة – لست متزوجة – من انت لتطلب مني هذا؟ من سيحميني من كلام الناس؟ وغيرها من الاسئلة) واذا عرفوا بحبلها رجال الدين اليهود او الناس ماذا سيكون موقفهم وردهم وجوابهم؟ وهل سيعتبرونه امرا عارا لانه قد تكون فعلت شائنة وتقول للشعب الرب صنع في اعاجيبه (ننتظر تدخل الله).

    - الاخذ والعطاء بينها وبين الملاك بالتالي اوصلها الى النهاية واقتنعت اخيرا ان هذه ارادة ومشيئة الله ونعمة من لدنه في ان تكون هي الاناء والهيكل المقدس لاستقبال ابن الله في احشاءها، كلمة الله الحية، كلمة الرب التي ستولد منها بهيئة انسان وبشر مثلنا (الكلمة صار جسدا) الشجرة المثمرة التي سوف تعطي للعالم ثمرة الخلاص، وتشترك في تاريخ الخلاص (ها انا امة للرب فليكن لي حسب قولك) انا موافقة وليكن مصيري مثل مصير ابني يسوع (الله يختار من الضعف قوة) اختارها من بين كل البشر ومن بين كل الامم ومن بين كل النساء لتكون اما لابنه (اختارها واصطفاها وطهرها من بين نساء العالمين) اصبحت بقبولها كلمة الرب اما ليسوع واما لنا نحن ايضا بأعتبارنا اخوة للرب يسوع وشريكين معه في امنا مريم القديسة.

    - وبعد موافقتها على مشروع ومخطط الله بدأت مريم تفكر في مار يوسف الرجل البار والمسكين والصديق والمؤمن، كيف سيكون موقفه ورد فعله لاستقبال هذا النبأ؟ بالنسبة للرجل يوسف سيكون الخبر مزعجا ومقلقا وقد يثير اعصابه، كيف يكون هذا؟ ومن هذا الغريب الذي اتى وحل محله وسرق منه خطيبته؟ وكيف قبلت هي بهذه السهولة بهذا الامر دون ان تتروى وتأخذ رأيه؟ وما سيكون دوره هو في المستقبل وكيف سيتعامل مع الوضع الجديد؟ اهل سوف ينسحب من حياتها ام سيكمل المشوار معها حتى النهاية؟ اهل مار يوسف بهذه السذاجة ليقبل بهذا الامر بسهولة؟ اكيد لا سيظل الشك يوخز عقله وقلبه ويقظ مضجعه الى ان يعلم العلم اليقين ماهي الحقيقة.

    - هنا بدأ الصراع عند مار يوسف عندما بدأ يرى ويشاهد بطن خطيبته تكبر امامه، ساورته شكوك عدة وعلى اثرها قد يقدم على جريمة ويقتلها لانها اقدمت على فعل شنيع. ظل يتخبط هنا وهناك لا ليله ليل ولا نهاره نهار، يسألها ام لا؟ واذا عرف ان هناك امر غير اخلاقي ماذا سيفعل؟ وهنا جاء دور الرب وتدخله يأتي في الوقت المناسب عندما يشعر الانسان باليأس والقنوط (لاتخف ان تأخذ امرأتك فالمولود منها هو من الروح القدس) المولود من عذراء من خطيبتك هو من الله وليس من رجل اخر، يجب ان تحافظ عليه وتحميه هو وامه وانا اكفلك بهما واكلفك بأن تهتم بالام وطفلها. اذا بعد التفكير العميق والشك الذي ساور مار يوسف لفترة طويلة وصمته وانزوائه قطع الرب هذا الصمت الرهيب واظهر الحقيقة له (كما ان الرب مرات يقطع صمتنا وسكوتنا ويظهر لنا الحقيقة التي نريد معرفتها لكي نتجنب الوقوع في الخطأ واتهام اشخاص لاذنب لهم في شيء) اقتنع مار يوسف اخيرا ان لله مشيئة في هذا الحبل ومشيئته فوق كل شيء وانه لابد من ان يأتي ويحل الخلاص في شعب اسرائيل. وسيتجلى دوره الذي بدأ عندما قرر ان يحافظ ويصون هذه المرأة لحين وقت ولادتها ولتبان الحقيقة بعد مدة من الزمن وبشهادة الرجل العجوز شمعون الشيخ (هذا الطفل مختار من الله) هذا الطفل ستحيا الامة من جديد على يديه وبواسطته، هو الذي سيكون مخلص اسرائيل من الطغاة والظالمين.

    - لقد استحقت مريم العذراء بهذا الفعل وهذا القبول لامر الرب والقناعة التامة بارادته ان تكون اما ليسوع، ليس فقط لان هذه ارادة الله ومشيئته ويجب ان تكملها رغما عنها بل بحريتها لانها اثبتت بصدقها وايمانها وانصياعها لله وسماع كلمته والعمل بهما انها تستحق ان تكون الام المثالية والعظيمة والقديسة لتحمل الكلمة التي صارت جسدا في حياتها. بصلاتها وثقتها وتواضعها نالت حظوة عند العلي الذي اراد ان تكون هذه المرأة البسيطة اما لابنه الذي سيكشف في يوم ما اسمه للامم اجمعين وسيعظمه بين كل الشعوب كما عظماه مريم ويوسف واليصابات وزكريا الكاهن ويوحنا المعمذان الذي اكد ان الخلاص يأتي بالتوبة والرجوع الى الله خالقنا (توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات). فمريم العذراء اضحت بحق القدوة والمثال والرمز لنا لاختبارها الحقيقي لوجود الله في حياتنا وعمله في كل ركن من اركانها حياتنا الايمانية والانسانية والروحية للوصول الى قمة القداسة. فهي الوسيطة والطريق والدليل لنا للوصول الى الاب، تعطينا كل ما نحتاجه ولا تبخل علينا بشيء وكل مانطلبه منها لا ترجعنا خائبين فهي امنا في الشدائد والمصائب (فالام لاتبخل بشيء على ابناءها واولادها وتكون معهم حتى النهاية وتحميهم من الشرور) وتشاركنا في صعوباتنا وترفع عنا همومنا وخطايانا وتساعدنا وتعيننا، فهي ام النعمة الالهية وهي ام المعونة الدائمة، بها شاركنا في الام ربنا يسوع المسيح، وبها نكتشف يوم بعد اخر ان الله لايتركنا وهو معنا الى انقضاء العالم.

    - من كل هذا اقول ان امنا العذراء مريم تظل الشمعة المنيرة والسماء الصافية والشمس الساطعة التي تنور حياتنا، وهي ينبوع المحبة الفائض لابنائها الذي لا ينضب ابدا، انها الام القديسة التي تلعب دورا بارزا في حياة كل واحد منا لتقربنا من ابنها يسوع لكي نقتدي به ونحذو حذوه في كل شيء ماعدا الخطيئة التي تمزق حياة الانسان فلنكرم ونقدس امنا العذراء في حياتنا وايماننا وصلاتنا وعبادتنا ولنتشفع لها لتكون السند القوي لنا لكي لانقع في التجربة فنهلك.

لتكن مباركة امنا العذراء مريم.

 
 

Copyright©  www.karozota.com

 
  
 

English